كنا قد أوردنا في الأسبوع الماضي بعض معاملات البيع والشراء لبعض الأسر البحرينية بين المنامة، والمحرق، والدراز، والهند. وكان الاسم المشترك بينها كلها عائلة بوشهري من المنامة. واليوم نكمل بعض هذه الوثائق لأهميتها في إلقاء الضوء على جانب من الحياة الاقتصادية في الربع الأول من القرن العشرين بين كل أطياف المجتمع التجاري البحريني.
الوثيقة الأول هي بشأن تأجير موقع الترفيه الوحيد للناس في البحرين بالعاصمة المنامة في تلك الفترة من العام 1922، ونقصد بها حديقة البلدية المعروفة بـ «الباخشة»، أو «باغشه» بحسب اللفظ الفارسي، فالكلمة أعجمية الأصل والنطق.
والوثيقة عبارة عن عقد تأجير لهذه «الباخشة» كالتالي:
«بسم الله الرحمن الرحيم
اقول وانا عبدالله بن عيسي آل خليفة باني قد ضمنت حاجي آغا الباخشة الكائنة في المنامة سنه واحدة عن ثمانين روبيه مبداها من حال التاريخ الي انتهاء السنة المذكورة وعليه الصلاح في كل لازم حتى لا يخفى
حرر في رجب 1340
عبدالله بن عيسي
(الختم به النقش والاسم)».
أما الوثيقة الثانية فعمرها أكثر مئة عام بقليل، ودونت بخط اليد في أغسطس العام 1913، وتحكي عن تجارة لم تعد متوافرة الآن في الأسواق، أو لم تعد لها تلك الأهمية التجارية. فهي تتحدث عن بيع كميات كبيرة من «السلوق»، وهي حبات التمر (الرطب) المجفف، وعادة تكون ذات طعم شديد الحلاوة. ونص الوثيقة كالتالي:
«بسم الله الرحمن الرحيم
اقول وانا يا سيد شبر بن السيد محمد التوبلي بأني قد بعت على الرجل المكرم علي كاظم العجمي سبعماية مَن سلوق المَن عن ربيتين ونصف واصل العماره وقد قبظت من عنده عربون ثمنماية (800) روبيه كيلا يخفى والله خير شاهد ووكيل
جرا وحرر صحة على الاشهاد باليوم السابع والعشرين في شهر شعبان لسنة 1331
حرر في 27 شعبان 1331
صحيح
سيد شبر بن السيد محمد
(الختم وبه الشعار والاسم)».
أما الوثيقة الثالثة، فهي بين تاجر اللؤلؤ الحاج عبدالمحسن بن متروك آل شهاب الدرازي، وبين التاجرين علي كاظم، والحاج عبدالنبي بوشهري، وتاريخها 4/ فبراير/ 1914م. وعبارة عن رسالة من البحرين إلي بمبي كما هو مدون بها، وتقول:
«في 8 ربيع الأول 1332 من البحرين الي بمبي فقط الفين (2000) روبيه لا غيرها
جناب الاجل الامجد الافخم حميد الشيم الحاج حسين بن الحاج عبدالله بن سعد الحداد المحترم
ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام وبعد نحب اطلاعكم على ورقتنا هذا بورودها تسددون لامر كربلائي علي كاظم والحاج عبدالنبي بوشهري مبلغ المذكور أعلاه الفين روبيه النصف عن الشك والريب الف روبيه (1000) ونصف، وذالك من طرف المذكورين وبعد الدفع خلصوها بمظهره كجاري العاده وقيدوها في الحساب ودم في حرز الله سالماً والسلام
صحيح عبدالمحسن
بن متروك الدرازي
(الختم)».
(ملحوظة بالخط المائل: سُلم وجه الحواله الي جناب الحاج ابراهيم بوشهري وشركاه
من علي كاظم والحاج عبدالنبي بوشهري)
وهناك ختم للشركة ورقم القيد 116/ 28- بومبي.
