بغض النظر عن اختلاف الرؤى ووجهات النظر، فإن الشخص الموقوف له من الحقوق التي لا ينبغي إنكارها أو تغافلها، مهما كانت تهمته التي تم توقيفه بسببها. فهو بالتالي إنسانٌ يستحق العناية والاهتمام، خصوصاً أنه في وضعٍ لا يسمح له بالدفاع عن نفسه بحرية، أو يمكنه من تحصيل كامل حقوقه.
وإضافةً إلى الشخص نفسه، هناك أسرته وعائلته التي قد تضطرها الظروف لمواجهة أوضاع قاسية بسبب فقد معيلها أو أحد أفرادها لسنوات قد تطول كثيراً، دون أن يتوفر لهم من يقوم بتلبية احتياجاتهم ومتطلبات حياتهم .
كم مرت من حالات إنسانية مؤلمة على أفرادٍ يموت أحد والديهم مثلاً وهم قابعون في السجون؛ أو تتكفل الأم بتربية صغار أولادها بعيداً عن والدهم المغيّب؛ أو أن تتعطل مصالحهم وأعمالهم بسبب غياب ولي أمرهم وصعوبة تمكنهم من الحصول على وثائق رسمية مثلاً.
الألم يستمر ويتضاعف عندما يكون الحكم على أحد الموقوفين لسنوات طويلة يقضي خلالها زهرة شبابه بين جدران أربعة، بعيداً عن الحياة الطبيعية التي يعيشها غيره. وكم سمعنا من قصص مؤلمة لموقوفين أدى بهم مثل هذا الوضع إلى مشاكل نفسية وجسدية سيئة .
لا يصح أبداً أن نبقى كأبناء وطن واحد، متفرجين على هذه الحالات الإنسانية التي تستدعي معالجة ومساهمة من جميع الأطراف، كل من موقعه. فقد تقوم بعض المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان بدورٍ محدودٍ في هذا المجال الذي يتطلب اهتماماً بالغاً، وعملاً تخصصياً واسعاً.
إنها مسئولية إنسانية قبل أي شيء، فالشخص المتهم ينبغي أن يحصل على كامل الضمانات التي تحقق له معاملة سليمة ومحاكمة عادلة، دون أن يكون هناك مبالغة في الدعاوى عليه، خصوصاً إذا كانت تهمته مرتبطةً بتعبير عن رأي أو موقف .
يبدي بعض المحامين المتطوعين استعداداً للترافع عن مثل هؤلاء الأفراد، مساهمةً في دعمهم ومساندتهم والتخفيف من التكاليف التي يتحملها أهلهم، وكثيرٌ منهم لا يتمكنون من توفير مثل هذه المصاريف الطارئة والعالية.
مثل هذه المبادرات للمحامين بحاجةٍ إلى تفعيل وتبنٍّ وتنسيق كي تحقق أهدافها، وتقدم حلولاً واقعيةً وملموسةً. ومن المهم أيضاً تسهيل تشكيل لجان أهلية تتعاون مع المؤسسات الحقوقية ولجان رعاية السجناء وأهلهم لغرض الدعم المادي والمعنوي للموقوفين أنفسهم، وللأسر التي غاب عنها أبناؤها ومعيلوها.
قبل كل ذلك، ينبغي أن تتكامل الأنظمة والبيئة القانونية الحامية للمتهمين والموقوفين، والمستندة على الالتزامات ببنود وأسس اتفاقيات حقوق الإنسان المعتمدة، بما يضمن معاملةً كريمةً وعادلةً للموقوفين والسجناء. فعلى سبيل المثال، أن تكون مدد الأحكام متناسبةً مع نوعية التهمة وطبيعتها، لا أن تكون تعسفيةً ومتأثرةً بأجواء شحن وتعبئة ضد المتهم.
نتحمل جميعاً مسئولية إنسانية وشرعية ووطنية كبيرة في الدفاع عن كل الموقوفين ودعمهم ومساندتهم، وضمان حقوقهم الإنسانية، وعدم السكوت عن أي انتهاك أو ظلم يتعرضون له.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 4249 - الجمعة 25 أبريل 2014م الموافق 25 جمادى الآخرة 1435هـ