العدد 4235 - الجمعة 11 أبريل 2014م الموافق 11 جمادى الآخرة 1435هـ

أوبريت «عناقيد الضياء» الأوركسترا الألمانية بالصوت العربي

افتتح الشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية

عبر عمل «عناقيد الضياء»، أضخم عمل مسرحي يجسد سيرة الرسول الكريم (ص)، ويحمل رسالة التسامح والسلام، أخذتنا الشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية 2014 بأضوائها في رحلة ثقافية عميقة عبر مخيّلة مهيبة تَضافَرَ على إنتاجها مجموعةٌ من المبدعين، مستلهمة الشعر بمخيلته الممتدة، والإخراج السينمائي بأضوائه المبهرة، والصوت الجميل بألحانه العذبة، مازجة كل ذلك بموسيقى الأوركسترا الألمانية التي تضعك في زمن ملحمي بامتياز.

عرض هذا العمل المسرحي الضخم على مسرح جزير المجاز نصف الدائري والمفتوح على السماء على الطريقة الرومانية بمدرجاته التي اتسعت لخمسة عشر ألف مشاهد على مدى خمسة أيام ابتداء من مساء يوم الأحد (30 مارس/ آذار 2014) احتفاء بالشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية.

ابتنى العمل على تسع لوحات اشتملت على مقاطع تسجيلية سينمائية، وتمثيل حي ومسرح دمى، وإنشاد غنائي وأضواء مبهرة، انتظمت مع قصيدة «عناقيد الضياء» التي أصبحت عنواناً لهذا العمل الضخم نفسه والتي كتبها الشاعر السعودي عبدالرحمن العشماوي وهو من حمل قلمه طويلاً ليستضيء بمشاعل السيرة النبوية كلما أظلمت الدروب بسالكيها، فكان أن أعاد رصف هذه القصيدة بمقاطع شعرية تبدو جديدة وقد تقصر وتطول بأوزانها، وقواف تتنوع بإيقاعاتها، لتواكب ما تفترضه الملحمة من تنوعات لحنية وإيقاعات اجترحها واشتغل عليها الفنان البحريني خالد الشيخ، منطلقاً من وحي الملحمة نفسها. واجتاز بنا الشاعر العشماوي في تسع محطات من السيرة متجاوزاً عنصر الزمان والمكان، مبتدئاً من اللحظة التي نحن فيها الشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية 2014 متخذاً من فعل الأمر «أسعدينا» الذي صَدَحَ به المنشدون في كورالٍ أخاذٍ فعلاً محوريّاً تبتدئ به الملحمة وتختتم به لما يحمله هذا الفعل على مستوى المعنى من دلالة طلب الإسعاد للبشرية في محاولة لإنجاز الفعل الإنساني والحضاري بإعمار الأرض، وصنع العواصم الثقافية مستلهمين المدينة التي يبحث عنها الإنسان ويحلم بإنجازها.

حين تتصاعد الأضواء

ليس غريباً في عرض العناقيد أن تكون الأضواء سيدة الموقف في تلك الليلة وخصوصاً مع أول حزمة من الأضواء التي انطلقت من منصة العرض نصف الدائرية على الطريقة الرومانية إلى عنان السماء لتشكل حالة التواصل بين الأرض والسماء كما هي طبيعة الرسالات السماوية ولتجسد العنصر الملحمي في ضخامة الحدث القادم.

بهذه الأضواء استطاع المبدعون السيطرة على هذا الامتداد الوسع للمسرح والأفق المفتوح. وكان العمل شاملاً لكل هذه المساحة التي يمتد فيها بصر المتلقي سواء على مستوى النظر أو على مستوى التخيّل، فحيثما يذهب بصرك سترى الملحمة تتجسد أمامك في أبهة وإبهار مستمر حتى آخر لحظة من العرض.