وتعليقاً على هذه الوثائق الثلاث نشير في بدايتها لتعدد أنواع الأعمال التي قام بها آل بوشهري في البحرين مع بواكير القرن العشرين، بين التجارة الخارجية والداخلية، ومنها الاستثمار في المتنزهات العامة، والأغذية، والعقارات.
فالوثيقة الأولي الخاصة بعقد (ضمان) أو تأجير حديقة «الباخشة» على حاجي آغا. ونتيجة الاستفسار من أفراد عائلة بوشهري شخصياً، والبحث في الوثائق السابقة التي تم نشرها العام الماضي 2013 في هذه الزاوية، عن حكاية «ناقة البديع»؛ اتضح أن حاجي آغا هو بنفسه من أُطلق عليه (كبير قرية البديع)، ومدير البلدية في البديع، بحسب رسالة له من الشيخ حمد بن عيسي آل خليفة نائب حكومة البحرين حينها؛ ووكيل البلدية في البديع، بحسب رسالة وجهت له من الميجور سي كي ديلي باليوز في البحرين في العام 1924، ألا وهو الحاج عباس بوشهري. وبسبب المعرفة الطويلة بين الجانبين فقد تمت مخاطبته في هذه الوثيقة بلقبه الأخوي فقط باللغة الفارسية حاجي (آغا).
أما حديقة «الباغشة»، التي ناقشنا أسباب تسميتها بهذا الاسم في وثائق سابقة يمكن الرجوع إليها عبر أرشيف الصحيفة؛ نشير هنا فقط إلى أنها أول حديقة تنشأ على الطراز الأوربي الحديث في البحرين، وهي متنزه جميل وسط العاصمة كان يقصده الأهالي للترويح عن أنفسهم ولمشاهدة الحيوانات المختلفة التي جلبتها البلدية من أوروبا وإفريقيا. ويقال إن المستشار بلغريف كان وراء فكرة إنشائها لولعه بالحدائق. ويبدو، بحسب وثيقتنا اليوم، أن مدير بلدية البديع (عباس بوشهري) قد استأجر هذه «الباخشة» لمدة عام واحد ما بين 1922 و1923 لغرض الاستثمار التجاري في مشروع المتنزهات العامة، وهذا يوضح بدايات تأجير الحكومة لبعض مرافقها للقطاع الخاص على سبيل التعاون بين الجانبين. وللأسف لم يطل العمر بهذه الحديقة فقد تحولت بقدرة قادر وبقرار من البلدية إلى محطة لعربات «الحمير»!، كما باعت القسم الباقي منها على من دفع أكثر أو أقل.
أما الوثيقتان الثانية والثالثة، فهما عنوانان ضمن سياق العلاقات التجارية عالية القيمة والتقدير والثقة بين تجار البحرين في بواكير القرن العشرين. كما توضح الوثيقة الثانية أهمية تجارة الرطب المجفف (السلوق) في أسواق البحرين بالنسبة لغذاء الناس لدرجة أن يبيع منه ومن قرية واحدة فقط وهي توبلي وبسعر 1400 روبية، 700 مَن، وهو من أنواع الوزن في الأسواق آنذاك (الربعة، والمن). كما تشير الوثيقة الثالثة لقدم العلاقة التجارية المتينة وذات الثقة وكلمة الشرف البحرينية بين أسرة آل شهاب الدرازية، وأشرة بوشهري المنامية داخل وخارج البحرين في زمن اللؤلؤ، ولأريحية التخاطب بينهما، فقد أطلق عبدالمحسن بن متروك اسم «كربلائي علي كاظم» على زميله في التجارة بسبب أن كل من كان يتشرف بزيارة الإمام الحسين (ع) في تلك الأيام لمشقة السفر، يُطلق عليه لقب «كربلائي» تشريفاً له.
العدد 4249 - الجمعة 25 أبريل 2014م الموافق 25 جمادى الآخرة 1435هـ
احسنت دكتور
شكرا دكتور محمد كل سبت ننتظر جديدك ايها الباحث الرصين جاسم حسين