في خليط التخبّط. في اجتراح ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولم يخطر على بال بشر، يحدث على الأرض بعض الذي هو في مساحة من الغموض وصعوبة القبض على جزء من تفاصيله!
درس التشييع المألوف والمعتاد والمتكرّر، لم يترك للمخيلة أفقاً إضافياً خارج تلك الممارسة، وبعيداً من قدرتها على الوفاء باستمرارها. نحن إزاء تنازل وتواطؤ. تنازل عمّا يدل على بشرية توهّمنا أنها كذلك، وتواطؤ مع تغذية تلك الممارسة وضخ مزيدٍ من وقود لا يتركها رهْن غفلة عن ممارسة ذلك العار من الدور، أو دور العار!
تخضرّ حدود الشواهد. شواهد القبور. تتحول إلى روضات في هذا الجحيم الذي يبدو أبدياً؛ ولن يكون. الحياة بيد عارية لن تترك الموت ووكلاءه يرسمون مستقبل الحياة. تخضرّ تلك الحدود في يباس لا يذكّر بشيء؛ ربما بما بعد الموت.
أوطان تغفل كل أجهزة اليقظة فيها عن تذكّر الذين أرسلتهم إلى الحتْف في وقت مبكر. تنسى العبث والعار والعدوان وعقيم الممارسة. تنسى ليس لأن ذاكرتها معطوبة؛ بل لأنها تحيا بعيداً من الذاكرة، ومن مصلحتها أن تكون كذلك كي لا يستيقظ ضمير فيستهدف الوحش في بعض بشرها. بعض ما نظنهم بشراً لن يحيوا بعيداً من ذلك الوحش. هو الرافد لكل ما يبعث على الوجع والإهانة، وتدشين أكثر من برزخ يقصيك عن الأسلاف والذين هم رهْن إقامة عابرة في هذا الاستهداف لمجالهم الحيوي؛ أمناً لا أثر يدل عليه؛ وحقوقاً باتت أنفال الوقت؛ لتبدأ مراسم توزيع الحصص الحرام!
في هذه الأوطان لا يُكتَفى بالفرْم والسحْل وكل ما يمكن أن تتفتّق عنه ذهنيات استلال الأرواح في مختبرات الرعب والجحيم؛ بل لابد من تحديث للممارسة في صور تتولاها جهات تابعة تحت يافطة قانون في مجراه الطبيعي؛ كما يتوهّم الذين يسوّقون الأمر أنهم نجحوا في العبث بالصورة؛ صورة ما يحدث.
ثمة استدعاء يكمل الممارسة بعد الإرسال إلى الحتْف: الاستدعاء. استدعاء سيجد له كثيرون مخارج عديدة ماداموا متحكّمين في مداخل المصائر والذين هم عيّنة توجيه لها. استدعاء الشهداء في محاولة لوقف تنفيذ: عند ربهم يرزقون؛ أو هكذا يتوهّمون بجرأتهم تلك!
لن يخذلك المثال حين يتكرر، ويبدو جزءاً مما يسمّونه ضبط إيقاع الحياة! تتلفّت لتتعرّف على الحياة أساساً فلا تجدها؛ لتجد ما يعكّر صفوها ويأخذ بها إلى تكرار الأخطاء والفظاعات!
ولن تخذلك التجربة أيضاً، في أوطان هي المكان النموذجي لاستيعاب ما لا تستطيع استيعابه المختبرات التي نعرف!
ولن تخذلك الممارسة. كل شيء برسْم القبض عليه، حياً كان أم ميِّتاً؛ مادام لا ينسجم ويتماهى مع كل هذا الخراب الذي تعجّ به أوطان لا تعِدُك بغير الإقامة الجبرية وإن تحركت، والعزل الانفرادي وإن أحاطك الصخب والضجيج، والقدرة على التعوّد في تعطيل حواسك التي قد تكون مصدراً من مصادر التهديد للتعايش الذي يريدون، والشكل الذي يجب أن تكون عليه، مُفْرغاً من الروح والمضمون والمعنى!
بين رحى الضدِّ نحن. ننشغل بإحصاء الخسارات؛ إذ لا ربْح حين نُقصى من أمكنتنا الأولى؛ إقصاء لا يستدل منه إلا على الغياب. الغياب الذي يهين أرواحنا، ويدخلها في حنين قاتل لن يؤدي بنا إلى تفقّدنا في صفحات النعي اليومي، والذين ذهبوا إلى موتهم متباهين ومنتقمين من حياة لا شيء يدل عليها!
كأنه لا يُراد للشهداء أن يذهبوا إلى حياتهم التي اختاروا، هناك عند ربّهم يرزقون. كأنّ لذلك منافذ جمارك واستجواب وتأكيد تحرٍّ واستقصاء.
ليس الأحياء وحدهم الذين يُبتلوْن بتلك الممارسة والإجراء. القتلى هم في الصميم من ذلك في كثير من الحالات التي وعينا على تفاصيلها، ونحن نذهب في التندّر عن وعي أو دون وعي، فيما يعطى آخرون تبريراً بأن الغفلة لم تمت بين البشر. قد يكون خطأ إجرائياً؛ لكن ذلك الخطأ يعيد القتيل إلى أهله مع كل استدعاء عن طريق الخطأ، وهي إعادة لاشك ستكون مليئة بتفاصيل ما قبل القتل وأثناءه وما بعده.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4237 - الأحد 13 أبريل 2014م الموافق 13 جمادى الآخرة 1435هـ
لا عجب .. البحرين
فنحن في مملكة الظُلامات ..
عوائل الشهداء بعد قتل أبنائهم .. يسلّمون إحضاريات للإستدعاء ..؟! نعم إستدعاء للشهداء ..
مقال الأستاذ جعفر الجمري وضح الظُلامة و ( محاولتهم ) ...
شــكراً لكم
وكيف لبشر تجرد من إنسانيته طمعا في مال أومركز
يختارونهم بعناية ويدربونهم على السادية وانحطاط الانسانية لديهم يغرونهم بالمال والمراكز وشيطنة من يرغبون افتراس أجسامهم مرة بالمذهب وأخرى بالخيانة وأخرى بالنجاسة وهم كالآلات يعملون قلوبهم قاسية وحقدهم يصل لعنات السماء تسقط الفريسة بين ايديهم مقيدة يتفننون تعذيبا وسحلا فان فقد او قتل من بين ايديهم جهزت التبريرات والحماية لهم كي لايحاسبوه انهم أمة الضلال التي ان لم تحاسب دنيا فإنها في الآخرة ونحن مؤمنون ليس كذلك تبقى الحرية حلما يسعى اليها الشرفاء