ما الذي تحقق للشباب العربي الذي ثار على الأنظمة الاستبدادية القمعية وأسقط عروشها وتسبب بالتالي في صعود الحكام الجدد الذين تسلموا سدة الحكم على طبق من ذهب؟
بعد أكثر من ثلاث سنوات على ثورات ما سمي بـ «الربيع العربي»، لاتزال الشعوب العربية عاجزةً عن إدراك معنى الانتصارات الكبرى، التي أسقطت أكثر الحكام سلبية وفساداً وعدائية لشعوبها، وكانت نموذجاً لممارسة القمع المطلق والاستبداد وكل ما يندرج في صنوف الخطايا الفظيعة.
فجميع الأنظمة السياسية الجديدة التي صعدت إلى السلطة عبر تلك الثورات، بدت وكأنها لا تختلف اختلافاً جذرياً عن الأنظمة السابقة التي حكمت هذه الشعوب بدكتاتورية مفرطة، بل أنها أصبحت أشد شراسةً وفتكاً في سياساتها نحو تلك الشعوب، وأكثر خضوعاً وارتباطاً وتبعيةً للقوي الكبرى كي تساعدها على الاستمرار والبقاء في السلطة، رغم وعودها المتكررة بتحقيق المزيد من الحريات الديمقراطية واحترام حقوق الانسان.
لا شيء في ما مضى من السنوات الثلاث، يبدو أنه قد تحقق على أرض الواقع في ظل الأنظمة الجديدة، سوى الإفراط في الوعود والتطمينات وتخدير العقول والوجدان، والاستخفاف بالأصوات المطالبة بالتغيير الحقيقي والواقعي، وفتح أبواب السجون والمعتقلات وهدر الدماء ومعاقبة المعارضين وخنق الحريات ومواجهة كل من يشكّك ولو بذرةٍ واحدةٍ في قدرتها على قيادة «السفينة الغارقة» إلى شاطئ الأمن والأمان، وتحقيق الأحلام التي ناضلت واستشهدت من أجلها أجيال من الشباب العربي على امتداد عقود طويلة. وهي صفةٌ دائمةٌ من صفات الحكام العرب منذ أقدم العصور لما يمكن أن يواجهوا به شعوبهم الثائرة.
فالنتائج المفزعة، التي كشفت عنها استطلاعات الرأي في الوطن العربي، منذ انطلاق الشرارة الأولى لتلك الثورات، وآخرها ذلك الذي صدر في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة في 7 أبريل/ نيسان 2014 تحت عنوان «رأي الشباب العربي للعام 2014»، ورصد آراء فئات الشباب من نحو 14 دولة عربية، أظهر خيبات الأمل المتواصلة لدى غالبية الشباب العربي الذي حقّق «معجزة الانتصارات الحاسمة» ضد الأنظمة الاستبدادية القمعية، وازدياد الخوف والقلق من احتمالات فرض «القبضات الطاغية» على المجتمعات العربية، التي لايزال يشدها الحنين إلى الحكم الديمقراطي الدستوري الملتزم باحترام المساواة والعدل بين المواطنين جميعاً من دون تمييز أو تفضيل، على غرار المجتمعات التعددية العصرية، التي فرضت شموخها وهيبتها واحترامها أمام العالم.
ويسود الاعتقاد في الشارع العربي بأن كل ما جرى من أحداث ليس أكثر من كونها «مسرحية هوليوودية» تتغير فيها مشاهد الوجوه والأشكال والأيدولوجيات والوعود والتعابير وحتى الممارسات، ما قد يحفّز الأجيال اللاحقة من الشباب على خوض معارك ضارية أخرى مع الأنظمة التي استفادت من كافة التضحيات الجسام، التي قدمتها شعوبها في الثورات الجماهيرية الحرة، وتربعت على سدة الحكم ثم ما لبثت أن تفرّدت بصنع القرار، من أجل استكمال مسار الثورات، التي كانت قد شقت طريقها بحيوية وعفوية وسلمية نحو الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان.
هكذا بمزيد من العسف العام وعدم المصداقية الفعلية، يتعاطى الحكام الجدد مع شعوبهم التي أوصلتهم «ثورات الربيع العربي» إلى سدة السلطة والحكم، ولا يسعهم أن يبذلوا أي جهد ملموس لتحقيق أهداف تلك الثورات وتطلعاتها للمستقبل، وهذا ما يفسّر بالضبط خيبات أمل الشباب العربي وخوفهم وقلقهم من الأحداث والتطورات السريعة، التي سوف تواجههم في المستقبل.
إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"العدد 4244 - الأحد 20 أبريل 2014م الموافق 20 جمادى الآخرة 1435هـ
يزرعون ويحصد الاخرين
هكذا حال الثورات يزرعها الشجعان ويدفعون ثمنها ويستفيد منها الجبناء .. عزائنا الى الشباب العربي و ليس أكثر ..