أولاً يتوجب أن يكون واضحاً الفرق بين الدولة «الأمة» والدولة «النظام»، فحين الإشارة بالقول «دولة البحرين» فالحديث هنا عن الأصل الثابت وهو دولة البحرين «الأمة»، شعب وأرض وقيم وحضارة وتاريخ، وتطور ومعاصرة، أما حين الحديث عن «الدولة في البحرين» ببعض النصوص في الدستور والقوانين، من مثل «توفر الدولة...»، أو «تعمل الدولة على ...» أو «للدولة وحدها أن تنشئ...»، فإن المعني هنا هو الدولة «النظام»، ذاك الهيكل بأفراده ومؤسساته المحدودة، وبتمويلاته من الميزانية العامة للدولة، ذاك النظام والهيكل الموكول فيه إلى أفراد معدودين، تمثيلاً وإنابة عن شعب الدولة «الأمة» لإدارة شئونها، والدولة «النظام» هو طرف متغير وغير ثابت، على عكس حال الدولة «الأمة» من الثبات، فالحاكم والمحكوم يموتان ويتبدلان، ولا تموت الأمة، بل تتطور.
التعددية في الدولة المدنية الحديثة، لا تنحصر في التعدد الديني والمذهبي والطائفي، أو الجنسي، أو العرقي والقبلي، أو الأصل، كما يحصر البعض خواصها، إلا أن هذه التعددية، هي أحد معايير خواصها، التي تخضعها الدولة «النظام»، للنظام الدستوري والقانوني لدولة المؤسسات والقانون، وتصهره تربيةً وتعليماً وثقافةً ومحاسبةً قانونية، لتسبكه الممارسة الاجتماعية والإقتصادية والقانونية والحقوقية، المدنية منها والسياسية، في بوتقة تُذِيب هذه الفروقات الإبتدائية، لتسمو دولة المؤسسات والقانون إلى الممارسة اليومية للمساواة بين المواطنين، في جميع الوسائل والغايات الوطنية، بما يجعل التعايش السلمي والتكاملي، فيما بين جميع فروع هذه التعددية، باحترام كل منها للآخر، وعدم مسّه أو التطاول عليه.
والدولة «النظام»، منوط بها عدم الميل، إلى جانب أو ضد، أيّ مكون من مكونات المجتمع المتعددة، بل أن دورها هو حفظ حقوق جميعها، على قدرٍ من المساواة، وكذلك مساءلتها تجاه الواجبات، فاختلال تعايش وتكامل هذه التعددية الاجتماعية، بدءًا من أبسط ظواهرها، في تعديات بعض الأفراد على حقوق الآخرين، بالمسّ اللفظي أو الفعلي الفردي، إلى أسوأ منه في التمييز بين المواطنين، سواءً كان فعل فريق شعبي، فردياً كان أو مؤسسياً، صغيراً كان أو كبيراً، فتتحمل تبعته الدولة «النظام»، ما لم تجهد بكل السبل المشروعة، إلى حفظ ميزان المساواة، في أعدل حالاته، دون انتظار الشكوى القانونية من الأفراد، بحكم أن لديها الأجهزة الرقابية والإدعاء العام المختص، فما بالك بالسوءات الأخرى متى ما بدرت منها، مثل تلك الممارسات التمييزية، سواء من قبل بعض أفرادها وإفراطهم في العقاب، أو عبر التعليمات الممنهجة الرسمية في أجهزة الدولة، بما يعم التطاول على مكوّن مجتمعي، ليظهر ذاك التمييز، بِسِمَة غالبة في المجتمع، بما يشجّع موتوري الطائفيين، من المكوّنات الشعبية الأخرى، وكذلك من أفراد ومسئولي بعض الأجهزة الرسمية، إلى إظهار سوءاتهم وممارسة سوئهم على الملأ، متشجّعين بأنهم في حماية الدولة «النظام»، من خلال إفراطهم في العقاب أيضاً.
