النص في منظومة النظام والقانون والدستور، ليس نصاً للغو الفردي، ينقل المعنى والمراد، تبعاً للهوى اللحظي، ليجنح به في حالة ذات اليمين، وفي حالة أخرى ذات الشمال، فالنص الدستوري هو القيِّم على نص القانون، وكذلك نص القانون بالنسبة لنص النظام، لذا تجد أن النص الدستوري، أعمّ وأشمل وأدق لبسط وإقرار الحقوق والواجبات، وللتخصيص أو التنظيم والضبط، يحيل النص الدستوري ذلك الحق نصاً إلى «وفقاً للقانون» أو «تسري في شأنه القوانين الخاصة بـ ...»، وللإستثناء من نص مادة دستورية عامة، ينص الدستور على «إستثناءً من نص المادة...». ولذلك يتم تقييم القانون بدستوريته، ويتم الطعن فيه لدى المحكمة الدستورية، وكذلك يتم محاكمة أنظمة الأداء، وفقاً للقانون بالطعن في قانونية النظام.
هذا في شق دولة القانون، أما في شق دولة المؤسسات فيما يخص النص القانوني، فيتوجب أن يمتاز النص القانوني، بما يجعل آلية تنفيذه بنظام عام، متوازعةً وخاضعةً للرقابة مؤسسياً وغير خاضعة لسلطة الأفراد، ومساحة تطبيقه، مظلة تمتد إلى كافة أفراد المجتمع دون أدنى تمييز، وعادةً ما تكون تجاوزات الموظفين العموميين المعنيين بتنفيذ النص، مدعاةً لتشديد العقوبة، نتيجة لاقتران التجاوز بخيانة الأمانة.
فالنص الدستوري يخضع لمعايير الفقه الدستوري الذي يسود ويهيمن على النص القانوني، ومن هنا سنحاكم عينةً من نصوص القانون، وعينةً من نصوص دستور مملكة البحرين 2002، لنبين ما مدى خضوع النص لنظام دولة المؤسسات والقانون، فإذا استثنينا مفردتي «والتعليمات» من المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 14 لسنة 2002، بشأن مباشرة الحقوق السياسية، الصادر في 3 يوليو/ تموز 2002، ونصها «تسري في شأن منتسبي قوة دفاع البحرين وقوات الأمن العام والحرس الوطني فيما يتعلق بمباشرة حق الانتخاب، ما تنص عليه القوانين والأنظمة والتعليمات الخاصة بخدمتهم في هذا الشأن»، لنقرأ النص بدونهما كما يلي، «تسري في شأن منتسبي قوة دفاع البحرين وقوات الأمن العام والحرس الوطني، فيما يتعلق بمباشرة حق الإنتخاب، ما تنص عليه القوانين والأنظمة الخاصة بخدمتهم في هذا الشأن»، لوجدنا أن النص بدونهما، إنما هو نص لمادة دستورية، وليس لمادة في قانون، إذ أن القانون لا يحيل تطبيق مواده إلى قانون آخر، بمثل ما يفعل النص الدستوري ليجعل التفصيل أو التقييد مناطاً بقانون، فواضح أن دستور 2002، لم يمنع على منتسبي تلك الأجهزة حق الانتخاب، كما فعل دستور 1973 بالنص الصريح، فالفقرة هـ من المادة 1 من دستور 2002 تنصّ على «للمواطنين، رجالاً ونساء، حق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق الانتخاب والترشيح، وذلك وفقاً لهذا الدستور وللشروط والأوضاع التي يبينها القانون. ولا يجوز أن يحرم أحد المواطنين من حق الإنتخاب أو الترشيح إلا وفقاً للقانون»، ولم يرد فيه نص يمنع على منتسبي هذه الأجهزة أياً من هذه الحقوق.