لوحات سينمائية مكثفة

تجد نفسك عبر هذا السرد الشعري الذي تكثفه أمامك المشاهد السينمائية تجتاز من اللوحة الأولى الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية 2014 بأضواء تمتد إلى السماء مجسدة دلالة التوق إلى الصعود إلى الأعلى والبحث عن عالم المثال ومحاولة تجسيده على الأرض، ثم إلى اللوحة الثانية حيث «مكة مولد الهدى» التي تجسدت كعبتها على المسرح بضخامة في الحجم ورفعة عالية بما يجسد حالة التعظيم وهالة القداسة المتناهية. وتنعطف من اللوحة الثالثة «نزول الوحي» ثم الإسراء والمعراج، إلى اللوحة الرابعة رحلة الهجرة حيث ينقلك الإخراج المتقن من أعلى التلال إلى أسفل السهول حتى لتحس أنك في وسط الصحراء تجدّ المسير وتشرك في الهجرة. في اللوحة الخامسة تجد نفسك وسط المنشدين من الأنصار وهم يستقبلون الرسول الكريم عبر توظيف مسرح الدُمى في تجيسد الناقة التي تمر من بينهم لتحط في أفقر بيت حيث تنهلُّ عليه الخيرات والبركة. وفي اللوحة السادسة تتجسد معركة بدر مع وصية الرسول في آداب القتال «لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا شيخاً». ثم تجد نفسك وسط السيوف والخيول في أتون المعركة في إخراج سينمائي مهول تكاد تسمع فيه صليل السيوف وتهاوي الأبطال في ساحة القتال. وفي اللوحة السابعة تجتاز ليوم الفتح حيث يصعد بلال إلى أعلى الكعبة وتتصاعد معه الأنفاس حتى يصل سالماً فيرفع الأذان. ثم تنتقل إلى اللوحة الثامنة بألحان تراجيدية حزينة مع مشهد بألوان الغروب حيث وفاة الرسول الكريم. تختتم الملحمة باللوحة التاسعة وسط أنوار الشارقة وقد أنجزت شيئاً من رسالتها عاصمة للثقافة بتقديم هذه الملحمة أمثولة للسالكين وما جسدته تلك السيرة العطرة من قيم حضارية ماثلة للعيان قابلة للاستلهام برؤية من طبيعة هذا العصر برؤاه وتطلعاته ومنجزاته الحديثة.

الأوركسترا بالصوت العربي

تناوب على تقديم المحطات التسع أربعة من نجوم فن الصوت منطلقين بإنشاد أوبرالي فَارِهٍ، من لوحة إلى أخرى في انسيابية وتسلسل ممتعين، وذلك عبر التنقل في السلم الموسيقي من طبقة إلى طبقة، ومن مقام إلى آخر، إذ تظافر أداء الفنان لطفي بوشناق بما يتمتع به من امتداد صوتي وخبرة عميقة في الأعمال التراثية، مع هدأة الفنان علي الحجار وما يحمله من طبيعة صوتية حسية خاصة أخاذة، مع صوت الفنان حسين الجسمي وخصوصية محلية في مواويله المتطاولة وطبيعة تواصله مع الجمهور، ومع جدة يصنعها الفنان محمد عساف كصوت شبابي طالع، تظافر كل ذلك في سرد السيرة والانتقال بنا من محطة إلى أخرى ومن لوحة إلى لوحة.

في ملحمة «عناقد الضياء» امتزج الشعر العربي بأصواته بألحانه وطبيعة مقاماته مع موسيقى الأوركسترا الألمانية البارعة التي أنجزها 70 عازفاً بقيادة الفنان كريستيان شتينهاوزر، مع مشاهد تسجيلية سينمائية عالية الإتقان شارك فيها 200 ممثل، بالإضافة إلى التمثيل الحي مع مسرح الدُّمى، بأضواء سامقة مبهرة، لتنصب كل تلك الجهود من المبدعين بمختلف جنسياتهم في تجسيد رسالة تمتلئ بقيم التسامح والسلام وتقديم تحفة فنية تزدان بها الشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية.

العدد 4235 - الجمعة 11 أبريل 2014م الموافق 11 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً