أكتب عن معضلة الكهرباء. الكهرباء التي تمارس الحيلة في أوقاتنا. تحيل ليلنا إلى نهار. الكهرباء التي تضيء أوقاتنا؛ فيما تطفئ أوقات آخرين. أكتب عن معضلة الكهرباء بالنسبة إلى الفقراء المهدّدين بجحيم مضاعف في الصيف. الصيف الذي لا يفارق العام إلا قليلاً. جحيمه المعتاد، وجحيم كهرباء منقطعة عن فقراء بالكاد يسدّون رمقهم.
أكتب عن الكهرباء التي تلوّح بتعميم ذلك الجحيم على الذين لا يملكون، وتتغاضى عن الذين يملكون وزيادة. عن بضعة مئات تراكمت على فقراء لهم أولوياتهم التي يكافحون من أجل تحقيق البسيط منها. أمام خيار الكهرباء والموسيقى وخيار أن يأكلوا ويكسوا أجسادهم بالبسيط، والدواء الرخيص، سينحاز إلى الثلاثة الأُخَر.
أكتب عن الكهرباء تذكيراً «لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد»، ومئات المتخمين الذين تراكمت على شركاتهم ومصانعهم وفنادقهم مئات آلاف الدنانير هي في ذمة المحسوبية والهيبة والمركز الاجتماعي والوجاهة، والانتماء العائلي أيضاً. أولئك لن يمسسهم سوء، ولن يقترب من الشارع المحاذي لمصالحهم وشركاتهم ومصانعهم وفنادقهم موظف «قطع النور عن الوقت»، ولن يجرؤ على ذلك، مراعاة للمحسوبية والهيبة والمركز الاجتماعي والوجاهة والانتماء العائلي!
أكتب عن الكهرباء وجميعنا يتذكّر مئات ملايين الدنانير التي وصلت إلى مليارات، تم ضخّها في إحدى الشركات التابعة إلى الدولة، وطوال سنوات من الهدر للمال العام، وحرق الموارد في مشاريع لم تُضفْ إلى موازنة الدولة ولو 100 ألف دينار سنوياً؛ ولا حتى ألف دينار، ما قبل الشكوى من عجز الموازنة، وبعد عجز يتم رفع الصوت والتهديد بخطورته حين يتعلق الأمر بشئون وحاجات وضرورات المواطن. المواطن الذي جُبل على القهر والغُصّة، والموت بصمتٍ كي لا يزعج الكبار وهم يتنسكّون في لهوهم!
مئات الملايين يتم ضخها في الفشل وبما يراكم ويفاقم ذلك العجز، ولا ضمير أو ما يدل على الحس والصوت يطلع علينا ليقول: كفى مهزلةً وحرقاً للموارد، واستماتةً في تفاقم العجز؛ لكن حين يصل الأمر إلى عوائل معدمة تكاد بيوتها تخرّ عليها لاهترائها وتآكل بنْيَتها؛ يرتفع صوت تراكم الديون والعجز الذي لم يتم تحصيله لهيئة الكهرباء والماء، والندب واللطم، وبلغة أرقام حاضرة؛ لكن اللغة نفسها تتعطّل وتصاب بالخرس من حيث الإجراء على جهات متنفّذة لن يطولها أو يمْسها سوء!
لا نتهم الكهرباء بالعمى، حين تكون عينها بموهبة زرقاء اليمامة على الفقراء والمُعْدمين، وتتحوّل بقدرة قادر إلى عين من ظلمات يتبع بعضها بعضاً، حين يتعلق الأمر بالمتخمين والذين كأنهم وجدوا في هذا العالم لتراكم مزيد من الشقاء والبؤس والمآسي والعوز والفارق الرهيب بين من يملكون كل شيء والذين لا يملكون شيئاً.
الحكومة التي لا تمل ولا تشكو ولا تصرخ ولا تتعذّر ولا تتهرّب من دعم قطاعات وشركات تستنزف ما تبقى من أنفاس في الموارد، وهي موارد الناس، وهم أصحاب الحق فيها؛ لتتبخّر بفعل منظومات فساد لا أمل يُرتجى من يقظة ضمير لديها؛ إن كان لها ضمير أساساً، لن تتردد ولن يرتد إليها طرْفها حين يتعلق الأمر بالذين هي السبب في عوزهم وفقرهم وانهيار أوضاعهم المعيشية بما لا يليق بشبح بشر؛ عدا البشر الذين مازالت الخطط تتحدث باسمهم!
لا نتحدث عن عائلة الهملة. لا نتحدث عن عائلات على امتداد الوطن تعاني من انطفاء ضوء يذاكر في ظله أبناؤها، ومرضى وعجزَة، سيكونون مشاريع موت ورثاء في الوقت الضائع؛ بسبب حرمانهم من ذلك الحق بشكل انتقائي وجائر، فقط لأنهم فقراء ولهم أولويات ليست متوافرة أصلاً، فيما يُغضّ الطرْف عن الذين لو استطاعوا أن يخصخصوا الهواء والضوء لن يترددوا، ويظلون بعيداً عن الذين يمكن أن يمسهم سوء!
فقط، اتقوا الله في عوز الذين تحطمت أحلامهم، ولا أحلام لهم أساساً في واقعهم المرير. اتقوا الله في مرضى دعاؤهم ولعناتهم مضاعفة بالفقر الذي يحاصرهم. اتقوا الله في أطفالٍ لا ذنب لهم سوى أنهم فقراء وليسوا ممن لهم شيء من محسوبية وهيبة مركز اجتماعي ووجاهة، وانتماء عائلي، وذنبهم الذي يمكن أن يشكّل عاراً لكم أنهم ليسوا من أصحاب المصالح والشركات والمصانع والفنادق!
قد تنصت، ترقّ، تشعر... أيتها الكهرباء: رفقاً بالذين لا يملكون غير هواء الله ونوره!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4247 - الأربعاء 23 أبريل 2014م الموافق 23 جمادى الآخرة 1435هـ
كلام
كلام منطقي يحتاج ال من يتحسسه....شكراً للكاتب المتالق دائما.
إلى إدارة جريدة الوسط
إلى إدارة جريدة الوسط. مثل هذا الموضوع الشارع البحريني معروف بتفاعلة معة. لماذا لا توجد طريقة نساعد فيها المحرومين من الكهرباء. عبر جريدتكم ؟ مثل جمع تبرعات لهم. مثل العائلة التي بلهملة و شهركان اللتان نشرتم خبر قطع الكهرباء عنهما. وشكرا
لنطلب معاً حلاً جذرياً
أخالفك و أناشد صحيفة الوسط بدل أن نطلب منها فتح باب التبرعات لمن حُرموا من الكهرباء، لنطلب منها معاً حلاً جذرياً، وهو أن يوجه كتابها الشرفاء صرخة و نداء إستغاثة إلى قلب جلالة الملك لإعفاء الأسر البحرينية المحتاجة فقط من فواتير الكهرباء، الأسر المسجلة في التنمية لإجتماعية ممن يثبتون أن عائلها متوفي أو لا يعمل، وليس له راتب تقاعدي يعين أسرته على تحمل أعباء المعيشة. أتمنى على كتاب صحيفتي القيام بهذه المبادرة الإنسانية، و أنا على ثقة من إستجابة صاحب القلب الكبير جلالة الملك لهذا النداء.
شكرا لمشاعرك
احسنت