العدد 2461 - الثلثاء 02 يونيو 2009م الموافق 08 جمادى الآخرة 1430هـ

النظرة الإسرائيلية لمعارك قلقيلية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يفاجئ الاقتتال الفلسطيني بين «فتح» و«حماس» أيّا من المتابعين لتطور الأوضاع الفلسطينية. ولم تثر الاتهامات المتبادلة بين الطرفين استغراب الضالعين في مشاريع سلام شامل تنخرط فيه القوى المختلفة ذات العلاقة بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. بل لربما كان المفاجئ مضي أكثر من عدة أسابيع قبل أن تشهد الساحة الفلسطينية الداخلية أي شكل من أشكال التوتر، بما فيها الاقتتال المسلح، الذي بات مشهدا ثابتا في مسيرة النضال الفلسطيني، تماما مثل ما باتت الاتهامات المتبادلة المرافقة للاشتباكات المسلحة الفلسطينية، وما أكثرها، من الثوابت المرة في تلك المسيرة.

فما أن اندلع الاشتباك في قلقيلية، حتى بادرت «فتح» باتهام «حماس» بأنها «تكدس أسلحتها من أجل إثارة الفتنة والبلبلة، وخلق حالة من عدم الاستقرار،(معتبرة) أن ما جرى يؤكد تعطش (حماس) لسفك الدماء وإثارة الفتن». أكثر من ذلك، ذهب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إلى اتهام مقاتلي «حماس» «بالخارجين عن القانون الذين ليس لهم سوى خلق حالة من البلبلة وعدم الاستقرار وتهديد أمن شعبنا ومصالحه الوطنية العليا».

مقابل ذلك الاتهام بادرت «حماس» إلى القول، على لسان القيادي في الحركة والناطق باسم كتلتها البرلمانية صلاح البردويل إنها «تحمل المسئولية الأولى عن جريمة الاغتيال للرئيس المنتهية ولايته عباس ورئيس حكومته اللاشرعية فياض اللذين أعطيا الأوامر لملاحقة أبطال المقاومة وتصفيتهم إرضاء لمزاج حكومة الاحتلال العنصرية».

من أكبر الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها من يتابع تطورات مثل تلك الاشتباكات، الانزلاق، كما يدعي الطرفان، إلى إتهام أي منهما بالعمالة للعدو الصهيوني، أو اشتراكه، بوعي وتنسيق مسبقين في تنفيذ مخطط إسرائيلي. في هذا المدخل الكثير من التبسيط، إلى جانب كونه ينسف التاريخ النضالي للفصيلين، اللذين قدما، دون أي استثناء تضحيات جسام من أجل تثبيت حقوق الشعب الفلسطيني، التي لم يتوقف العدو عن محاولات مصادرتها، بل وحتى طمسها من خلال مشاريعه الاستيطانية المعاصرة، وإدعاءاته التاريخية الباطلة، على التوالي.

لن نتوقف عند سلبيات أي شكل من أشكال الخلافات الفلسطينية، فهذا ما تعلمنا إياه أبجديات العمل السياسي عندما يتعلق الأمر بحق الشعوب في استعادة حقوقها، لكننا سنسلط الضوء على فداحة الخسارة الناجمة عن المعركة الحالية الدائرة على ساحة الصراع الفلسطيني - الفلسطيني من خلال رؤيتنا للنتائج الآنية المباشرة المترتبة عليها. هذا يتطلب إدراكا بأن هذه المعركة تتم في وقت يستعد فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما لزيارة المنطقة، بعد زيارة فاشلة قامت بها عدة وفود رسمية إسرائيلية أخيرا لواشنطن، وعلى أبواب استكمال المحادثات الفلسطينية المقرر لها أن تبدأ في القاهرة في مطلع يوليو/ تموز المقبل.

خسائر الجانب الفلسطيني من جراء هذه المعركة كثير، ومن بين أهمها:

1 - استنزاف القوى الفلسطينية في اقتتال داخلي، بدلا من تجيير كل القوى في وضع مشروع فلسطيني ناضج، وقابل للتحقيق على طاولة المفاوضات المصرية - الأميركية التي ستعقد خلال أيام قليلة، وفي مقدمة القضايا التي ستناقشها مشروعات السلام في الشرق الأوسط. ولابد لنا هنا من الإشارة إلى ما حققه لقاء أوباما عباس الأخير من نجاحات عكست بشكل واضح شدة الخلاف الأميركي - الإسرائيلي، ولأول مرة بشأن الموقف من المستوطنات في الضفة الغربية، التي كانت من أسباب فشل الزيارة التي قام بها إلى واشنطن أخيرا رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامبن نتنياهو. الحديث هنا عن تناقض ثانوي في مرحلة معينة، حتى لا نذهب بعيدا في تحليل طبيعة التحالفات الإسرائيلية - الأميركية، أو تناول ثقل اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة في موازين الصراع في الشرق الأوسط.

2 - تبرير المشروعات الاستيطانية التي تقوم بها «إسرائيل»، تحت شعار «غياب طرف فلسطيني» يمكن التحاور معه من أجل التوصل إلى صيغة محددة، وصرف نظر الإعلام الدولي عن مشروعات العسكرة التي تنفذها «إسرائيل»، وآخرها قيامها «إسرائيل» أيضا بغطاء إعلامي يخفي استعداد «إسرائيل» لإجراء مناورة عسكرية كبيرة الأسبوع القادم والتي قال عنها المتحدث باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية شلومو درور «إن المناورات تهدف إلى التمرن على مواجهة سيناريو قائم على هجمات متزامنة من عدة جهات وبوسائل متنوعة».

3 - تشتيت جهود كل القوى المعادية لـ «إسرائيل» والمتعاطفة مع القضية الفلسطينية، التي ستجد نفسها أمام مأزق حاد وموقف حرج، عندما تحاول التضامن، سواء كان ذلك التضامن، مادي أم معنوي، مع القضية الفلسطينية، فمن الطبيعي أن تتردد تلك القوى في تحديد أي موقف داعم لأي من الفصيلين المتقاتلين. ينطبق هذا القول على كل من التقاهم أغو سيلتقيهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس من أجل اطلاعهم على نتائج محادثاته في واشنطن والمكاسب التي حققها، والتي كانت حصيلة نضالات وتضحيات الشعب الفلسطيني التي قادتها قواه المناضلة، بما فيها «فتح» و«حماس».

وإذا كان الفصيلان غير راغبين في الاستماع لأحدهما الآخر، والتوقف عن هدر تضحيات الشعب الفلسطسنس، فلربما آن الأوان كي يستمعا سوية إلى ما يقوله العدو الإسرائيلي عن ذلك الاقتتال، والذي جاء على لسان نائب رئيس الوزراء، وزير الداخلية إيلي يشاي، والذي يرأس أيضا حزب «شاس»، في تصريح له لوكالة «يو بي آي» للأنباء، حيث أكد أن تلك الاشتباكات لا تعدو كونها «شكلا من التضليل». وكأنه بذلك يقول، إنه مهما بلغت الخلافات داخل صفوف الشعب الفلسطيني، فإنها لا تصل إلى المستوى التي يعتبرونها هم في «إسرائيل» صادقة إلى درجة يعولون عليها عندما يحسبون بدورهم نتائج الخسارة والربح، إذ يبقى، من وجهة نظرهم الصهيونية، الشعب الفلسطيني مصدر خطر وتهديد في آن.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2461 - الثلثاء 02 يونيو 2009م الموافق 08 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً