العدد 4236 - السبت 12 أبريل 2014م الموافق 12 جمادى الآخرة 1435هـ

12عامـاً نقـلـت فـيـهــا “الصـحة” سنوات لـلأمام .. وهذه إنـجازاتـي

فخرو يتحدث لـ”الوسط الطبي” .. ويتذكر (1/2):

غني عن القول أن البحرين تمتلك تاريخاً عريقاً على مستوى المنطقة، وتمتلك في سجلها ريادة على مختلف المجالات والأصعدة، إلا أن الحقيقة التي لامفر منها أن السواد الأعظم من تفاصيل هذا التاريخ وهذه الريادة لا تزال حبيسة الصدور.

طبياً، يحق للبحرين أن تفخر برصيدها الثري والممتد لسنوات وسنوات، ويحق لها أن تطالب أبناءها بأن “يسارعوا” لإستخراج مافي الصدور، والعمل على توثيق تاريخها وحفظه من الضياع.

“الوسط الطبي” تدشن مشروعها التوثيقي، والذي يستهدف تدوين سير أبرز الشخصيات التي تعاقبت على قطاع الطب، وكتابة أبرز المراحل التي مر بها بما في ذلك مرحلة العلاج الشعبي، وصولاً لمرحلة علاج الغواصين، وليس إنتهاءاً بمرحلة ولادة وزارة الصحة مباشرة بعد رحيل الإحتلال الإنجليزي عن البلاد في العام 1970م.

ولن تكون بدايتنا موفقة من دون التعرف على سيرة الدكتور علي فخرو بوصفه أحد أبرز رجالات الطب الحديث في البحرين، فهو أول طبيب بحريني وأول وزير يحمل حقيبة وزارة الصحة، وله يعود الفضل في العديد من الإنجازات التي شهدتها فترة قيادته للوزارة ..

اللقاء التالي يدون التفاصيل ويرصد الإنجازات فإليكم الجزء الأول منه ..

عرفنا على واقع الطب في البحرين ما قبل ولادة وزارة الصحة؟

أفضل أن أتحدث عن ذلك بصورة عامة، على إعتبار أن التفاصيل قد أرخ لها مجموعة من الكتاب ..

كان الطب قبل وزارة الصحة (إبان حكم الإنجليز) طباً متواضعاً لأبعد الحدود، فكانت المراكز الصحية التي هي في واقع الأمر عيادات أكثر من كونها مراكز صحية، وكان انتشارها الجغرافي محدود ومركز في مناطق المنامة والمحرق و3 قرى فقط، أما الأطراف فكانت مهمشة جداً.

في تلك الفترة كان البعض يتحدث عن الدكتور ستورم وعن الدكتورة ميري في مستشفى الإرسالية الأمريكي الذي كان يلعب دوراً لا يمكن تجاهله، ثم (بندر كار) الطبيب الهندي الذي كان في المحرق وكانت له كتابة مختصرة عن العلاج أيام الغوص.

وسط تلك الأجواء، لم يكن الشعب البحريني – بشكل عام - راضٍ عن الواقع الطبي في البلد، حتى أن بعض الجراحين في ذلك الوقت - وكانوا من غير البحرينيين – يلقبون بالقصابين (في إشارة لسوء الواقع الطبي آنذاك).

في تلك الفترة كان الأجانب يشكلون السواد الأعظم من الكوادر الطبية العاملة في البحرين في القطاعين العام والخاص، ويمكن القول أن نسبتهم كانت تتراوح مابين 90 إلى 95% من إجمالي أعداد العاملين في الحقل الطبي، وعليه فقد كان المشهد واضحاً تمام الوضوح .. أنت أمام حقل حيوي يديره الأجانب!

وقد شكل هذا الأمر أكبر الدوافع لإتجاهي لدراسة الطب في الجامعة الأميركية في بيروت، فقد كنت أشعر بفداحة الوضع الطبي ومأساويته في البحرين في الوقت الذي كان فيه شعب البحرين لا علاقة له ولا دخل في إدارة هذا الوضع.

وقتها كانت قناعتي بأن الطب يشكل أولوية لنا كشعب، وكانت هذه القناعة عامة لدى عدد من الطلبة البحرينيين، الأمر الذي دفع بعدد منهم للسفر لدراسة الطب، يحركهم في ذلك الإحساس الجماعي بحاجة البلد لذلك .. فآنذاك كانت خدمة المجتمع قضية كبرى على العكس مما هي عليه حالياً.

وهل كان لظروف رحيل الوالدة (رحمها الله) دور في تشكيل دوافع اتجاهك لدراسة الطب؟

أبداً، فلم يكن للرحيل المأساوي للوالدة دور في ذلك، على الرغم من أنها توفيت بعد 3 أيام من السفر عبر “اللنج” وكانت حامل .. توفيت وقد كان ممكناً إنقاذها لو توفرت الإمكانيات الطبية الحديثة.

فلنتحدث إذاً عن ريادتك كأول طبيب بحريني ..

تخرجت في العام 1958م من كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت لأتجه بعدها لأميركا للتخصص .. كنت أول طبيب في تاريخ البحرين وبعدها بسنة واحد تخرج المرحوم الدكتور ابراهيم يعقوب ثم الدكتور راشد فليفل والدكتور آدم عيد والدكتور راشد الراشد ..

ومن المؤكد أنني أستثني بحديثي هذا الطب بصيغته الشعبية والذي كان موجوداً ويمارسه بعض البحرينيين قبل ذلك، إنما أنا – وبكل تواضع - أول من درس الطب الحديث .. وأنا أول إخصائي أمراض باطنية في تاريخ البحرين، وأول اخصائي أمراض قلب في تاريخ البحرين، وأول وزير صحة في تاريخ البحرين..

حينما تذكر أنك أ ول وأول وأول – وهي بالمناسبة ريادة على أكثر من صعيد - فإن علامات الإفتخار تبدو ظاهرة على محياك ..

أبداً، فالواقع أن اجتماع كل ذلك كان من قبيل “الصدفةً” وليس لخصوصية في شخصي، فبالصدفة تخرجت من الجامعة الأميركية في بيروت وبالصدفة ذهبت لأميركا..

هل يمكننا التعرف على أبرز البصمات التي تركتها في وزارة الصحة بعد 12 عاماً ؟

كعنوان عام، فإنني أقول أننا بعد 12 عاماً، تمكنا من نقل وزارة الصحة من مرحلة متأخرة فنياً وعلمياً لسنوات متقدمة للأمام، ومن دون مبالغة فإن المراقب لأحوال الوزارة سيلحظ أنها انتقلت من أواخر القرن التاسع عشر لمنتصف القرن العشرين وفي فترة قصيرة جداً.

البداية كانت برحيل الإنجليز عن البحرين في العام 1970م، لتنشأ مباشرة بعدها وزارة الصحة، وأستطيع القول أن هذه المؤسسة التي كانت أجنبية بنسبة تقترب من 100 %، حتى استطعنا بعد 12 عاماً بحرنة جزء كبير منها، وهذه قضية مهمة جداً، إذ كان من النادر أن نرى بحرينياً فيها، لكن بعد مغادرتي لها في العام 1982م كان هنالك الممرضون والممرضات البحرينيون والبحرينيات وكان هنالك فنيو الأشعة والصيدلة وفنيو المختبرات من البحرينيين، وتم بحرنة الإدارة بصورة كاملة، ليس هذا فحسب، فقد كان هنالك العديد من الأطباء العموميين والإخصائيين من البحرينيين.

وقبل مجيئي للوزارة، كانت هنالك مدرسة تمريض صغيرة جداً، تعمل في الغالب على تخريج ممرضات عمليات فقط، حولناها بدورنا بعد ذلك لكلية العلوم الصحية التي كانت أول كلية من نوعها على مستوى الوطن العربي، وكانت تغذي القطاع الطبي والصحي بالكوادر البحرينية بصورة مستمرة عبر تدريسها لتخصصات التمريض وفنيي الأشعة وفنيي المختبر والصيدلة.

بموازاة ذلك، أولينا البعثات الأهمية البالغة، فكنا نرسل عدداً من الأخوة الأطباء للخارج للتخصص في دول من بينها أميركا، ايرلندا وانجلترا، من أجل أن يعودوا لخدمة بلدهم، وهنا قضية أخرى يتوجب علينا التوقف عندها، وهي تخبرنا أننا في حال أردنا إحلال البحريني محل الأجنبي فإننا نستطيع في حال توفرت الإرادة ووجد التخطيط.

