تحتاج أن تخاف. وتحتاج أكثر إلى الاطمئنان. لكنك لن تطمئن ما لم تعرف الخوف.
حاجة الإنسان إلى الاطمئنان يسبقها خوف وقدرة على تجاوز هذا الخوف. ليس كل خوف منقصة وعيباً. فأن لا تخاف، ذلك يعني أنك خارج التصنيف في الحس ولا علاقة لك بطبيعتك البشرية، فيما يظل خوفك الدائم لسبب أو بلا سبب، مصيدة أخرى تخرجك عن هذه الطبيعة.
ليس كل اطمئنان ثقة، وليس كل خوف انهزاماً وضعفاً؛ فالمسألة تكمن في التوازن. في: أين ومتى يجب أن تخاف، وفي: أين ومتى يجب أن تطمئن. ذلك لا يتجاوز برمجة هي ضمن تكوين الإنسان، وتجاوزها يكمن في ألا تضع اعتباراً للحاجتين معاً.
الجُبن أمرٌ آخر. والتهور أمرٌ آخر أيضاً. لا اطمئنان ولا شجاعة في تهوّر. ولا قيمة لإنسان مع جُبْن. الجُبن الذي يلغيه ويشطبه ويجعله موضوع استهداف واحتواء. أن لا يكون له خيار في أبسط حق له. مثل ذلك الجُبْن يتخيّله صاحبه باعتباره مصدرَ اطمئنان ونأياً عمّا يمكن أن يسبب له أذى، سيكون مصدر الأذى ومصدر نهاية أمره في الخيار. ذلك ما يحاول كثيرون تجنّبه والقفز عليه، أو كأنه لم يكن.
والتهوّر هو الآخر، لا علاقة له بالشجاعة التي يمكن لها أن تحقق اطمئناناً. ستحقق أمراً وحيداً ولا ثاني له: أن تؤجل الرعب الذي سيفاجئك بما يتجاوز مثنى وثلاث ورباع وخماس وسداس، وطاقة الإنسان فيما نعرف لا يمكن أن تحيط بأكثر من رعب وبلاء. تجعله كالقاع الصفصف، ويكون نهْب رياح تخبّطه وتوهّمه. ولا شجاعة يمكن أن يُستدل عليها حين تكون مؤونة للريح، أو في ضيافة العدم وانقطاع الحَوْل والقوة.
يحتاج الإنسان إلى أن يخاف لسبب بسيط، عدا ما ذُكر، أن يختبر الحواس التي قد يعمل على مواراتها أو التغافل عنها أو لا يريد أن يبدو موضوع استهجان وسخرية. لا شيء يبعث على السخرية أكثر من الخوف، هكذا في وعي محاط بأبراج من حماية، ولو كانت مصطنعة أو زائلة أو رخوة. وتعطيل مثل تلك الحواس مُكابرة لن تجعل الطمأنينة مقيمة واستدعاؤها وقت الطلب ليست رهن الأمر. والأغرب من كل ذلك، أنك يمكنك أن تتصنّع الخوف، ولكنك ستنكشف أمام تصنّع الطمأنينة. وفي التصنّعين انكشاف، على الأقل عند صاحبه، وعند ذوي فطنة وإدراك أيضاً.
ليس إنجازاً أن العالم اليوم ببشره في حال من خوف دائم. الإنجاز أن يكون في طمأنينة ليست بالضرورة أن تكون دائمة، ولن تكون، بدون نكران الحاجة إلى حضور الخوف في وقت تجاوز الطمأنينة حدودها تعدّياً على حق الآخرين في الطمأنينة نفسها، استجلاباً وتصنيعاً لخوف وإن ألفوه.
والنقيض لكل ما سبق، أن العالم بكل صناعة الخوف والرعب الذي يشهده بحاجةٍ إلى الاطمئنان، لأن الخوف فائض، ويكاد يتجاوز الحاجة والحالة الطبيعية التي يمكن لأي إنسان أن يتحمّلها ويستوعبها ويتعايش ويتواءم معها. والطمأنينة تكاد لا تُرى بالحس المجرد عدا العين التي هي الأخرى مشغولةٌ بخوفها بحثاً عن طمأنينتها.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4240 - الأربعاء 16 أبريل 2014م الموافق 16 جمادى الآخرة 1435هـ