في العام 2004، فرح العشرات وربما المئات من المواطنين، بالمكرمة الحكومية بإسقاط المتأخرات عن فواتير الكهرباء والماء، لكن في المقابل، وجد الآلاف من البحرينيين أنفسهم مظلومين بسببها، فالرسالة التي وصلت إلى الجميع، أنه تمت مكافأة من لم يكن يدفع، في حين أن من كانوا منتظمين في دفع فواتيرهم أولاً بأول، لم يستفيدوا من هذه المكرمة شيئاً، بل عوقبوا بسبب انتظامهم في الدفع بعدم شمولهم بالمكرمة!
منذ ذلك الوقت، قرّر الآلاف من البحرينيين، ربما لا شعوريّاً، أن يراكموا المبالغ المستحقة عليهم، إما كرد فعل نفسي على هذا الأمر، أو لعل مكرمة جديدة تأتي فتشملهم، فتسقط عنهم ما تراكم من مبالغ، أو على الأقل ينفسوا عن ضيقهم مما جرى.
وبغض النظر عن المبررات التي تسوقها هيئة الكهرباء والماء في دفاعها عن تلك المكرمة، فإننا نجد ما قامت به لم يكن قراراً سيئاً بالمطلق، بل على العكس من ذلك، نجده قراراً إنسانيّاً بصورة واضحة، ولهم الشكر عليه.
لكن، نحن نختلف معهم في الرسالة التي أوصلوها إلى الناس بهذه المكرمة، ولا نلوم الناس لأنهم أرادوا أن يتم التعامل معهم بالمنطق ذاته الذي تم، ونجد أنه كان من حق المنتظم في الدفع أن يجازى على انتظامه، وكان من المفترض أن يؤخذ هذا الأمر في حساب الهيئة أو الوزارة وقتها، عندما قررت قرارها المذكور.
اليوم وبعد عشر سنوات من ذلك، بات واضحاً نتائج ما حدث، الهيئة تتكلم عن تراكم المبالغ المستحقة على الناس والتي وصلت إلى 130 مليون دينار، فواتير لهوامير تزيد على عشرات الآلاف، وفواتير أخرى لبسطاء فاقت آلاف الدنانير، والنتيجة في كلتا الحالتين أن الكثيرين من الهوامير لايزالون لا يدفعون فواتيرهم، والكثير من البسطاء باتوا عاجزين عن الدفع بسبب تراكم هذه الفواتير طيلة هذه السنوات.
خلال هذه السنوات العشر، حاولت الهيئة مراراً تحصيل الفواتير المتراكمة على الناس، لكنها كانت تصطدم بردود الأفعال، كما كانت تصطدم بما يتم كشفه من أدلة على أن وعيدها كان يصل فقط إلى عامة الناس، في حين أن الاعتقاد عند الناس أن الهوامير ظلوا يتنعمون بالهواء البارد من مكيفاتهم التي لا يتوقف هديرها، على رغم استمرار دوران العدادات عليهم وتجاوز الأرقام المستحقة عليهم عشرات أو مئات الآلاف من الدنانير، وهو ادعاء ظل راسخاً لدى الكل، على رغم النفي المتكرر من قبل الجهات المعنية.
وبالتأكيد، فإننا لا نلوم الهيئة إذا ما قررت أن تتعامل مع جميع المتخلفين بسواسية، ونجد أن من الإنصاف أن تحاسب الكبير قبل الصغير، كما أن عليها أن تنظر بإنسانية إلى الحالات التي تبرهن ظروفها على عجزها عن الدفع.
إحدى هذه الحالات، هي عائلة الهملة التي تتكون من 26 مواطناً بينهم أطفال صغار ونساء وكبار في السن، عائلهم لا يعمل، وكذلك ثلاثة من أبنائه بلا دخل، فهذه العائلة منذ 17 يوماً تعيش بلا كهرباء في منزلها.
المبالغ المتراكمة على هذه العائلة تجاوزت 14 ألف دينار، وقد حاولت جهات عديدة التدخل لإيجاد حل لمعاناتها دون جدوى، فحتى التجاوب الذي أبدته الهيئة بتخفيض القسط الشهري عليها من 800 إلى 365 ديناراً، لم يكن قادراً على انتشال هذه العائلة مما هي فيه اليوم.
كلمة نقولها لهيئة الكهرباء والماء، لا أحد يرفض أن تقوموا بتطبيق القانون على الجميع، لكن هذه العائلة تستحق فعلاً أن يتم التعامل معها بإنسانية أكبر، وصدقوني لا أحد من البحرينيين، سيمتنع عن دفع الفواتير مستقبلاً، إذا ما طبقتم القانون على الجميع، وأوجدتم حلاًّ إنسانيّاً لهذه العائلة، والذي نتمنى أن يكون قريباً!
إقرأ أيضا لـ "حسن المدحوب"العدد 4240 - الأربعاء 16 أبريل 2014م الموافق 16 جمادى الآخرة 1435هـ