العدد 4242 - الجمعة 18 أبريل 2014م الموافق 18 جمادى الآخرة 1435هـ

«ألوان البحرين» لأودواير... سيرة الموسوي... الوقت والمكان

في كتاب/ ألبوم «ألوان البحرين» لدنيس أودواير، الذي يتناول سيرة اللون/ اللوحة/ المكان/ عباس الموسوي، ترجمة محمد الخزاعي، تفاجأ باللغة التقريرية التسجيلية التي حواها الإصدار.

رصد لألوان/ لبلد/ لمكان/ للوحة/ لواحد من الأسماء الحاضرة في الفن التشكيلي في البحرين، يحتاج إلى لغة تتجاوز التقريرية والتسجيلية تلك. الكتاب جاء في 273 صفحة من الحجم الكبير.

يتقصّى البدايات التي هي عادة ما تكون ثابتة في المخيلة باللونين الأبيض والأسود. الكتاب يبدأ بالألوان، بدءاً بالغلاف، وبعدها يطل عليك اللون الأحمر في صفحتين متقابلتين، خلاف المعهود والمتوقع، بتكرار اللون الأبيض بعد الغلاف في جل الإصدارات التي نعرف.

ذلك مرتبط بثيمة الألوان التي أريد للكتاب أن يتقصّاها. ليست ألوان اللوحة هنا فحسب، كما أشارت هذه الكتابة، إنها ألوان الحياة عبر اللوحة/ اللوحات. ألوان الأمكنة، وألوان السيرة بكل مراحلها وتنقلاتها وسفرها في المكان بزمنها الخاص، وزمنها العام في الوقت نفسه.

تبدأ السيرة من سبعينات القرن الماضي... تنقلاً في المكان، من المنامة إلى حاضرة العرب الكبرى (القاهرة) حيث يبدأ درس اللون وما بعده.

اللون الذي سيأخذ عباس الموسوي لاكتشاف فتنه الخاصة، وفتن العالم، والإصغاء إلى فتن الناس. اللون فتنة أو هكذا نراه! هناك مع المعلم حامد ندى يصغي إلى وصيته بالبحث عن الإلهام في «محل الأشياء القديمة».

الأشياء القديمة يبعث الفنان فيها روح التجدّد والمستقبل. يأخذ بها إلى زمنها الذي لم تحْيَه، لتعيش تفاصيله بدرس الوفاء له.

المقدمة ترافق السيرة: زمناً وإنجازات. الكتاب الذي صدر قبل 3 سنوات من ترجمته؛ بحسب المقدمة «يعتبر علامة بارزة لعدة أسباب، من بينها أنه أول كتاب ينشر في السنوات الأخيرة يلفت انتباه القارئ إلى الوضع الفريد لمملكة البحرين في الخليج العربي، وبشكل خاص فيما يتعلق بالمحاولات والإنجازات الفنية». وذلك كلام لم يخلُ من عموميات.

المعارض الفنية التي شارك فيها الفنانون البحرينيون وفي فترة مبكرة مذ مطلع السبعينات بدأت في تشكيل الصورة لطبيعة الإنجاز الفني في البحرين. المعارض كانت خير راصد لطبيعة وقيمة ونضج ذلك الحراك وريادته على مستوى المنطقة!

من لوحته التي خصصها لنشر ثقافة التفاهم والتسامح بين الشعوب بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، والتي أهداها إلى السفير الأميركي في مملكة البحرين وقتها، جوني يونغ، وتم إرسالها إلى وزارة الخارجية الأميركية؛ حيث تم تعليقها في الوزارة، وقبله مشروع السلام الذي جاب به عباس الموسوي عدداً من أقطار العالم في تسعينات القرن الماضي، بلوغاً إلى العام 2000، يحضر الموسوي مفتوناً بالورش الجماعية التي ينتخب من خلالها بذرة البشر وبراءتهم (الأطفال)، في تعويل ذكي ولمّاح للتأسيس الذي يريد ويتوق إليه.

في تصدير الكتاب، تحضر مقولة أميل زولا، شاهداً في كتابته عن كلود مونيه العام 1868: «كرهت دراسة الأعمال بصورة منعزلة، أفضّل أن أقوم بتحليل شخصية وأن أقوم بتشريح المزاج، ولهذا كثيراً ما أنظر خارج الصالة لأعمال ليست معروضة هناك، عندما نجمعها سوية تستطيع في نهاية المطاف أن تشرح الفنان كما لا يستطيع ذلك ما توخّاه أودواير في الكتاب، بتلك الفسيفساء التي جمعت اللوحة والتلاشي في المكان من سواحل ورقعة خضراء، الأب في ريادته، التنقل، الوعي المبكر، الناضج، والذي بلغ استواءه بكل ما أنجز وما هو صائر إلى الإنجاز.

لا يقرأ المؤلف اللوحة/ اللون. يقرأ سيرة صاحبها، سرداً وبتقريرية لاشك أفقدت الجهد الكثير من جدواه وقيمته التي يمكن لها أن تتعمّق، بالذهاب إلى ما وراء سيرة صاحبها. ما وراء اللوحة. ما وراء اللون. المباشرة في التقديم وخصوصاً في سيرة الفن لا تقدم فناً، هي تقدم ما يشبه الصورة الفوتوغرافية لذلك الفن، وليس كل صورة منشغلة أو مشغولة بذلك!

في الكتاب تنقلات لألوان حركة التنوير ووسائطها ورجالاتها في تلك الحقبة. من الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة، محسن ومحمد التاجر وإبراهيم كانو، ترصد جانباً منها لوحة لواحد من رواد الفن التشكيلي في البحرين: كريم العريض.

شركة نفط البحرين (بابكو)، حاضرة في صور بالأبيض والأسود، من البدايات والنقلة التي جعلت من الجزيرة تنتقل من مرحلة الاعتماد في مواردها اللؤلؤ إلى موارد أخذت بها إلى مصاف دول احتاج جيرانها إلى عقود للحاق بها. عروج على التنقيب والآثار والبعثات التي تعاقبت على نبش ورصد تاريخ الجزيرة. كل ذلك ألوان تشكّل اللوحة التي قدّمت الجزيرة إلى العالم ليس باعتبارها موقعاً حيوياً ورابطاً بين جهات العالم؛ بل بإنسانها الذي عمّق من تلك القيمة بريادته في المجالات كافة.

في فصل خلفية العائلة، ثمة أب إشكالي بالنظر إلى طبيعة المحيط الذي هو جزء منه؛ لكنه على قدر هائل من النظر والخيار والقراءة والذهاب وحتى السفر. السيدمحمد صالح الموسوي. جرأته بما جرّت عليه من عزلة ومقاطعة انحيازاً لقناعاته، وهو الرائد فيما لم يألفه الناس، من لكنو بالهند والعودة بما يشبه البدعة (الكاميرا) وفن التصوير، وصداماته بطبيعة ما يطرح على المنبر الحسيني الذي كان أحد كباره وعمالقته بما أوتي من ثقافة موسوعية وتعاطٍ بالحس والذائقة والملكة مع الشعر والأدب.

النفط، بكل التحولات والتبدّلات التي أحدثها... نعمة ونقمة... نعمة للذين كانت بيدهم السطوة فملكوا كل شيء؛ حتى الأفق بعد التسوير، واستمراء ممارسة خنق البحر.

الأسواق بتعدد المهن والحِرف فيها... من بائع الأحذية، إلى الصفّار، إلى الحلاق... الخرائط أيضاً... حدود اليابسة التي زحف عليها الردم، البساتين التي بدأت تتلاشى، لتحل محلها أبنية تقود أصحابها إلى الجشع... بساتين متورطة في أقصى الخضرة... اللوحة ترصد جانباً من ذلك، وكذلك الكاميرا... العيون التي انطفأت أو تم إطفاؤها أيضاً. جانب من المرح الوافر وقتها في تلك العيون. اللوحات الزيتية حاضرة من المباني الفارهة وقتها وهي ليست كذلك بمقياس اليوم، إلى السكك الضيقة/ الرحبة بما كسبت قلوب الناس من البساطة وترويض الحياة على رغم قسوتها. وللسينما في كل ذلك نصيبها. متعة للذين كانوا يملكون جرأة الخروج على العرف. السينما في مقابل الذهنية وقتها رديف/ وحش يذهب بالأخلاق وصاحبها.

رصد للبدايات التي لا أثر يدل عليها سوى الإنسان. الإنسان بمقياس ذلك الزمن هو الآخر شحيح ونادر وكالعملة الصعبة.

الفنون، المشغولات، الأغاني، جلسات الطرب، وغيرها من تفاصيل يرصدها دنيس أودواير، بلغة تقريرية تسجيلية، لا تكلف فيها. هذا النوع من رصد السيرة يحتاج إلى أكثر من تلك اللغة، على رغم أنه لم يكتبها بعيداً عن مقولة أميل زولا، في كتابته عن كلود مونيه العام 1868: «كرهت دراسة الأعمال بصورة منعزلة»، لكن ذلك لا يمنع البتة من أن تتاخم اللغة بشعريتها ونأيها ولو قليلاً عن تلك التقريرية والتسجيلية. ستمنح السيرة أناقة أكثر. ستقول ما وراء كل تلك التفاصيل. اللغة بدقتها وانتباهها تفعل ذلك.

تبقى كلمة تتعلق بالمترجم محمد الخزاعي في اختياراته وتنوعها، من التاريخ والمسرح والفن التشكيلي والشعر وغيرها من مجالات الآداب والفنون، في اشتغال هادئ ورصين وتمكّن ملحوظ. في جهد لن يكون عابراً، وخصوصاً باتكائه المعرفي العريق، والأهم من ذلك حبه واشتغاله بوفاء على ما ينتخب من مشروعات.

العدد 4242 - الجمعة 18 أبريل 2014م الموافق 18 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً