طالب حقوقيون بتفعيل مواءمة التشريعات المحلية مع الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها البحرين بصورة فعلية لا شكلية.
وأكدوا في الوقت نفسه على ضرورة التزام البحرين بتقديم تقاريرها الدورية إلى اللجان التعاقدية التابعة للأمم المتحدة. وفي المنتدى الذي عقدته «الوسط» بشأن «مدى التزام البحرين بتنفيذ الاتفاقيات الدولية»، شدد المشاركون على ضرورة إعادة جدولة الدعوة للمقرر الخاص بالتعذيب خوان مانديز لزيارة البحرين بشكل سريع.
كما طالبوا بسرعة الانضمام لاتفاقية الاختفاء القسري، والبروتوكول الاختياري المرفق باتفاقية مناهضة التعذيب.
الوسط - أماني المسقطي، علي الموسوي
طالب حقوقيون بتفعيل مواءمة التشريعات المحلية مع الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها البحرين بصورة فعلية لا شكلية، وإلغاء القوانين المخالفة للقانون الدولي لحقوق الانسان (بحسب نص الاتفاقيات الدولية الحقوقية الملزمة)، مؤكدين في الوقت نفسه ضرورة التزام البحرين بتقديم تقاريرها الدورية إلى اللجان التعاقدية التابعة للأمم المتحدة.
القانون الدولي المعني بحقوق الإنسان يتكون من الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في 1948 ومن الصكوك التي تحتوي على العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقيات الاخرى المعنية بمنع التعذيب، ومنع التمييز العنصري، ومنع التمييز ضد المرأة، وحقوق الطفل، وغيرها من الاتفاقيات والبروتوكولات.
والبحرين اعتمدت سبعة صكوك (من اصل تسعة) وهي: «الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادي والاجتماعية والثقافية».
ومن دون شك فإن اعتماد البحرين لسبع اتفاقيات (صكوك) حقوقية دولية من أصل تسع تمثل بمجملها ما يسمى بـ «القانون الدولي لحقوق الإنسان»، يُعتبر خطوة كبيرة في تأكيد الدولة أنها ملزمة بالقانون الدولي في هذا المجال. وجزء من التزام الدولة تجاه هذه الاتفاقيات هو إلغاء كل التشريعات والإجراءات المخالفة لهذه الاتفاقيات والصكوك، وهذا أمر لم يحدث لحد الآن، بل إن ما يجري في أكثر الأحيان مخالف لهذه الالتزامات، وبالتالي فإن اعتماد الاتفاقيات لم يتبعه تنفيذ فعلي على أرض الواقع.
وفي المنتدى الذي عقدته «الوسط» بشأن «مدى التزام البحرين بتنفيذ الاتفاقيات الدولية»، شدد المشاركون على ضرورة إعادة جدولة الدعوة للمقرر الخاص بالتعذيب خوان مانديز لزيارة البحرين بشكل سريع، وبالانضمام لاتفاقية الاختفاء القسري، والبروتوكول الاختياري المرفق باتفاقية مناهضة التعذيب.
شارك في المنتدى نائب رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان ورئيس لجنة الشكاوى والرصد والمتابعة بالمؤسسة عبدالله الدرازي، عضو المرصد البحريني لحقوق الإنسان عبدالنبي العكري، الأمين العام للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان أحمد الحجيري، وعضو اللجنة المركزية بجمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد» فريدة غلام.
وفيما يأتي المناقشات التي دارت خلال المنتدى:
إلى أي مدى التزمت البحرين بتنفيذ اتفاقياتها الدولية؟
- فريدة غلام: بالنسبة لاتفاقية مناهضة التعذيب، فإن الكثير من التوصيات في المراجعة الدولية الشاملة الثانية للبحرين، طالبت بتنفيذها لأن البحرين غير ملتزمة بها. وموضوع التعذيب قديم في البحرين، ومنظمة «ريدرس Redress» أرخت لهذا الموضوع منذ حقبة بعيدة. وفي فترة إنشاء الجمعيات في البحرين، كان هناك نوع من المراجعة للموضوع، ولكنه عاد بطريقة شرسة، وهو مازال مستمرا، ورغم نفي كل المسئولين، إلا أن هناك شهادات حية على التعذيب، ولدينا على سبيل المثال «مجموعة الـ13» ومن بينهم إبراهيم شريف، الذين تحدثوا عن التعذيب الذي جرى عليهم.
