العدد 4245 - الإثنين 21 أبريل 2014م الموافق 21 جمادى الآخرة 1435هـ

الشباب... مرّة أخرى

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

مرّة أخرى ينصبّ الاهتمام على الشباب من أعلى المستويات، فبعد إطلاق الاستراتيجية العالمية للشباب 2014-2017، هاهم وكلاء وزراء الشباب والرياضة بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يجتمعون صباح الأحد (20 أبريل 2014) بدولة الكويت، ويرفعون عدداً من التوصيات، تمهيداً لاجتماع أصحاب السمو وزراء الشباب والرياضة في دول المجلس، والذي يعقد اليوم الثلاثاء 22 أبريل، تنفيذاً لقرارات أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

نعم ها هم الشباب مرّةً أخرى بؤرة اهتمام وشاغل يشغل أصحاب القرار؛ كيف لا، و6 ملايين شاب خليجي وأكثر من 100 مليون شاب عربي ينظرون إلى المستقبل بعين ملؤها الطموح، وأخرى تتغشاها الحيرة! كيف لا، وعموم شبابنا العربي اليوم في مفترق الطرق تتجاذبه نوازع الخير، كما تعصف به بعض الأفكار الهدامة فتقذف به في أتون صراعات ما كان يوماً شبابنا سبباً فيها، وإنما كثيراً ما استخدم وسيلة لتنفيذ أجندات ما رسم يوماً خطوطها، ولكن بحكم سرعة الانفعال والإقدام وأحياناً التهور لدى بعض الشباب، تجده ينقاد إلى ما لا يحمد عقباه، وانظر إلى ما يحدث في سورية وغيرها من البلاد العربية لتعرف هول الكارثة في استخدام هذا الشباب العربي معول هدم بدل اتخاذه أداة بناء.

إنّ مجالات توظيف العنصر الشبابي في البناء وافرة؛ ولنضرب على ذلك مثال العمل التطوعي بما هو جهدٌ يبذله أي إنسان بلا مقابل لمجتمعه، بدافع منه للإسهام في تحمل مسئولية مؤسسة خيرية أو أهلية تعمل على تقديم الرعاية الاجتماعية، وبما هو أيضاً خدمة إنسانية وطنية تهدف إلى حماية الوطن وأهله من أي خطر، حتّى أنه في بعض الدول كسويسرا مثلاً، يعتبر التطوع إلزامياً للذين لا تنطبق عليهم شروط الخدمة العسكرية ممن هم في سن 20-60 سنة.

والأمر شبيه بهذا في منظومة الفكر الإسلامي؛ إذ يتصل التطوع بالفرض، وذلك في الحالات التي عبَّر عنها الفقهاء بمفهوم «فروض الكفاية»؛ وهي تلك الأعمال التي يتعين القيام بها لمصلحة المجتمع أو الأمة كلها، ويُناط ذلك بفردٍ أو بجماعةٍ منها، أو فئةٍ معينةٍ تكون مؤهلةً لهذا العمل على سبيل التطوع، فإن لم ينهض به أحدٌ صار العمل المطلوب فرضاً مُلزماً، ويأثم الجميع ما لم يقم هذا الفرد أو تلك الفئة أو الجماعة - أو غيرها - بأدائه على الوجه الذي يكفي حاجة المجتمع. والمتطوع هو الشخص الذي يسخر نفسه عن طواعية ودون إكراه أو ضغوط خارجية، لمساعدة ومؤازرة الآخرين بقصد القيام بعمل يتطلب الجهد وتعدد القوى في اتجاه واحد.

ويشكّل العمل التطوعي إحدى أهم الوسائل المستخدمة لتعزيز دور الشباب في الحياة الاجتماعية والمساهمة في النهوض بالمجتمع في شتى جوانب الحياة. وتزداد أهمية العمل التطوعي يوماً بعد يوم نظراً لتعقد ظروف الحياة وازدياد الاحتياجات الاجتماعية. وخير شريحة ممكن أن تُنجح العمل التطوعي وتعطي فيه باندفاع وحماس تصل به إلى حد الإبداع هي فئة الشباب. وتظهر أهمية العمل الاجتماعي التطوعي للشباب بما يحقّقه من تعزيز الانتماء الوطني لديهم، وتنمية قدراتهم ومهاراتهم الشخصية العلمية والعملية من خلال مشاركتهم في أنشطة المجتمع المختلفة، وإعطائهم الفرصة لإبداء آرائهم وأفكارهم في القضايا العامة وتقديم الحلول لها.

إلاّ أن هناك العديد من المعوقات قد تحول دون تحقيق نتائج العمل التطوعي لدى الشباب، من ذلك جهل بعض الشباب بأهمية العمل التطوعي، أو النظر إليه نظرةً دونيةً على أنه من واجبات فئات محدّدة من الناس، إضافةً إلى شعور الشاب المتطوّع بأنه غير ملزم بأدائه في وقت محدد، وذلك لضعف الإحساس بالمسئولية فيما قرّر أن يقوم به، بل قد يصل الأمر ببعضهم إلى استغلال مرونة التطوّع إلى حدّ التسيّب والاستهتار.

ومن المعوقات الموضوعية تعارض وقت الشاب المتطوع مع وقت العمل أو الدراسة، ما يفوّت عليه فرصة الاشتراك في العمل التطوعي، فضلاً عن عدم الإعلان الكافي عن أهداف المؤسسات التطوعية وحسن التسويق لبرامجها وأنشطتها. كما أنّ عدم توافر برامج خاصة لتدريب الشباب المتطوعين قبل تكليفهم بالعمل يحدّ من جودة المخرج إن لم يُعِقه تماماً. زيادة إلى ذلك، يعتبر ضعف التقدير المناسب للجهد الذي يبذله الشاب المتطوع أو انعدامه أحياناً يعوق دون تقدمه في العمل.

إنّ العمل الاجتماعي والتنموي التطوعي من أهم الوسائل المستخدمة لتشريك الشباب في النهوض بمكانة المجتمعات في عصرنا الحالي، حيث تكتسب مشاركة الشباب في العمل الاجتماعي أهمية متزايدة، ذلك أنّ الحكومات، في جميع البلدان، لم تعد قادرةً على سد احتياجات أفرادها ومجتمعاتها، ولذلك كان لابد من وجود جهود أخرى موازية لجهود الجهات الحكومية تقوم بملء المجال العام وتكمّل الدور الذي تقوم به الجهات الحكومية في تلبية الاحتياجات الاجتماعية، ولعلّ للشباب دوراً سباقاً في معالجة مثل هذه الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولم يعد دوره مجرد دور تكميليّ.

قد لا يحظى العمل التطوعي في أية ثقافة أجنبية بمثل المكانة التي يحظى بها في الثقافة الإسلامية، ومع ذلك فإن ثقافة التطوّع في المجتمع العربي المعاصر وخصوصاً عند الشباب، تتسم بدرجةٍ متدنيةٍ من الفاعلية في معظم البلدان من المحيط إلى الخليج، لذا وجب المزيد من العمل على تعديل اتجاهات الشباب إزاء العمل التطوعي، ومزيد تأطيره حتى لا يخرج به عن أهدافه النبيلة والتنموية، وحتّى نقي الشباب مغبّة الانحراف إلى أعمال الهدم بدل البناء.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4245 - الإثنين 21 أبريل 2014م الموافق 21 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 5:24 م

      يا رب اهد شبابنا العربي والاسلامي لمثل هذا:

      العمل التطوعي بما هو جهدٌ يبذله أي إنسان بلا مقابل لمجتمعه، بدافع منه للإسهام في تحمل مسئولية مؤسسة خيرية أو أهلية تعمل على تقديم الرعاية الاجتماعية

    • زائر 2 | 10:04 ص

      مرّة أخرى ينصبّ الاهتمام على الشباب من أعلى المستويات

      لا يكفينا الاهتمام نريد افعالا تصدق الأقوال
      لاورقة سياسية يزايد بها هذا وذاك

    • زائر 1 | 1:35 ص

      الله يجزيك خير على التذكير والتحسيس

      وجب المزيد من العمل على تعديل اتجاهات الشباب إزاء العمل التطوعي، ومزيد تأطيره حتى لا يخرج به عن أهدافه النبيلة والتنموية، وحتّى نقي الشباب مغبّة الانحراف إلى أعمال الهدم بدل البناء

اقرأ ايضاً