المسألة التي بودي لفت الإنتباه لها أنني بعد أن تركت وزارة الصحة كان في إعتقادي أن مسيرة النظام الذي تم تأسيسه وبحرنته خلال 12 عاماً سيستمر، لكن مع مرور الوقت تباطأت المسيرة إلى حد ما وهو ما يستوجب المراجعة.

هل يمكن الحديث عن مصاديق عملية أخرى للتطوير الذي أحدثتموه في الوزارة؟

بإختصار، لقد ركزنا كثيراً على الجودة على اعتبار أن مستوى الخدمات سابقاً كان متدنياً ومتخلفا، فقد أوجدنا نظام لمحاسبة الأخطاء الطبية ووفرنا التدريب المستمر، فلحظة مجيئي لوزارة الصحة لم يكن لديها ما يعرف بـ”الدورات الصباحية” للأطباء، إذ كان مطلوب منهم أن يلتقوا مع بعضهم البعض ليتناقشوا في أهم الموضوعات الطبية، وقبل ذلك كان كل منهم يعمل لوحده وبشكل منفصل تماماً عن الآخرين.

إلى جانب ذلك، أدخلنا “نادي المجلات الطبية” الذي هو عبارة عن ملتقى أسبوعي يجتمع فيه أصحاب كل تخصص لتدارس مستجدات الطب، وكان هذا النادي النواة الأولى لإنشاء المكتبة الطبية، فمع عودتي للبحرين فور نهاية دراستي للطب في أميركا، توجهت بالسؤال عن المكتبة الطبية – التي تعتبر أحد أساسيات الخدمات الطبية في أميركا – وتفاجأت حين قيل لي: هذه هي المكتبة!

ذهبت قاصداً المكتبة وأذهلني وجود (15) كتاب فقط فيها، أحدثها يتجاوز عمره (15) عاماً، وهذا يعني أن القراءة لم تكن ديدن العاملين في الحقل الطبي، بالرغم من علمنا بأن الطب من العلوم الحافلة بالمستجدات بصورة مستمرة، ومن دون القراءة اليومية لا يمكن الإحاطة بها ومواكبتها.

أسسنا المكتبة وإشتركنا في العديد من المجلات الطبية لحث الكوادر الطبية والصحية العاملة في الوزارة على القراءة، وقد ساعدتنا الإجتماعات الأسبوعية سالفة الذكر على تحقيق ذلك.

الأمر الآخر، أن البحريني حين بدأ في الدخول للحقل الطبي، كان يسعى – وهو الشاب – لإثبات ذاته وأن يتحمل مسئولية العمل ويمسك بزمام الأمور في ظل عدم وجود البحرينيين في هذا التخصص أو ذاك، من هنا كنا نشجعهم على دخول تلك التخصصات التي يشغلها الأجنبي.

وكانت لدينا خطة إحلال واسعة لجعل الخدمات الصحية وطنية، ووصل الحال بي أن أجلس مع بعضهم لدراسة تخصصات لا يرغبون فيها ولكنها ضرورية للبحرين..كنا ندفع بهم دفعا لدخول التخصصات من خلال برنامج وبهذه الطريقة قطعنا مشوار بحرنة القطاع الصحي في البحرين.

كنت أطلب من الطبيب البحريني الفلاني أن يتخصص في تخصص بعينه وكنت أقنعه بذلك في حال ممانعته، حصل هذا مع البعض الذين اتجهوا للتخصص في الأشعة والطب النفسي ...

هل كانت التجربة الإدارية مع الصحة الأولى بالنسبة لك؟

نعم، فقد كنت طبيباً قبل ذلك..

ما الذي أسعفك على الإمساك بزمام الأمور في إدارة وزارة بحجم وزارة الصحة؟

بداية أعتقد أن الإدارة هي موهبة وملكة قبل أي شئ خر، وهي إما أن تكون متواجدة فيك كشخص وإلا فلا .. وقد تصادفك شخصية لعالم كبير مثلاً إلا أنه يعجز عن الإدارة أو يفشل فيها.

هل استعنت بأشخاص أو مؤسسات لوضع خطة العمل؟

أكثر الجهات التي استعنت بها هي منظمة الصحة العالمية والجامعة الأميركية في بيروت، وإلى جانب ذلك فإن أكثر الأعمال التي كنت أقوم بها أنني أقرأ، فأنت حينما تقرأ فإن الأمور كلها تتضح لك وتصبح قادراً على الإنتقال للفعل.

كذلك كنا نشارك في أعداد كبيرة من المؤتمرات .. لم نكن نذهب للتسلية بل كنا نحرص على التعلم والإستفادة من هذه المشاركات.

وما هو شكل الإستعانة أو الإستفادة من منظمة الصحة العالمية؟

بصورة سنوية كانت المنظمة تبحث في مستجدات الجانب الصحي، وكنت أحرص على نقل جميع التوجهات الجديدة للبحرين، وأستطيع القول أن البحرين كانت في ذلك الوقت وعلى مستوى المنطقة قائدة وليست مقادة أو مقلدة، ويمكن لي أن أستشهد بمثال على ذلك.

فالبحرين تعتبر من أوائل الدول التي أدخلت مفهوم المركز الصحي الشامل، والذي كان قبل ذلك عبارة عن عيادة علاجية، ومن المهم التنويه هنا إلى أن المركز الصحي يختلف كثيراً عن العيادة، فالمركز يهتم بجوانب الوقاية والعلاج ويهتم بالعائلة ككل، له تركيبته التي تشتمل على الأطباء ومساعديهم .. وأريد في هذا السياق الإشارة إلى أن البحرين تعتبر أول دولة عربية تطبق برنامج طبيب العائلة وتدرب إخصائي طب العائلة، وهو أمر لم نخترعه بل اقتبسناه من منظمة الصحة العالمية التي كانت قد بدأت في تنفيذ الدعوة لهذا المفهوم، ويحسب للبحرين أنها كانت سباقة في هذا المجال.

برأيك، ماهو سر ريادة البحرين عربياً في هذا المجال؟

أنا أعتقد شعبها .. كلمة السر هي شعبها .. فهذا الشعب يمتاز بالطموح الشديد والإستجابة السريعة .. وبجانب ذلك يمكن الحديث عن عوامل أخرى من قبيل وضع البحرين الإقتصادي المتواضع الذي فرض على البحرينيين الجد والإجتهاد..

وهل من باب الأمانة أن نشير إلى الدور الحكومي في هذا الشأن؟ وأنت أشرت في لقاء صحفي سابق إلى أن الحكومة منحتك المجال لتنفيذ رؤاك وأفكارك..

أشهد بالله أن حكومة البحرين والقيادة العليا – وفي كلتا الوزارتين – لم تتدخل قط في عملي وأعطتني كل ما كنت أريده وأطلبه، وهذا الكلام أقوله كشهادة موضوعية إلى اليوم وغداً وحتى بعد غد..

وحين أقول هذا الكلام، فإني أسعى للتأكيد على أن لا عذر لوزير أن يدعي أن يده مغلولة عن تحقيق الكثير من المنجزات (وطبعاً حديثي هذا يختص بفترة وجودي في الحكومة سواءاً في وزارة الصحة أو وزارة التربية والتعليم).

طيلة تلك السنوات لم تكن أيادينا مغلولة، بل على العكس من ذلك، فقد كان سمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان - بصفته رئيساً للوزراء - يوفران لي كل ما أطلبه، ولم يأتني أي منهما خلال تلك الفترة الطويلة ليسألني لماذا فعلت هذا ولماذا تركت ذاك..

هل كانت توفر لكم الحكومة كل الإمكانيات؟

كل الإمكانيات التي أطلبها بتعقل ومعرفة بحدود الإمكانيات، وبالطبع ضمن حدود ميزانية الحكومة، وعطفاً على ذلك فإني أرى أهمية الإشارة إلى أن حكومة البحرين في ذلك الوقت كانت تدير العملية الإدارية بطريقة جيدة، فكانت تختار الوزراء أو المسئولين بمهنية وحرص على الكفاءة .. كانت تختار الأشخاص لشخصياتهم ولعملهم..

بإعتقادي – كان سمو رئيس الوزراء يعرف كيف يختار، وكان يفتش عن من يريد وكان تركيزه على اختيار من يعمل مع الوزراء كوكلاء أو مدراء وأظهر إمكانيات عالية .. حبيب قاسم .. ابراهيم عبدالكريم .. ماجد الجشي .. هكذا كان ينتقي وزراء الحكومة.