كما أن الحكومة لم تقدم إلا تقريرا واحدا بشأن الاتفاقية، وهو التقرير الذي تأخرت فيه، إذ قبلت به اللجنة بعد خمسة أعوام من موعد التقديم، ولم تقدم البحرين أي تقرير آخر حتى اليوم، في الوقت الذي يصدر فيه المقرر الخاص بالتعذيب خوان مانديز تقارير كثيرة، ويؤصل فكرة إلغاء الاعترافات التي أخذت تحت التعذيب، ويفصل في كل جوانب التعذيب، بما فيها تقديم العلاج من دون رضا الناس، وعدم تقديم العلاج بعد التعذيب، وأنا أستغرب من مجموعة الحقوقيين والمؤسسات البيروقراطية التي خلقتها الحكومة للتغطية على هذه الانتهاكات، مع استمرارها في رفض السماح لمقرر التعذيب بالحضور إلى البحرين.
- عبدالله الدرازي: إذا استعرضنا الاتفاقيات والمعاهدات التي انضمت إليها البحرين، فإنها انضمت إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في العام 2006، وتحفظت على المواد «3 و18 و23» منه، والبروتوكولين الاختياريين المرفقين، كما أنها ومنذ انضمامها إليه لم تقدم أي تقرير للجنة الأمم المتحدة المعنية.
أما العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فصادقت عليه البحرين في العام 2007، وتحفظت على البند (د) من المادة «8» ولم تنضم إلى البروتوكول الملحق به، كما أنها لم تقدم حتى الآن أي تقرير بشأنه.
وبشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري، فالبحرين انضمت إليها وقدمت تقريراً مبدئياً (الثاني، والثالث، والرابع والخامس)، في مارس/ اذار من العام 2000، في وثيقة واحدة، وأيضاً قدمت التقريرين السادس والسابع في وثيقة واحدة في العام 2005. أما التقريران الثامن والتاسع، فلم تقدم أي تقرير بشأنهما حتى الآن.
وفي العام 2002، انضمت البحرين للاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، وتحفظت على المواد «9/2، 15، 16، 29/1»، وهي التي اعتبرتها متعارضة مع الشريعة الإسلامية، وقدمت البحرين تقريريها الأول والثاني في العام 2007، وناقشتهما في العام 2008، والتقرير الثالث قدمته في العام 2011، وتمت مناقشته في العام 2014، على أن تقوم بتقديم تقريرها المقبل في العام 2018، وربما تكون هذه الاتفاقية هي الوحيدة التي قدمت فيها البحرين نوعا من الالتزام في تقديم تقاريرها بشأنها.
والبحرين انضمت إلى اتفاقية مناهضة التعذيب في العام 1998، وتحفظت على الفقرات من 1 الى 5 من المادة «20» قبل أن تسحب تحفظها لاحقا، مع إبقاء تحفظها على المادة «30/1» من الاتفاقية، فيما لم تنضم البحرين إلى البروتوكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، وذلك على رغم تكرار التوصية بالانضمام للبروتوكول، سواء الصادرة عن اللجنة المعنية باتفاقية التعذيب، أو مناقشات المراجعة الدورية الشاملة للبحرين في العامين 2008 و2012، ونحن كمؤسسة وطنية نحث البحرين على الانضمام إليه.
وآخر تقرير قدمته البحرين بشأن الاتفاقية كان في العام 2005، وكان من المفترض أن تقدم تقريرها اللاحق في العام 2007، والذي لم تقدمه حتى الآن. ومن جانب آخر، فإنه من المهم جداً أن تعيد البحرين جدولة الدعوة لمقرر التعذيب لزيارة البحرين بشكل سريع.
