في حديثها عن الوضع الإنساني المتدهور في سورية، أدانت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي الاثنين الماضي، الاستخدام المفرط للتعذيب في أماكن الاحتجاز، على يد قوات الحكومة وبعض جماعات المعارضة المسلحة.
بيلاي خلصت إلى القول إن التعذيب يعد جريمة حرب في النزاع المسلح، ويبلغ مستوى الجرائم ضد الإنسانية عندما يستخدم بطريقة منهجية أو واسعة النطاق، والقانون الدولي يحظر استخدام التعذيب في جميع الأوقات والظروف.
التعذيب يجري بعضه في الشوارع، لكن أغلبه يحدث وراء الجدران، ولذلك من الصعب التحقق منه أو إثباته. لكن عندما يصبح الحديث عنه متواتراً على ألسنة آلاف الضحايا، يصبح من الصعب على أي نظام سياسي نفي وقوعه من الأساس. وحين يكون هناك أكثر من 4000 معتقل وسجين سياسي في بلد معين، ينقلون إلى أهليهم أصناف التعذيب التي مرت بهم، تكون الرواية قد وصلت إلى درجة الشياع، والشياع أحد وسائل الإثبات حتى في الأحكام الشرعية.
لنكن صريحين تماماً، وقائع التعذيب ليست جديدة في سجون البحرين، فهناك أربعة أجيال على الأقل، منذ الستينيات، من مختلف التيارات الفكرية والسياسية، مرّت بهذه التجارب المريرة، ولاقت صنوفاً من التعذيب، فلا تحتاج القضية إلى حفرٍ في الصخر بحثاً عن أدلة إثبات.
لعلها من المصادفة الجميلة، أن يتزامن تصريح بيلاي عن التعذيب كجريمة ضد الإنسانية، مع تصريح وزير الداخلية الأخير، الذي طالب فيه بتقديم أدلة على حصول التعذيب في سجون البحرين، «وإلا بيننا وبينه القضاء». وسعادته يعلم أن هذا الطلب من النوع التعجيزي، مادامت وزارته تمنع زيارة المؤسسات الحقوقية إلى السجون، للتحقّق من أوضاع حقوق الإنسان. كما أنها ماتزال ترفض الاستجابة لمطلب دولي، بالسماح للمحقّق الخاص بالتعذيب بزيارة البحرين للتحقّق من كل الادعاءات بحدوث انتهاكات خطيرة وتجاوزات حاطة بكرامة البشر.
ليس سراً القول إن العاملين المستقلين بالمجال الحقوقي يتعرضون منذ سنواتٍ لمضايقات، لمنعهم من أداء عملهم بمهنية. والكلّ يعلم بما تعرّضوا له من ملاحقات شديدة في العامين الأخيرين، وقُدّم بعضهم للمحاكم، فيما اضطر بعضهم إلى مغادرة البلد طلباً للأمان. وحتى ما قبل العام 2011، لم تكن الداخلية ترحّب بزيارة المنظمات الحقوقية الأهلية، ولم تسمح سوى بزيارةٍ يتيمة، لإحدى هذه المنظمات قبل ثمانية أعوام. فكيف يمكن والحال هذه، التحقّق من عدم وقوع تعذيب أو انتهاكات، أو تقديم أدلة «دامغة» على حدوث التعذيب داخل السجون؟
إن الحديث عن التعذيب متواترٌ إلى درجةٍ لا يمكن نفيه بالتلميح إلى ملاحقات، فنحن في بلد صغير جغرافياً، متداخلٌ مجتمعياً، ولا يمكن منع العوائل من نقل قصص تعرّض أبنائها للتعذيب، خصوصاً في هذا الزمان، حيث يتم تداول المعلومات والأخبار أولاً بأول، عبر «تويتر» و«الواتس أب» وغيرهما من وسائل التواصل الاجتماعي. المعلومات لا يمكن حجبها، وقصص التعذيب أكثر من أن تُحاصر أو تُحجب، لأن الماء -ببساطةٍ- زاد على الطحين.
التهديد بملاحقة كل من يتكلّم عن التعذيب لن يحلّ مشكلة التعذيب، بل سيزيد من ملف انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين تعقيداً، ويزيد أوراقه تضخماً، وسيفتح فصولاً أخرى لصدور إداناتٍ جديدةٍ للنظام من قبل المجتمع الدولي، بما فيه عواصم الدول الكبرى الحليفة.
ليس الحل بالتهديد بمقاضاة كل من يتحدّث عن التعذيب «دون تقديم أدلة»، بل بالتزامنا بالمعاهدات الدولية التي وقعنا عليها، والتي تحظر التعذيب والمعاملة الحاطة بكرامة البشر. وأخيراً... ليس الحلّ بتهديد من يفتح فمه بكلمة عن التعذيب في السجون... بل بإيقاف التعذيب فوراً -إن وُجد- كما يدّعي المدّعون، بما فيهم عواصم الدول الكبرى، ومنظمات حقوق الانسان العالمية، انتهاءً بجو ستورك و... نافي بيلاي.
وفّق الله البحرين للتخلص من السمعة السيئة في مجال انتهاكات حقوق الإنسان، ومنع كل أشكال التعذيب، الحادثة والمزعومة، ووقف كافة أصناف المعاملة غير الإنسانية الحاطّة بكرامة البشر، التي يتكلّم عنها الكثيرون، وفي مقدمتهم بسيوني الذي ادّعى في تقريره الشهير وقوع «تعذيب ممنهج ضد السجناء»، لتصبح البحرين واحةً حقيقيةً لحقوق الإنسان. قولوا آمين رب العالمين.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 4240 - الأربعاء 16 أبريل 2014م الموافق 16 جمادى الآخرة 1435هـ
شميت ريحة خوف اخر المقال
الحل الوحيد في حين تجريم المتحدث عن التعذيب بكثرة الحديث عن التعذيب فلن يستطيح احد من سجن الشعب باكمله
من قال
من قال انه من النوع التعجيزي هالجثث الي خرجت من سجونهم وآثار التعذيب عليها اما تكفي ؟!!!!!