هكذا حالة، هي ما أدت إلى الإنفجار الشعبي، في 14 فبراير 2011، بمثل ما تكرّرت في حقب متعددة سبقتها، ودفع الوطنيون من المعارضة السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد، أثماناً باهظة لفرض أو لاستعادة الحقوق، التي تمتعت بها كامل مكونات المجتمع المتعددة، إلا أن ما ساد في المجتمع منذ فبراير 2011، وتكرار ما قبله، وتراكماتها إلى اليوم، بمثل القتل تحت التعذيب في السجون وأماكن التوقيف، أثناء مراحل التحقيق، وبأثر طلقات الرصاص الحي المباشرة وعبوات مسيل الدموع على المتظاهرين، وظاهرة مثل غزوات أسواق جواد، والاعتقالات والفصل من الأعمال، والخلط في سحب وإلغاء الجنسيات، ونواب مجلس النواب حدِّث ولا حرج، فإنه ينذر بما هو أسوأ، بما يجعل التحوّل إلى دولة المؤسسات والقانون الحقة، في الدولة المدنية الحديثة، بالمبدئية الدستورية لتداول سلطة القرار وتوزيع الثروة، عبر القرار الشعبي الغالب، من خلال صناديق الإقتراع لانتخاب الحكومات والمجالس الدستورية والتشريعية والقضائية والرقابية، وبناء وهيكلة نظام الدولة على قاعدة الفصل بين السلطات والتعددية السلطوية، المستقلة القرار والإدارة والميزانية، أمراً لا مندوحة عنه، كحلّ وحيد للأزمة الدستورية والسياسية القائمة، والعبور منها إلى الاستقرار السياسي المستقبلي.
أما المعيار الخصائصي الآخر للتعددية في دولة المؤسسات والقانون، فهو دور مؤسسات المجتمع المدني، المنبثقة عن الوجدان الشعبي الوطني الحر، في التأسيس والتشكيل والأهداف والممارسة. هذه المؤسسات التي من المفترض أن تستعين بها مؤسسات الدولة «النظام»، من الوزارات والإدارات والهيئات واللجان وكذلك استشارييها، كما أيضاً سلطات الدولة، التشريعية والقضائية والتنفيذية (الحكومة)، باعتبار أن مؤسسات المجتمع المدني، هي مؤسسات وطنية تطوعية، يعمل أعضاؤها دون مقابل مادي من أجر أو مكافآت، وعملهم يتأتى من واقع علومهم وتخصصاتهم المهنية، لخدمة المجتمع، إلى جانب عملهم المعيشي الرسمي، سواءً في القطاع العام أو الخاص. فهناك مؤسسات مجتمع مدني، في القطاعات الاقتصادية والاستثمارية والمالية والبنكية، وفي القطاعات القانونية والحقوقية، والقطاعات السياسية والاجتماعية والتعليمية والتدريبية، والفنون والآداب والثقافة والتاريخ والبيئة وجميع المهن؛ وهناك مراكز الدراسات والبحوث في شتى المجالات. هذا على سبيل المثال لا الحصر، فمؤسسات المجتمع المدني هذه، لها دورٌ لا تستقيم من دونه، عدالة الدولة «النظام»، لذلك نجد أن المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، والدول الديمقراطية الحديثة، المتبعة نظام دولة المؤسسات والقانون، ومن أجل تقييم أوضاع بلد ما، تتدارس تقييم تقريرين متوازيين لذات الموضوع، حكومي وغير حكومي. الحكومي هو ذاك التقرير التي تقدّمه مؤسسات نظام الدولة، وغير الحكومي هو ذاك الذي تقدمه مؤسسات المجتمع المدني المختصة، وبرصدها وتحليلاتها الخاصة الموازية، للمصادر والمعلومات الحكومية، وأخرى قد تقترها الحكومة وتخفيها، وهي أي المنظمات الدولية، لذلك تفرّق بين مؤسسات المجتمع المدني، التابعة للحكومات تأسيساً أو تمويلاً أو تلقياً للأوامر الحكومية، تلك المسماة بـ «الكونجو»، وبين مؤسسات المجتمع المدني، تلك المحسوبة على شعب البلد المعني، أو بتفريق آخر ما بين المؤسسات الحكومية والمؤسسات غير الحكومية (NGO).
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 4246 - الثلثاء 22 أبريل 2014م الموافق 22 جمادى الآخرة 1435هـ
الظلم
الظلم لابد ليه نهايه وسينتصر الحق وشكرا استادى
النصر
النصر قريب الى الشعب المظلوم لانه الله لايرضى بالظلم وشكرا للكاتب الشريف الى احب ابناء وطنه ولاعنده تفرقة بين شيعى وسنى الله ياخد الحق
سياتى
سياتى اليوم الى اخلى الحكومة تنفد مطالب الشعب مثل مافعلت فى عام 20000وافرجت عن المعتقلين الاشراف المسئلة فقط يبليهه وقت وانشاء الله سيضهر الحق المسلوب فقط صبرا ياشعبى وشكرا للكاتب
احسنت
احسنت ايها الشريف والله افرج عن معتقلينا والله يرحم شهدائنا
هاده
هاده القانون الى فى البلد فقط ادافع عن الحكومة سياتى اليوم الى راح يكون هناك قانون عادل ومستقل بس فقط صبرا ياشعبى انه الله يمهل ولايهمل والله لايحب الظلم الفرج قريب ياشعبى الحق سينتصر باذن الله