أما فيما يتعلق باتفاقية الطفل، فالبحرين أصدرت العديد من التشريعات المحلية لحماية الطفل، وبالنسبة للبروتوكولات الثلاثة، والمتمثلة باشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، وبيع الأطفال وبغاء الأطفال، وتقديم وتلقي الشكاوى بشأن الاتفاقية، والأخير لم يأخذ حيز النفاذ بسبب عدم انضمام عدد كاف من الدول إليه.
وقدمت البحرين تقريريها الأول والثاني بشأن الاتفاقية في العام 2000، والتقريرين الثالث والرابع في العام 2009، ومن المفترض أن تقدم تقريرها المقبل في العام 2017.
وبشأن اتفاقية حقوق الإعاقة، فإن البحرين صادقت على الاتفاقية في العام 2011، ولكنها لم تقدم تقريرها بشأن الاتفاقية، على رغم أنه كان من المفترض بها تقديم تقريرها في العام 2013.
أما الاتفاقيات التي لم تنضم إليها البحرين فتتمثل في اتفاقية حماية العمال المهاجرين، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، ومن المهم جدا أن تفكر البحرين في الانضمام لهاتين الاتفاقيتين.
- عبدالنبي العكري: في اعتقادي أنه لا يوجد سقف لأي بلد في العالم يبين مدى التزامه بالاتفاقيات الدولية، ولذلك المسائل نسبية في هذا الجانب، والجانب الآخر أن تنفيذ الاتفاقيات لا يمكن أن يكون شكلياً، ولا يمكن التنفيذ في الدول الاستبدادية إلا في البلدان الديمقراطية، كما أنه لا يمكن تنفيذ اتفاقية بمعزل عن الاتفاقيات الأخرى، فهي كلها اتفاقيات مترابطة مع بعضها البعض وتأتي في إطار منظومة واحدة، ولذلك ابتُدع نظام المراجعة الدورية الشاملة الذي يقيم أداء الدولة في جميع مجالات حقوق الإنسان.
وأما عن طريقة تعاطي البحرين مع الاتفاقيات الدولية، فإن البحرين لم تنضم إلى الاتفاقيات إلا دائما متأخرة، ومثلاً اتفاقية حقوق الطفل، لم توقع عليها إلا في العام 1991، وتحت ضغط الظروف، حين صدر الإجراء «1503»، وهو ما يطلق عليه بـ «الإجراء المستتر»، والذي دفع بحكومة البحرين للتوقيع على الاتفاقية.
وبشأن اتفاقية مناهضة التعذيب، فإنه في العام 1996، صدر عن اللجنة الفرعية للخبراء في الأمم المتحدة وللمرة الأولى إدانة واضحة للقمع في البحرين والتعاطف مع شعب البحرين، وفي ظل القرار بأن يحال لهيئة حقوق الإنسان السابقة (مجلس حقوق الإنسان حاليا)، بدأت المفاوضات في العام 1997 بين هيئة الخبراء برئاسة فرانسوا هامسون والبحرين، وكانت المقايضة أن توقع البحرين على اتفاقية مناهضة التعذيب، بدلاً من مناقشة الموضوع في هيئة حقوق الإنسان.
ونستطيع أن نقول إن بقية الاتفاقيات جرت في ظل إما توجه لإدانة أو عرض تقارير سلبية عن البحرين، وإذا رأينا سجل البحرين في الاتفاقيات فنراها متأخرة، وليس عن دول العالم فقط، وإنما حتى عن دول الخليج.
الوضع الحالي يشير إلى أن البحرين لا ترحب بزيارة المقرر الخاص بالتعذيب، وهذا ليس استثناءً فالبحرين رفضت زيارة بقية المقررين، وعلى سبيل المثال طلب نايجل رودلي زيارة البحرين منذ العام 1997.
الأمر الآخر، أن آلية الأمم المتحدة تؤكد ضرورة إشراك المجتمع في كتابة التقارير، وهو ما لم تلتزم به البحرين، وكان آخرها في إعداد تقرير «سيداو» الذي لم يُشرك الاتحاد النسائي في إعداده، وهو ما يدفع بمنظمات المجتمع المدني لإعداد تقاريرها الموازية.
كما يجب التنويه هنا إلى مدى المصداقية التي تعكسها هذه التقارير، فليس المطلوب تقديم تقارير شكلية إلى اللجان التعاقدية التي تضم الأرقام الخادعة.
ماذا عن مدى التزام البحرين بمواءمة تشريعاتها مع الاتفاقيات الدولية؟
- العكري: أوضح دليل على عدم مواءمة التشريعات المحلية مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها البحرين، هو حين حدثت منازعة في المحاكم بشأن تعريف سن الطفل، إذ لجأ القضاة إلى القانون المحلي الذي يقول ان سن الطفل يمتد إلى 16 عاما، في حين أن اتفاقية الطفل تنص على أن سن الطفل يمتد إلى 18 عاماً.
والأمر نفسه يتعلق باتفاقية التعذيب، والتي تعرف التعذيب بأنه إلحاق أذى نفسي وجسدي، بينما القانون البحريني يوجب أن يترتب على التعذيب ألم ليُعرف بأنه تعذيب.
كما أن البحرين غير ملتزمة بمواءمة تشريعاتها مع الاتفاقيات الدولية، ولا أدل على ذلك من تقييد حرية التعبير والتجمع والتظاهر والمعتقد من خلال القوانين القسرية، إلى جانب الممارسة الفعلية المقيدة أكثر من القانون.
والواقع أن التوقيع على المزيد من الاتفاقيات بات أمرا غير مجدٍ من دون الالتزام بها.
- أحمد الحجيري: العبرة ليست في التوقيع على الاتفاقيات، وإنما بتنفيذها ومواءمة القوانين الوطنية مع تلك الاتفاقيات، من دون ذلك فإنه نوع من العبث والتلاعب، ما لم يكن هناك عمل على تنفيذ تلك الاتفاقيات وإعلاء مكانتها مع الاتفاقيات الوطنية.
ويجب أن تكون هناك محاسبة ومراجعة لتلك القوانين، ويفترض بمجلس النواب أن يقوم بهذا الدور، ولكنه للأسف انحرف عن تلك المهمة، وأقر قوانين وتشريعات تحد من حقوق الإنسان تحت حجة مكافحة الإرهاب، ولذلك لا أرى أن الانضمام للمزيد من الاتفاقيات أمر مُجدٍ.
- غلام: في سياق التزام البحرين على الصعيد الحقوقي، وفي موضوع قبولها بالإجراءات المتعلقة بالتحقيق، فإنها لم تسمح بزيارة وفد للتحقيق في البحرين إلا في العام 1998 فيما يتعلق بالإجراء المعني بالتحقيق في التعذيب، فيما لا ترد على أية طلبات أخرى على الصعيد ذاته.
بالإضافة إلى مانديز، فإن المقررة الخاصة بالدفاع عن المدافعين عن حقوق الإنسان، لم تلق ردا على طلبها بزيارة البحرين، وفي جلسة جنيف أخيراً كانت هناك مطالبات للبحرين لأن تجعل الدعوات مفتوحة، بحيث تسمح بزيارة المقررين الخاصين إليها في أي وقت.
أما بشأن تأخر الدولة في تقديم تقاريرها، فهذه باتت ظاهرة واضحة، وخصوصا من خلال تعاضد الأجهزة الرسمية مع بعضها، إذ لا يمكن أن تقدم جهة تقريرها من دون التنسيق مع الجهة الأخرى.
كما أن تفسير مضامين القوانين يثبت عدم الالتزام بالاتفاقيات الدولية، على سبيل المثال، فإن من يعبر عن رأيه بشكل سلمي ويطالب بالديمقراطية، يُعتبر إرهابيا ومحرضا على الكراهية، مثلما فعلت «مجموعة الـ13»، الذين وصفتهم المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي بقادة الرأي الذين تعرضوا لاضطهاد سياسي، في المقابل تعتبرهم الحكومة سجناء جنائيين لا سجناء رأي.
تحدثتم عن عدم حاجة البحرين لتوقيع المزيد من الاتفاقيات، وكان من بين التوصيات التي وجهت للبحرين في المراجعة الدورية الشاملة الأولى التوقيع على اتفاقية الاختفاء القسري، والانضمام للبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية التعذيب، وسحب التحفظات على اتفاقية «سيداو» والتصديق على البروتوكول الاختياري الملحق بها، فهل نحن لسنا بحاجة للانضمام لهذه الاتفاقيات والبروتوكولات؟
- الحجيري: العبرة ليست في التوقيع على الاتفاقية، وإنما تنفيذ ما تتضمنه، وإلا يمكننا أن نوقع على الاتفاقية أمام العالم من دون تنفيذها. ولكن في واقع الأمر يجب أن تكون لدى السلطة عقيدة باحترام حقوق الإنسان.
- الدرازي: أي حقوقي في العالم يجب أن يدعو دولته الى الانضمام إلى الاتفاقيات، وهذا مبدأ أساسي للدولة، والسؤال: أيهما أفضل أن تنضم الدولة للاتفاقيات أو لا تنضم إليها؟
أنا لست مع القول أن لا فائدة من التوقيع على الاتفاقيات، بل يجب دفع البحرين للتوقيع على المزيد من الاتفاقيات والبروتوكولات الملحقة بها، حتى يمكن استخدامها دليلا يبين التزامها بالتنفيذ.
وأعتقد أنه ليست جميع الدول ملتزمة بتنفيذ الاتفاقيات، وربما 70 في المئة منها لا تلتزم بتطبيق الاتفاقيات الدولية، والالتزام بالاتفاقيات الدولية، ليس مشكلة بحرينية، وإنما مشكلة أغلب دول العالم. ونحن بدورنا في المؤسسة نضغط باتجاه الالتزام بتفعيل هذه الاتفاقيات.
- غلام: الأجسام البيروقراطية التي خلقتها السلطة، لم تقم بدور إلا التلميع للدولة، في ظل وجود المزيد من السجناء، والمتعرضين للرصاص الانشطاري (الشوزن). وهذه المؤسسات تتحدث عن تقديم شكاوى لها، إلا أن الشكوى لم يعد لها أثر في ظل الكمّ الهائل من الانتهاكات، كما ان المساءلة اختفت.
والحقيقة أننا نعيش واقعاً مظلماً، ويتم محاولة تجميله لبيان أنه ملتزم حقوقياً.
ما الذي يخيف البحرين من التوقيع على بروتوكول التعذيب إذا كانت قد أنشأت مفوضية السجناء والمحتجزين التي تتيح زيارة السجون ومراكز التوقيف المفاجئة، وهو ما يقوم عليه البروتوكول الاختياري؟
- الدرازي: البروتوكول الملحق يقوم أساسا على تشكيل لجنة منع التعذيب، والتي تتكون من 10 أشخاص، ويرأسها حاليا البريطاني مالكوم إيفانز، ومن ضمن الآلية في البروتوكول هي تشكيل آلية وطنية لمنع التعذيب التي تلقى الدعم من قبل لجنة منع التعذيب.
على رغم أن البحرين لم تنضم حتى الآن إلى البروتوكول الاختياري، إلا أنها شكلت مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، ومن ضمن مهماتها الزيارات المعلنة وغير المعلنة للسجون ومراكز التوقيف، وهذا تقدم من وجهة نظري.
كما أن قانون المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، الذي من المتوقع أن يناقش خلال أسبوعين في مجلس النواب، يعطي المؤسسة الحق في التفتيش على السجون.
وفي كل الأحوال نحن في المؤسسة نحث البحرين على الانضمام إلى البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب.
- العكري: النصوص لا تكفي، على سبيل المثال، بريطانيا لا يوجد فيها دستور، ولكنها من أفضل الملكيات الدستورية المتطورة، لأنه ترسخ في المجتمع أن قرارات مجلس اللوردات تمثل بمثابة الدستور، بينما في بلدان أخرى لا تحترم الدساتير التي تضعها البلدان بنفسها.
وفي هولندا الحارس القضائي «الأمبودسمان» يكون الجميع تحت سلطته، فيما عدا الملكة وزوجها، وفي دول أخرى لا تتاح مثل هذه الصلاحيات للحارس القضائي أو ديوان التظلمات.
البحرين بحاجة إلى وضع مختلف حتى يسود فيها القانون وحقوق الإنسان، من خلال أن تكون هناك ملكية دستورية حقيقية، وحكومة وطنية مساءلة، وبرلمان يعكس رغبات الناس، وقضاء مستقل.
وحتى يتم ذلك أنا مع الانضمام إلى الاتفاقيات، حتى وإن لم يكن هناك جدوى منها في الوقت الحاضر، إلا أننا نكون جاهزين لتفعيلها عندما تتغير الظروف.
وما هي من وجهة نظركم مبررات تأخر البحرين في التوقيع على اتفاقية الاختفاء القسري؟
- العكري: البحرين لم توقع على الاتفاقيات إلا تحت القسر، وإلا من الواضح أن هناك اختفاء قسريا لأشخاص يتم اعتقالهم ويختفي بعضهم لمدة أسبوعين.
إلى أي مدى تعكس مضامين التقارير الدورية الرسمية التي تقدمها البحرين إلى اللجان التعاقدية ما يجري على أرض الواقع؟
- العكري: هذه التقارير لا تعكس الواقع، ولو كانت كذلك لما كان هناك إصرار من شعب البحرين في كل مسيراته بتنفيذ توصيات تقصي الحقائق ومجلس حقوق الإنسان والمقررين الدوليين. والادعاءات بتنفيذ التوصيات ليس لها أساس من الواقع، بل إن هناك تناقضا في بعض الأرقام ونسب التنفيذ.
- غلام: بالنسبة إلى التقرير الرسمي الأخير بشأن «سيداو»، فإنه تغاضى تماماً عن الانتهاكات التي طالت مئات النساء منذ العام 2011 وحتى اليوم.
- الدرازي: لاشك أن الدول ستلمع نفسها في التقارير التي تقدمها، سواء في إطار آلية المراجعة الدولية الشاملة أو اللجان الخاصة، ولذلك أُوجدت تقارير الظل.
هل ترى أن البحرين ضمن الدول التي تلمّع نفسها فيما تقدمه من تقارير؟
- الدرازي: كل الدول تقوم بذلك، لا توجد دولة ستعترف بشيء، ولكن في المقابل فإن لجان الأمم المتحدة تأخذ بما يرد في تقارير الظل، فعندها تبني اللجنة المعنية توصياتها ومناقشاتها على أساس التقريرين الرسمي والظل، ولهذا في العام 2005 عندما خرجت توصيات اللجنة المعنية باتفاقية التعذيب ودعت إلى النظر في قانون 56، كان ذلك بناء على المقترحات الواردة في تقارير الظل.
- العكري: هذا كلام عام... لأن بعض الدول الديمقراطية تعترف بالنواقص الموجودة لديها. أنا شخصياً أتيحت لي الفرصة لقراءة التقرير الرسمي الصادر عن فنلندا، وهو يتحدث عن مشكلة في التعامل مع السكان الأصليين في فنلندا، وأن تعبيراتهم الثقافية لا تأخذ حيزها. وكذلك بالنسبة للسويد التي تحدثت عن الغجر وحقوقهم. وأيضاً فرنسا اعترفت في تقريرها أنها لم تتمكن من اتخاذ الإجراءات الكافية لمنع التعذيب في السجون. هذه البلدان تجد لديها الشجاعة للاعتراف بتقصيرها.
أليس من حق المؤسسة أن تقدم تقاريرها منفصلة عن التقارير الرسمية؟
- الدرازي: نعم من حقها.
هل قدمت تقارير ظل منذ أن تم تأسيسها؟ أثناء مناقشة تقرير البحرين بشأن «سيداو» على الأقل؟
- الدرازي: المؤسسة مضى على إنشائها 14 شهراً فقط، وفي مناقشة تقرير السيداو، شاركت المؤسسة بوفد مستقل ومنفصل عن الوفد الرسمي في إلقاء كلمة انتقدت عدم إدراج جميع الأسئلة والإجابات التي وردت عن المؤسسة في التقرير الرسمي الصادر عن البحرين.
وفي الوقت نفسه طُرحت علينا أسئلة من لجنة «سيداو» بشأن موضوعات متعددة، وقامت المؤسسة بالإجابة عن جميع الاستفسارات التي طرحتها اللجنة، ونحن نحث حكومة مملكة البحرين على الالتزام بتسليم التقارير إلى اللجان التعاقدية بشكل منتظم، حتى تستطيع المؤسسة أن تقدم تقارير الظل مع مؤسسات المجتمع المدني، وحتى لا تضطر هذه المؤسسات الى أن تقدم تقارير في غياب التقارير الرسمية.
- العكري: في ظل الظروف الصعبة والعقوبات التي تقع على منظمات المجتمع المدني بسبب تعاطيها مع ملف حقوق الإنسان، والتي وصلت حد التهديدات، وهذا ما حصل مع الوفد الأهلي في جلسة جنيف، فإن الجمعيات الحقيقية والوفية لمبادئها، عوقبت، ولكنها نجحت بشكل واضح في تقديم تقارير يعتد بها، ولها مصداقية، دفعت لجان الأمم المتحدة للأخذ بها والاعتماد عليها.
هل هناك دور يمكن أن تقوم به المؤسسات الوطنية أو المعنية بحقوق الإنسان في دفع البحرين للانضمام إلى الاتفاقيات الدولية؟
- الدرازي: بالنسبة للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، فإن المؤسسة تطرح في اجتماعاتها الرسمية مسألة حث البحرين على توقيع الاتفاقيات الأخرى، وخصوصاً اتفاقية الاختفاء القسري.
كما أن التقرير السنوي الذي سيصدر عن المؤسسة خلال فترة قريبة، أبدينا فيه بشكل واضح الدعوة باتجاه أن تنضم البحرين إلى الاتفاقيات الأخرى، وحتى في اجتماعاتنا مع وزير الداخلية ونائب رئيس مجلس الوزراء، كنا نقول انه يعاب على البحرين التأخر في تقديم التقارير المتعلقة بالاتفاقيات الدولية، وهذا ليس له تأثير على البحرين فقط، وإنما على منظمات المجتمع المدني التي تصدر تقارير الظل.
وأعتقد أن هناك إجراء جديدا سيُتخذ من قبل الأمم المتحدة، يتيح لمنظمات المجتمع المدني تقديم تقارير الظل إلى منظمة الأمم المتحدة، إذا كان هناك تاريخ محدد للدولة لتقديم تقريرها الرسمي ولم تلتزم بتقديمه في المدة المقررة.
هل نتوقع أن تقدم المؤسسة تقارير ظل حتى مع عدم وجود تقرير رسمي؟
- الدرازي: نحن نبحث هذا الأمر، وحتى الآن بصدد التأكد من هذه الآلية، ولكنها محل تداول الآن، لأن الكثير من الدول باتت لا تلتزم بتقديم تقاريرها الدورية في الوقت المحدد.
وموقف المؤسسة من التعاطي الرسمي مع الاتفاقيات وعدم دعوة المقررين الخاصين لزيارة البحرين، وحثها على التعاون والتعامل الكبير مع الإجراءات الخاصة والآليات الخاصة للأمم المتحدة، أوردناه في تقريرنا السنوي، بما في ذلك إعادة جدولة سريعة وتحديد موعد لزيارة المقرر الخاص بالتعذيب خوان مانديز التي تم تأجيلها لمرتين.
ومن غير المقبول التعذر بتأجيل زيارة مانديز إلى البحرين باعتبارها أمرا يتعلق بسيادة الدولة، فحين توافق أي دولة على زيارة البحرين فإنه يتوجب عليها إعطاء مقرر التعذيب الحق في الالتقاء بالأشخاص من دون تدخل حكومي وبشكل حر. وبالتالي الدول حين توافق على زيارة مقرر التعذيب، فعليها تقديم هذه الضمانات له.
- العكري: البرلمان والمجلس الأعلى للمرأة وغيرهما من المؤسسات الوطنية لا تحث بل تعوق التوقيع على الاتفاقيات الدولية، وهذا ما حصل بالنسبة لاتفاقية «سيداو» على سبيل المثال، والتي تم التحفظ على بعض موادها بحجة مخالفتها للشريعة الإسلامية، وحتى حين شارك المجلس الأعلى للمرأة في مناقشة تقرير البحرين الأخير أمام لجنة «سيداو»، قال انه سيرفع التحفظات عن بعض المواد بما لا يخالف الشريعة الإسلامية.
كما أن هذه المؤسسات تعاقب المجتمع المدني الذي يسعى لتشكيل جماعات ضغط من أجل الحث على توقيع الاتفاقيات الدولية، وهذا ما حدث حين عاقب المجلس الأعلى الاتحاد النسائي بإيقاف دعمه لمقر الاتحاد، وأبعده عن لجنة صياغة التقرير الرسمي بشأن اتفاقية «سيداو».
كما أن البرلمان يسير في الاتجاه ذاته، بل ان أحد النواب قال في تصريح له ان البحرين ليست بحاجة للانضمام للاتفاقيات الدولية، وفي الوقت الحالي حديث البرلمان يقوم على تغليظ العقوبات التي تتعامل مع الحريات، فالمؤسسات الوطنية مقلوبة الدور.
- الحجيري: بعض المؤسسات المعنية بحماية حقوق الإنسان تقوم بدور مشوش، إذ تتولى مسئولية الدفاع عن الحق بشكل مغاير للحق.
- غلام: أثناء مشاركاتي في مناقشة تقرير البحرين بشأن «سيداو»، نفت إحدى عضوات الوفد الرسمي البحريني وجود مفصولات أو معتقلات رأي في البحرين، على رغم أن المفصولات والسجينات موثقة أعدادهن، إلا أن خبيرات اللجنة كن مستعدات للرد على الوفد الرسمي بهذا الشأن بصورة جيدة.
الصورة التي نقرأها في أدبيات الأمم المتحدة، هي صورة نبيلة جميلة، تشعرنا بأنها تريد أن تنقذ الإنسان الذي تُنتهك حقوقه، ولكن ما نراه على أرض الواقع في تفسير هذه الأدبيات ونصوصها يقوم على التردد والتخوف والمجاملات الكثيرة، لا يمكن أن نقول إن هناك مؤسسات يشار إليها إلى أنها قدمت دورا حقوقيا.
فعلى سبيل المثال، من بين الصلاحيات التي تناط بالمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، تقديم منتهكي حقوق الإنسان للعدالة وتقديم سبل الانتصاف والعدالة ومنع التعذيب، فهل قامت المؤسسة بهذا الدور أم أن دورها هو مساند للدولة؟ وماذا حدث في موضوع التعذيب؟ وإنما هناك سكوت تام ومطلق على هذا الصعيد.
لذلك لدينا رؤية واضحة بشأن هذه المؤسسات الوطنية أنها مستخدمة لمعاقبة المدافعين عن التقدم الديمقراطي، وأصبحت جهاز فرعون لا عون، بل وبات يُرصد لها مبالغ لذلك.
- الدرازي: مع الأسف الشديد، أن نسمع هذا الكلام... ولكننا في المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، نطمح إلى أن تكون لدى المؤسسة صلاحيات شبه قضائية.
والتقرير السنوي للمؤسسة يتضمن إحصائية كاملة بالشكاوى وما جرى عليها، والوزارات المتعاونة وغير المتعاونة.
العدد 4243 - السبت 19 أبريل 2014م الموافق 19 جمادى الآخرة 1435هـ