العدد 2461 - الثلثاء 02 يونيو 2009م الموافق 08 جمادى الآخرة 1430هـ

السيستاني... موقف آخر للتاريخ

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في موقف تاريخي مشهود، أكّد المرجع الديني آية الله السيد علي السيستاني أن العراق لا يُحكم بأغلبيةٍ طائفيةٍ أو قوميةٍ، إنما بأغلبيةٍ سياسيةٍ تفرزها الانتخابات.

الموقف جاء ردا على تصريحات أحد قياديي المجلس الإسلامي الأعلى الذي تحدّث عن أحقية الشيعة في حكم العراق لأنهم يمثلون الأغلبية، كما يجري في مختلف بقاع الأرض، حتى تُرجمت تلك النظرة إلى قوانين ودساتير تحكم كثيرا من البلدان.

العراق الذي شهد في الأعوام الأخيرة تغييرا في موازين القوى والأوضاع السياسية، يشجّع وضعه على اندفاع بعض القوى للتعويض عمّا عانته من حرمانٍ واضطهادٍ وظلم تاريخي طويل. وهو نظرةٌ مفهومةٌ من الناحية السيكولوجية، لكنها من الناحية السياسية غير مقبولة لمن ينظر إلى المستقبل لينهض العراق من كبوته، ويتخلّص من عقد وأغلال الماضي.

موقف السيد السيستاني القائم أساسا على الرؤية الإسلامية الشرعية، له بعده السياسي حتما، ففي بلدٍ مكوّنٍ من خليطٍ من الطوائف والأديان والأعراق والقوميات، الأصلح له أن يتبنى نهجا قائما على التوافق ليجمع مختلف الأطياف. فتجارب التاريخ تثبت أن الأوطان القوية لا يمكن بناؤها على أنقاض بعض مكوناتها، أو تهميش بعض أبنائها، وما قتل الدولَ داءٌ مثل الاستئثار.

تاريخ العراق لا يمكن فهمه دون قراءة دور المرجعية الدينية، وسرّ قوته يرجع إلى استقلاليتها عن دائرة النفوذ السياسي، الذي أتاح لها ممارسة دور الرقابة على الوضع العام والتعبير عن ضمير الأمة، في أحلك فترات التاريخ المفصلية. بالمقابل تراجع موقع المرجعيات الأخرى في الدول العربية والإسلامية بسبب فقدان استقلاليتها وذوبانها شبه النهائي بدوائر الحكم والسلطة.

السيستاني تولّى المرجعية في أعقاب رحيل أستاذه زعيم الحوزة الدينية آية الله الخوئي العام 1992، وكان ينظر إليه كامتداد لنهجه، الذي يتحاشى ما أمكن الدخول في السياسة. والمرجعية تعرّضت لضغوطٍ هائلةٍ في العقود الأخيرة لتحجيمها، ولم ينجُ السيستاني من مطاردة النظام السابق ومضايقاته، حتى خضع سنوات طويلة للإقامة الجبرية، وبعد سقوطه عاد ليمارس دورا رقابيا أثبتت الحوادث أهميته البالغة لوضعٍ مثل الوضع العراقي.

العراقيون سيذكرون للسيستاني دوره في منع الانزلاق إلى الحرب الأهلية وحفظ الدماء، ونزع فتيل المواجهات الداخلية كما حدث في مدينة النجف. كما سيذكرون له موقفه حين قال: «السُنّة إخواننا بل هم أنفسنا»، بينما كانت قوى سنية وشيعية متطرفة تدفع للصدام والانتقام، فيما دخلت القوى التكفيرية لتدفع بعنفٍ نحو حربٍ مذهبيةٍ يعمّ شررها المنطقة كلها.

كثيرون سيذكرون موقفه الرافض لمقابلة أي مسئول أميركي زمن الاحتلال، وعندما ألحّ الحاكم القوي بول بريمر على مقابلته ردّه عن بابه بحزم: «أنا إيراني وأنت أميركي، فدع العراق للعراقيين»، حتى اعترف بريمر أنه الشخص الوحيد الذي يخشاه في العراق. كما سيذكرون موقفه من الحليف الأقوى للنظام العراقي الجديد، حين استقبل أحد أبرز أقطابه (هاشمي رفسنجاني) في النجف، ولكنه رفض دعوته لزيارة طهران.

السيستاني رجلٌ منسجمٌ مع ذاته دائما، وفي موقفه الأخير كان يعبّر عن رفضه المبدئي لأطروحة الاستئثار بالسلطة أيا كانت، مذهبية أو عرقية أو قبلية. وهو موقفٌ لاقى هوى خاصا لدى بعض أجهزة الإعلام العربي المتسرّعة، ولو تريثوا قليلا لأدركوا أنهم معنيون، فأغلب القبائل العربية الحديثة لا تقيم وزنا -والحمد لله- لصوت الشعب ولا تعترف بما تمليه صناديق الاقتراع!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2461 - الثلثاء 02 يونيو 2009م الموافق 08 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً