أطاح مرض «كورونا» بوزير الصحة السعودي، قبل يومين، بصدور قرار ملكي بإعفائه من منصبه.

المرض كان ينتشر منذ عامين ويوقع ضحاياه، وكانت وزارة الصحة السعودية تحاول التكتم عليه، وكان الرأي العام يشاهد ويتذمر. وفي الصيف الماضي، حيث قضيت أسبوعاً في أبها غرب السعودية في عطلة عيد الفطر، لاحظت أن الصحف لا تخلو من مقالات يومياً عن المشكلة. سياسة التكتم على المرض لا يخفيه ولا يحاصره، وتضليل الرأي العام والتذاكي عليه لا يقضي على المرض. وهكذا تضاعف عدد الضحايا خلال هذه الفترة، حتى أوقع عدداً من الأطباء وأفراد الطواقم الطبية، ولم يعد هناك مجال للتهوين من المرض.

في البحرين، لم تحرّك وزارة الصحة ساكناً، ولو من باب الإجراءات الاحترازية تحسباً لانتقال العدوى. والعدوى كانت متوقعةً جداً، فهناك آلاف المسافرين والسياح يتدفقون يومياً بين البلدين، وهناك حملات أسبوعية للعمرة على مدار العام، فضلاً عن أفواج الحجيج، ومع ذلك لم تضع الوزارة احتمالاً بانتقال مثل هذا المرض عبر الجسر. ولولا تحرش الصحف في اليومين الماضيين بمسئولي الوزارة، لما نطقوا بكلمة واحدة، ومن خلال ذلك عرفنا أن هناك 400 إصابة مشتبه بها.

التصريحات التي وردت في صحيفتين، أثارت الكثير من القلق في الشارع البحريني، وهو ما دفع الوزارة إلى عقد مؤتمر صحافي أمس (الأربعاء) لتبديد الشكوك، وطمأنة الناس بأن كل شيء تحت الكنترول.

وزير الصحة صادق الشهابي أعلن عن اجتماع مرتقب لوزراء الصحة العرب الأسبوع المقبل، «للوقوف على حيثيات المرض»! وأكد أن «الوزارة على استعداد لمواجهته، فجميع المواد اللوجستية والكوادر المؤهلة متوافرة لعمل كل التحاليل المختبرية والتشخيصية». أما الوكيل المساعد للرعاية الصحية الأولية مريم الجلاهمة فأكدت ما كان يعرفه الجميع، من أن فيروس الكورونا لم يكتشف له لقاح حتى الآن، لذا تم الاكتفاء العام الماضي بتوعية الحجاج والمعتمرين. إلا أنها وقعت في تناقض كبير، حين قالت إن «الفيروس لا ينتقل من خلال التجمعات البشرية، إذ إن آلية الانتقال مجهولة حتى الآن، فهو يحدث من خلال المخالطة القريبة جداً للمريض»، ومن حجّ البيت أو اعتمر يعرف جيداً معنى المخالطة القريبة جداً!

المفارقة أنه في الوقت الذي كان الوزير يعقد المؤتمر بشأن مرض لا يمثل تهديداً كبيراً، كما توحي وقائع المؤتمر الصحافي، كانت الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي تتداول خبراً عن وفاة شاب بحريني آخر (جاسم البدر، 28 عاماً)، جراء تعرضه لنوبة «سكلر»، حيث أسلم الروح بعد ثلاثة أيام من دخوله مستشفى السلمانية، ليبلغ عدد الضحايا عشرين منذ مطلع هذا العام.

الرقم قياسيٌ وخطيرٌ، فقد كان معدل وفيات السكلر في حدود الضحيتين شهرياً قبل ستة أعوام، ارتفع إلى ثلاث ضحايا شهرياً خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وعاد ليقفز فجأة إلى خمس ضحايا هذا العام. وهو ما يؤكّد أن وزارة الصحة، بطاقمها الحالي، فشلت فشلاً ذريعاً في احتواء هذا المرض المستوطن في البحرين، بل إنه ازداد استفحالاً، وزادت الوزارة تخبطاً وعجزاً.

إن من يتحدث عن اتخاذه إجراءات احترازية لمواجهة مرض الكورونا، القادم من وراء الحدود، والذي لم تُعرف طرق انتقاله أو علاجه بعد، كان الأولى به أن يواجه مرضاً مستوطناً في أرض البحرين منذ قرون طويلة. لقد كان الأولى بهذه الوزارة، على من تعاقب عليها من وزراء، أن تحاصر هذا المرض القاتل، وأن تجد الحلول لمقاومته خلال العقد الماضي، كما نجحت دول أخرى مثل قبرص في محاصرته والتخلص منه. لا أن تقف اليوم لتسجل هذه الأرقام الكارثية من الضحايا، التي تدينها وتثبت عجزها وفشلها وتخبّطها. ولو كنا في بلدٍ آخر لاستقال الوزير وطاقمه بالكامل، وإذا لم يستقيلوا لتمّ إقالتهم حفاظاً على أرواح الجمهور.

وأخيراً... ثقوا أن من عجز عن مواجهة السكلر... سيكون عن مواجهة الكورونا أعجز.