بالحديث عن المراكز الصحية، نود التعرف على عدد المراكز التي بنيت في عهدك؟

لا أذكر العدد بالتحديد، لكنني أود أن أقول أنني حين تركت وزارة الصحة كانت المسافة بين أي مواطن وأقرب مركز صحي له لا تزيد عن 3 كم ليس أكثر..

وهنا من المهم الإشارة إلى أن قسماً كبيراً من المراكز الصحية بني كمساعدات أخوية من دولة الكويت الشقيقة.

وهل كان هذا هو الطموح؟

كان هذا هو الذي تحقق لا الطموح، ونحن نتحدث هنا عن عقد السبعينات، وهو إنجاز قد لا يتصور البعض قيمته الحقيقية الآن.

فالمراكز الصحية هي في الواقع فكرة حديثة في تلك الفترة، ولم نكتفي بإنشائها وتوفيرها لكل مواطن، بل عملنا على تهيئة الإخصائيين من أطباء العائلة، وطبيب العائلة هو طبيب عام تتبعه 3 سنوات دراسية أخرى للتخصص.

بدأنا تنفيذ برنامج طبيب العائلة بالإتفاق مع الجامعة الأميركية، وفي إعتقادي فإن عملية التنفيذ كانت جيدة.

وعند الحديث عن أهم البصمات التي تركتها خلال الـ (12) عاماً على وزارة الصحة، فمن الضروري الحديث عن مستشفى السلمانية الطبي، إذ كانت العملية العلاجية فيه تدار من قبل لجنة من كبار الأطباء، يراقبون ويحققون في كل حادثة موت .. وصولاً لمعرفة ما إذا كان هنالك خطأ طبي من عدمه، ويتأكدون من وجود المعايير الدولية في كل الدوائر.

وبصورة عامة فإن حال المستشفيات قبل مجيئي للوزارة كان متواضعاً، فمستشفى السلمانية كان مخصصاً للولادة فقط، أما مستشفى النعيم فكان يخدم البحرين كلها، عدا ذلك كانت هنالك مستشفيات ولادة صغيرة منتشرة في البحرين من بينها المحرق، الحد، سترة، وشهركان، لكن بعد أن أصبحت وزيراً للصحة ازدادت الأعداد وتحسنت المستويات.

إضافة لذلك، فقد كانت نسبة الملاريا في البحرين تبلغ 25 % وعندما غادرت الوزارة قضينا بشكل كامل عليها وأصبحت صفر% وذلك بفضل قيام فرق “الصحة العامة” بالذهاب لأماكن تجمع المياه من أجل تدمير أماكن توالد البعوض حتى قضينا عليه وانتهى الأمر، ولاننسى في هذا الصدد الإشارة إلى الجهود التي سبقتنا في هذا الشأن، والتي كان لها الدور المشهود في تحقيق النتائج والأهداف.

الأمر كذلك بالنسبة لمرض التيفوئيد، الذي كان منتشراً بكثرة في البحرين ولم أترك الوزارة إلا بعد محاصرة المرض وتقليص عدد الحالات حتى تراجعت لتتراوح مابين حالتين إلى أربع حالات فقط، وكذلك أمراض الكبد الفيروسي والسل والديزنتري.

هل كان لديكم قياس لنتائج العمل، بمعنى هل يمكنك أن تحدثنا عن إنجازاتكم بلغة الأرقام؟

سأسرد بعضها، فأنا حين تركت وزارة الصحة كانت نسبة الأطفال الذين يحصلون على تحسينات ضد أمراض الطفولة في البحرين أكثر من 80 % أي أعلى منها في الولايات المتحدة الأمريكية، ووفيات الحمل تراجعت لتصبح في المستوى العالمي، وقبل ذلك كانت الكثير من الأمهات يتوفين بسبب الحمل، وقد تمكنا من تقليص النسبة بنشر ثقافة وخطوات الوقاية أثناء الحمل وبفضل الدور الذي لعبه الإخصائيون البحرينيون آنذاك، وبفضل انتشار المراكز الصحية المهتمة بالموضوع.

وبالمناسبة، فإن الحديث عن الإخصائي البحريني في الولادة يدفعنا للحديث عن الدكتور خليل رجب (وهو أول إخصائي بحريني في الولادة) والصراع الذي دخلنا فيه مع عدد من رموز التيار الديني والذين إعترضوا على تعييني للدكتور خليل رجب ليحل محل طبيبة “هندية الجنسية”، إعتقاداً منهم بأن في ذلك مخالفة للدين.

كان محور الإعتراض على توظيف طبيب في هذا المجال الذي يتطلب من وجهة نظرهم طبيبة لخصوصيته، ودخلت معهم في حوار داخل المجلس الوطني وكان ردي: أنا أجريت مراجعة لكل الدول الإسلامية، وأتحداكم أن تعطوني إسم دولة إسلامية واحدة لا تسمح للأطباء الذكور بتوليد النساء الحوامل، بما في ذلك تركيا، إيران، وكل الدول العربية دون إستثناء ...

وذكرت بأن هناك طبيبات توليد إناث لمن لا تريد أن يولدها طبيب ذكر، وبالتالي لن يضار أحد.

بالعودة للريادة البحرينية، نسأل هنا عن الشق العربي منها، فماهي أوجه أو دلائل ريادة البحرين في الشأن الصحي؟

كثيرة هي الدلائل، أحدها أن على البحرين أن تفخر اليوم بشهادة الاختصاصات الطبية العربية التي تشمل الآن أكثر 20 اختصاصاً، كونها من تقدمت بمقترح تلك الشهادة على مستوى الوطن العربي وتبناه مجلس وزراء الصحة العرب.

ليس هذا فحسب، فالبحرين صاحبة الإقتراح الخاص بشراء الأدوية بشكل جماعي من قبل دول مجلس التعاون، وفعلاً بدأنا في ذلك وكانت 25 % من الأدوية تشترى من قبل الدول الخليجية الست، لكن من دون متابعة لا تستمر المشروعات ولا تكبر.

وكما ذكرت سابقاً كانت لدينا ريادة في إدخال مفاهيم الرعاية الصحية الشاملة المتكاملة من خلال المراكز الصحية، وأخرى في حقل تخصص طبيب العائلة، وأيضاً في إنشاء كلية للعلوم الصحية بدلاً من مدرسة لكل تخصص: مدرسة تمريض، مدرسة فنيي صيدلة..الخ

هل كان الأمر خالٍ تماماً من أية صعوبات تعترض خطط التطوير؟ وهل كان لتدني مستويات التعليم بصورة عامة دور في عرقلة تلك الخطط؟

بصراحة أجيب .. لم تكن هنالك أية صعوبات بل على العكس من ذلك، فقد كان مقدار التعاون مرتفع جداً، وكان الحماس سمة العاملين معي في الوزارة، وهذا الأمر يدفعني للتأكيد على أن الفضل في كل ماتحقق – إن كان هنالك فضل – لا يمكن حصره في شخص بمفرده، فهذه قضية يجب أن تنتهي، والفضل يعود لحالة التناغم التي كانت موجودة بيننا جميعاً وعملنا كفريق واحد، وكوزير للصحة فإني كنت أدير الوزارة من خلال لجنة تضم في عضويتها كبار المسئولين في الوزارة بما في ذلك الوكيل، الوكلاء المساعدين، المدراء، وبعض الإختصاصيين... وكنا نجتمع بشكل أسبوعي.

إذاً لم تكن “الصحة” تدار بعقلية فردية

أبداً، بل من خلال تلك اللجنة التي لا تزال محاضرها موجودة عندي وهي شاهدة على ذلك، وبالمناسبة طبقت ذات المنهج حين انتقلت لوزارة التربية والتعليم، قناعة مني بأن شخص واحد ليس بوسعه أن يدير العمل لوحده، وكانت القرارات في كلا المجلسين تؤخذ بالتوافق وإن تعذر فبالتصويت.

هل كان من معك في هذا المجلس شركاء حقيقيين في صناعة القرار؟

بالتأكيد، فلم يكن حكمي “فرديا” ولم يكن يصدر القرار إلا بعد موافقتهم عليه، وكنت أعالج حالات إختلاف وجهات النظر بالحوار والإقناع، ومن حسن الحظ أن الكثير من الأفكار شقت طريقها لتصبح سياسات وقرارات، وأنا شاكر ومقدر لكل من ساهم في تحقيق ذلك.

ولكنك احتجت إلى عامل “الحزم” كما أشرت في حديثك عن الجزاءات التي طبقت ..

أنا من المؤمنين بأن الحزم يأتي من خلال الإقناع لا الحكم الديكتاتوري، ولم يكن لمسألة الجزاءات علاقة بالإختلاف في وجهات النظر مع بعض الأطباء آنذاك، فبعضهم كانوا على اختلاف معي في الموقف من سياسات وزارة الصحة، لكن يعلم الله أنني لم أوظف ذلك بشكل سلبي لحرمانهم من حقوقهم الوظيفية أو للضغط عليهم بأي شكل من الأشكال.

إذاً كانت هنالك “معارضة” لعلي فخرو داخل وزارة الصحة..

نعم، وحدث عندنا إضراب في العام 1971م أي بعد عام واحد فقط من مجيئي للوزارة.

ماهو سبب هذا الإضراب؟

تخونني الذاكرة في إسترجاع كل التفاصيل، إلا أن السبب كان متركزاً حول المطالبات بزيادة الأجور وتحسين أوضاع العمل، وما أود الإشارة إليه في هذا الصدد هو الأسلوب الذي تعاملت به مع الإضراب، والذي بدأ بالإجتماع مع القائمين على الإضراب ومحاولة إقناعهم بشفافية تامة، فكنت أؤكد لهم أنني قادر على تنفيذ هذا الجزء من المطالب والجزء الآخر لا قدرة للحكومة عليه، وكانت النتيجة مثالية، فالحوار أنهى المشكلة وتوقف الإضراب خلال يومين وكان المحاورين من المضربين مثالاً للمسئولية الوطنية.

هنا أود أن أقول لكل مسئول وفي مختلف المواقع، أنك إذا أردت أن تأخذ الناس بوجهة نظرك فلا مناص لك من الدخول في الحوار معهم، وحديثنا هذا محدد بالحوار “الحقيقي” الذي يسشتعر من خلاله الطرف الآخر مصداقيتك وجديتك في الوصول لحل يقتنع به الطرفان.

هل من الممكن الحديث عن النسبة التي تمكن علي فخرو من تحقيقها وإنجازها؟

أعتقد أنها 60 % ..

وما الذي لم يتحقق إذاً؟

أهداف وأفكار كثيرة، إذ أن العمل الذي يستهدف إحداث تغييرات فنية وإدارية لا تكفيه 12 سنة، لكن مهمتنا كانت أن “نمؤسس” بحيث نضمن عدم ضياع الإنجازات حين نغادر، وإلى حد كبير أستطيع القول أنني حين تركت كلتا الوزارتين كان هنالك من هم مقتنعين بالأفكار التي طرحتها وتبنيتها معهم، ولذلك بقيت المفاهيم الإنسانية إلى يومنا هذا.

ولو أسعفنا الوقت لكان مشروع تطوير المراكز الصحية في البحرين إنجاز آخر نضيفه لسلسلة ما تحقق، بحيث أن المراجع أو المريض لا يذهب لطبيب بل لمجموعة صحية يترأسها طبيب عائلة وتضم مجموعة من الأطباء العموميين وكوادر مساعدة من قبيل ممرضة ولادة وممرضة شئون إجتماعية، فإذا كان المريض يشتكي من مشكلة بسيطة فبإمكانه الذهاب للممرضة وهو مطمئن أنه في حال احتاج للطبيب فستحيله عليه، على اعتبار أنها جزء من هذه المجموعة.

كان أملي وجود فرق طبية علاجية ووقائية تهتم بمجموعة من المواطنين، وكان ذلك سيتناغم مع علاج العائلة بحيث لا ننظر للفرد كفرد بل كجزء من عائلة، والعائلة كجزء من مجتمع .. كان طموحنا كبيراً وتراكمياً ويتقدم بإستمرار، فلم أستقدم أي إخصائي من خارج البلدان العربية، وكنت ألجأ للجامعة الأميركية وللإخصائيين المعروفين في لبنان وفي مصر، وبالطبع منظمة الصحة العالمية.

برأيك، لماذا لم يتحقق هذا الهدف حتى اليوم؟ هل تعترضه صعوبات معينة؟

لا أعرف.. والأمل لا يزال معقوداً على قيادات المستقبل..

العدد 4236 - السبت 12 أبريل 2014م الموافق 12 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً