المفكر السعودي زكي الميلاد اهتم بقضايا الصراع الحضاري، وبحث فيه كثيراً، وانتهى إلى تشكيل نظرية جديدة في هذا المجال أطلق عليها «تعارف الحضارات» أصبحت تدرس في المعاهد العلمية ضمن هذا السياق.
الميلاد المولود في محافظة القطيف شرق المملكة العربية السعودية، متخصصٌ في الدراسات الإسلامية، وهو كاتب وباحث في الفكر الإسلامي والإسلاميات المعاصرة، ويرأس تحرير مجلة «الكلمة»، وهي فصلية فكرية احتفلت هذا العام بمرور عشرين عاماً على تأسيسها، ومنحه الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية لقب دكتوراه إبداع على مجموع المؤلفات والأبحاث والكتابات والأعمال الفكرية الأخرى.
اهتم زكي الميلاد بقراءة ومراجعة أعمال المفكرين كمالك بن نبي وغيره من المهتمين بالفكر الحضاري والإسلامي، وأصدر مجموعةً من الكتب والدراسات بلغت أكثر من ثلاثين مؤلفاً وعشرات الأبحاث المنشورة في نحو 70 منبراً ثقافياً وفكرياً، عربياً وأجنبياً، تناولت مختلف قضايا الفكر الإسلامي والأزمة الحضارية.
ومن خلال أعماله الفكرية المتعددة، فقد اشتغل الميلاد على مشروع ثقافي له ملامحه ومكوناته وأبعاده المحددة والواضحة، حيث إن من أبرز مكوّنات هذا المشروع التأكيد على قيمة الثقافة والإعلاء من شأنها، وإعطائها درجة عالية من الأولوية واعتمادها كمنظور في التحليل والنقد والاستشراف.
كما أنه مهتمٌ أيضاً بدراسة الفكر الإسلامي وقضاياه ومسائله ومقولاته، مؤكداً ضرورة التواصل مع العصر، ومواكبة العلوم والمعارف، والعناية بقضايا التجديد والتحديث والتنوير المنضبط بالقواعد والأصول العامة. ويعطي الميلاد اهتماماً بالغاً بقضايا الوحدة الإسلامية والحوار الإسلامي، فالوحدة – في نظره – «هي مصير ومستقبل، والحوار هو فضيلة وتواصل، والتقريب هو انفتاح وتكامل، والعمل على إحياء كل ما هو جامع في الأمة، ورفض خطوط الانقسام بصورها وأنماطها كافة».
ولعل أبرز مكونات أعماله الفكرية العناية بالمسألة الحضارية التي تعني النظر إلى القضايا والظواهر والمشكلات على أساس منهج التحليل الحضاري، الذي يأخذ بعين الاعتبار مشكلات التخلف من جهة، وضرورات التقدم من جهة أخرى.
طرح الميلاد نظرية «تعارف الحضارات»، وهي نظرية مستنبطة من آية التعارف في القرآن الكريم «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» (الحجرات: 13)، التي تهدف لتأسيس مفهوم التعارف في سياق خطابٍ موجّهٍ إلى الناس كافة، بكل تنوعاتهم وتعددياتهم الدينية والمذهبية، القومية والعرقية، اللغوية واللسانية.
هذه النظرية تعد الرابعة بعد نظريات صراع الحضارات لصاموئيل هنتغتون، وحوار الحضارات لروجيه غارودي، ونهاية التاريخ لفوكوياما، وهي تدرس حالياً في كتاب التاريخ المقرّر الدراسي في دولة الإمارات العربية للصف الحادي عشر.
لقيت هذه النظرية تقبّلاً واهتماماً وتداولاً واسعاً في أوساط الكتَّاب والباحثين والأكاديميين في العالم العربي والإسلامي، ونُشر عنها كثيرٌ من المقالات والدراسات، وجرت عليها مناقشات وحوارات في ندوات ومؤتمرات، وأنجزت عنها عدة رسائل وأبحاث جامعية. كما تم عقد مؤتمر عن هذه النظرية في مكتبة الإسكندرية بمصر العام 2011.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 4247 - الأربعاء 23 أبريل 2014م الموافق 23 جمادى الآخرة 1435هـ