إلا أن المرسوم بقانون رقم 32 لسنة 2002 بإصدار قانون قوة دفاع البحرين، الصادر في 24 سبتمبر/ أيلول 2002، في المادة رقم 46، نصّت على «يحظر على منتسبي قوة الدفاع الترشيح لعضوية المجالس البلدية ومجلس النواب. أما بالنسبة لمباشرة حق الانتخاب لعضوية هذه المجالس فيخضع للأنظمة أو التعليمات التي يصدرها القائد العام في هذا الشأن». والمادة 47، نصت على «يحظر على منتسبي قوة الدفاع المشاركة بأي صورة كانت في أعمال الدعاية الإنتخابية». والمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2000، بإصدار قانون الحرس الوطني، الصادر في 22 يوليو 2000، في المادة رقم 50، نصت على «يحظر على الضباط والأفراد: أ) التعامل في الأمور السياسية والنقابية التالية:
1 - تأسيس منظمة سياسية أو الانضمام إليها.
2 - ممارسة الأعمال السياسية أو النقابية.
3 - الاشتراك في مظاهرات أو اضطرابات أو اجتماعات سياسية أو نقابية.
4 - القيام بدعايات انتخابية أو توزيع مطبوعات سياسية أو نقابية.
وكذلك المرسوم بقانون رقم 3 لسنة 1982 بشأن نظام قوات الأمن العام الصادر في 30 يناير 1982، فنصت المادة رقم 75 على «يحظر على عضو قوات الأمن العام أن يمارس أي عمل من الأعمال السياسية أو يحضر اجتماعات سياسية أو حزبية أو يباشر أية دعاية انتخابية...».
كان من الأجدر أن يتضمن دستور 2002، مادة دستورية بالنص على منع حق الانتخاب على منتسبي قوة دفاع البحرين وقوات الأمن العام والحرس الوطني، كما هو نص دستور 1973، خصوصاً أن الميثاق لم يفوّض أية جهة تعديله، إلا فيما يخص تسمية دولة البحرين بمملكة البحرين، وتعديل تركيبة المجلس الوطني ليتكون من غرفتين، وتعيين المواطنين رجالاً ونساء للحقوق السياسية، أما وأن دستور 2002 تم فرضه، فلم يكن هناك تدقيقٌ له من قبل المكوّن الشعبي، فجاءت القوانين مخالفةً للدستور وخصوصاً قوانين المنتسبين لهذه الأجهزة، فكيف أن يستقيم في دولة المؤسسات والقانون، قانونٌ يحيل ممارسة حق الانتخاب لهؤلاء المنتسبين إلى تعليمات قياداتهم، بالمنع أو المنح والتوجيه، مع أن القانون الخاص بكل جهاز منها، يمنع على أفرادها تلقي أية معلومة من المترشحين أو حملاتهم الانتخابية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فالفرد لا يملك أية معلومة ولا حتى أسماء المترشحين، ولا في أية دائرة ترشيحهم، ولا شيئاً من برامجهم ووعودهم الانتخابية، لأنهم إن عرفوا شيئاً من ذلك فقد خالفوا القوانين الخاصة بجهات انتسابهم، فأين مشاركتهم في الانتخاب من نص المادة 56 من الدستور ونصها «يتألف مجلس النواب من أربعين عضواً يُنتخبون بطريق الإنتخاب العام السري المباشر...». والسري يعني عدم علم أي غيره بمن إنتخبه، لا قائداً ولا مَقـُوداً، والمباشر يعني القرار الشخصي الممارَس عبر الذات الواعية، دون توكيل أو إيعاز أو خضوع.
فحال الممارسة العملية للقانون، في حال صدرت تعليمات بالسماح لمنتسبي الأجهزة، بممارسة حق الانتخاب، تقول بنص مشوه كما يلي: «تسري في شأن منتسبي قوة دفاع البحرين وقوات الأمن العام والحرس الوطني فيما يتعلق بمباشرة حق الانتخاب، تنفيذ تعليمات القيادة لكل منها»، فهل يدعم ذلك دولة المؤسسات والقانون؟
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 4239 - الثلثاء 15 أبريل 2014م الموافق 15 جمادى الآخرة 1435هـ
يا استاذ تعلم من ؟؟
اذا من هو محسوب على المثقفين من الكتبة هم اول الناس انتهاكا للقوانين والأخلاق الأنسانية فكيف بالعامة ، قبل كل شيء يجب وضع الشخص المناسب في المكان المناسب علميا واخلاقيا وانسانيا بعض مراكز القرار والمسئولين لو بسيط متغطرس الى ابعد الحدود مع انه ( تلح ) ولكن المنصب اعطاه تلك المنزلة ، علاوة على التمييز في المعاملة والولاءات الشخصية وليس المواطنية هي المعيار بل ولائي لهذا الشخص او لذاك واحاسب على هذا الأساس فكيف سيطبق القانون على الكل بالتساوي والمسئوليريده لمن هو في اتجاهه .
شكرا لمقالك الوطني الشريف
أستاذنا الفاضل .. نحن نتعامل مع نوعية بشر غريبة مثلا مسئول يخرج لنا ويصرح ويقول لا يهم أن كان المواطن عنده شهادات دكتوره أو غيرها خبير أو لا ...حسب قوله المعيار عندنا الولاء وحتى لو كان مايستحق... بالله عليك أي عقلية هذه التي نتعامل معها عقلية لو عاشت في الغابة طردوه من عقليته .. أستاذنا الفاضل نحتاج الى الرجل الوطني والمرأة الوطنية أمثالكم .. دمتم لنا دخرا وعزا ...
فرق بين الالاء للوطن والولاء للنظام او القبيلة
ويا ريت الولاء المقصود للوطن ...... هم يريدون ولاء للنظام او القبيلة فإذا كنت كذلك فيعتبرونك مواطن صالح
قرآن كريم واحاديث شريفة ودساتير = وما تغني الآيات والنذر
لقد قال الله تعالى (وما تغني الآيات والنذر ) فالدساتير لا تعني ما يكتب وما يخط فكم من نسخ من القرآن خطت بماء الذهب ولكن ما نفعها والناس في واد آخر
ما اجمل النصوص واقبح التطبيق
النصوص في الدستور جميلة وفي القوانين المشرّعة جميلة ايضا ولكن اذا جئت للتطبيق فابشر ، لن تلقى سوى العكس تماما
الدستور يحتاج دستوريين يا شريف النسب والقلم
(خَتَمَ اللَّهُ عَلَىظ° قُلُوبِهِمْ وَعَلَىظ° سَمْعِهِمْ غ– وَعَلَىظ° أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ). يعني ما في فايدة تواجههم بالحقائق لأن مهما فعلت لن يروا إلا ما يعجبهم ويصب في مصالحهم الشخصية، وبعد كل هذا نسمع مصطلح"دولة المؤسسات والقانون" في كل جملة ينطقون.
ردا على تساؤلك في اخر الموضوع والجواب لا
يتم تحوير القانون بالمزاج والرغبة الشخصية فالعساكر لم يسمح لهم بالترشيح والترشح في المجلس الوطني السابق ولماذا سمح هذه المرة وأقول تبقى النزعة التسلطية هي السائدة
ابداع
قرأت المقال .. وتسألت مع التمني ان لو كان عندنا هكذا اساتذه ينورون بعض العقول الجامدة بهكذا موضوعات لاصبحنا بالف خير , فمن القلب اشكر الاستاذ يعقوب واتمنى ان يستفيذ كتاب الصحافة الصفراء الذين همهم الوحيد التطبيل للحصول على العطايا والهدايا .
بارك الله فيك وفي قلمك الشريف
سبحان الله الخالق المدبر، إذا أراد أن يطمس على أفئدة قوم لا ينفعهم مستشارين الأرض ولا خبرائها مجتمعين.
اقتباس ثان من المقال
أما وأن دستور 2002 تم فرضه، فلم يكن هناك تدقيقٌ له من قبل المكوّن الشعبي، فجاءت القوانين مخالفةً للدستور وخصوصاً قوانين المنتسبين لهذه الأجهزة، فكيف أن يستقيم في دولة المؤسسات والقانون، قانونٌ يحيل ممارسة حق الانتخاب لهؤلاء المنتسبين إلى تعليمات قياداتهم،
اقتباس من المقال
في شق دولة المؤسسات فيما يخص النص القانوني، فيتوجب أن يمتاز النص القانوني، بما يجعل آلية تنفيذه بنظام عام، متوازعةً وخاضعةً للرقابة مؤسسياً وغير خاضعة لسلطة الأفراد، ومساحة تطبيقه، مظلة تمتد إلى (كافة أفراد المجتمع دون أدنى تمييز، وعادةً ما تكون تجاوزات الموظفين العموميين المعنيين بتنفيذ النص، مدعاةً لتشديد العقوبة، نتيجة لاقتران التجاوز بخيانة الأمانة.)