العدد 4235 - الجمعة 11 أبريل 2014م الموافق 11 جمادى الآخرة 1435هـ

المصور الأميركي تود درايك: بعض الأمور يجب ألا تُنسى

لا تملي عليك أعمال الفن التركيبي أفكاراً جاهزة ولا تستنهض لديك مواقف محددة، لكنها تترك لخيالك فرصة لأن يتحرر من الأساليب التقليدية لقراءة أي عمل فني، لتنطلق لعوالم لا أفق لها ولتكتشف مساحات جديدة في التفكير والتعبير لا حدود لها. وفي حالة الفنان الأميركي تود درايك الذي زار البحرين أخيراً بدعوة من السفارة الأميركية، ستأخذك صوره الفنية لآفاق إنسانية أكثر رحابة.

درايك هو واحد من الفنانين والمصورين المؤمنين بقيمة الفن التركيبي في إطلاق طاقات التلقي لدى المتفرج عبر إشراكه في العملية الإبداعية ومن خلال نقله إلى مساحات إنسانية أخرى.

هو مصور فوتوغرافي وفنان تشكيلي بالدرجة الأولى وحقوقي يؤمن بقيمة التفاهم والاحترام المتبادل بين البشر. في موقعه، وصف نفسه بأنه يهتم بالتصوير في مجال حقوق الإنسان وبالفن التركيبي، وبأنه فنان يؤمن بالمساواة بين البشر. زار البحرين في الفترة 29 مارس/ آذار حتى 3 أبريل/ نيسان الجاري لتقديم ورش عمل متخصصة.

يتحدث درايك في ورشه عن التوجهات الجديدة الشائعة عالمياً في مجال التصوير الفوتوغرافي، وعن أسس وتقنيات التصوير وأساليب العرض الجديدة. في عمله بشكل عام، ومن خلال مشاريع مختلفة، يستعرض إمكانية استخدام الصور الفوتوغرافية كوسيلة فنية تصلنا بالآخر، تجعلنا قادرين على فهمه، وتخلق بيننا وبينه حس انتماء إنساني.

يعرض درايك الصور الفوتوغرافية التي يلتقطها بطريقة مختلفة، يؤمن بشدة بقيمة الفن التركيبي، ويستخدمه وسيلة للترويج لمبادئ حقوق الإنسان، ولمفاهيم الاحترام المتبادل بين مختلف الشعوب.

أوثق... كي لا ننسى

حال دخولك موقع دريك الإلكتروني ستصدمك صورة فوتوغرافية، لا تقول الكثيرة بداية. صورة يملأها الضوء. نشارة خشب ملقاة على أرض ثلجية. قد تحرك خيالك... إيجابياً، في محاولة استنطاقها، لكن كلام الصورة في الأسفل سيصيبك بصدمة، لعلها صدمة المتلقي الاعتيادية، لكنها صدمة مضاعفة، ناتجة من قراءة غير عادية لعمل قد يبدو عادياً، وصدمة مما تنقله الصورة من معاناة بشرية منسية، لكن درايك يرفض أن يبقيها كذلك. يوثقها بأعمال تزيد من غرابتها وتضاعف ألم تلقيها وربما تستحث المتعاطفين مع مادتها لاتخاذ موقف ما تجاه معاناة بشرية ما في مكان في هذا العالم.

الصورة موضع حديثنا ليست سوى بورتريه لنيري كاستانيدا فالنزويلا، فتى السابعة عشر عاماً، يعمل بشكل غير قانوني على آلة لنشر الخشب المستخدم في تسميد الأراضي الزراعية. لا يحسن الفتى استخدام الآلة، وليس هناك من يشرف على تدريبه. يسقط في منشرة الخشب فتهرس عظامه الآلة. لا يفعل أصحاب المال الكثير من أجله. في الواقع يزيل مشرف العمل الطبقة العلوية من الخشب المضمخة بدماء الفتى والمختلطة بعظامه المطحونة. تحرق الطبقة. لكن ما تبقى من نشارة خشب، قد تحوي بقايا الفتى، يستخدم كسماد للأراضي الزراعية.

إذاً، لا يتعلق الأمر بالتقاط صورة جيدة وحسب، درايك في الواقع يروج لقضية ما، يحولها لعمل فني، يفتح الأفق على مستوى مختلف من الإبداع، على أسلوب مغاير لعرض صوره والقضايا التي تنقلها. في الواقع يفتح آفاق متفرجيه على مفهوم آخر للمعاناة الإنسانية.

في محاولة لمعرفة المزيد، أسأل درايك عن مشروعه الفني، ورطني بالفتى ومعاناته، وبمزيد من القضايا التي تنقلها صور أخرى على موقعه. ما بال هذا الفنان الذي يطالعك على صفحته بوصف براق لنفسه، فنان حقوقي يهتم بالفن التركيبي.

يقول درايك: «أمزج فن التصوير الفوتوغرافي برواية القصص، المكتوبة أو المروية، استخدم الأصوات الحقيقية حيناً، وأفلام الفيديو حيناً».

يؤمن درايك بأن الصورة الفوتوغرافية فن قائم بحد ذاته «تم إدراك هذا الأمر منذ بدايات القرن العشرين. الأبحاث أثبتت أننا نتذكر أكثر من خلال الصور. أعود إلى البحرين هذه المرة للمرة الثانية بعد أن زرتها العام 2011 لتقديم ورش مماثلة. المشاركون معي في الورش السابقة مازالوا يتذكرون بعض الصور والقصص المتعلقة بها. لقد بقيت القصص في ذاكرتهم لأنها رويت من خلال صور».

ويواصل أن «صيغة التواصل السائدة على الإنترنت اليوم تتم عبر الصور الفوتوغرافية، وإذا لاحظت فإن 70 في المئة من الأشياء التي تتم مشاركتها عبر موقع مثل الفيسبوك هي صور».

يؤمن درايك بأهمية التواصل البصري بشدة «المجال البصري يمّكن الناس من مشاركة أحلامهم وقضاياهم مع الآخرين. إنه يجعلهم يستمعون لقصص بعضهم وينمي لديهم حس الانتماء حين يكتشفون الأمور المشتركة بينهم».

لكنه يضيف أن «التواصل البصري صعب جداً، فقد تلتقط صورة لا تقول ما تريده». دمج الصور وإعادة تقديمها كما يشير درايك مثل تغليفها بطبقات متعددة «عليك أن تهتم بالتصميم والمحتوى والجانب الإبداعي وهناك أيضاً الجانب التقني. كل طبقة من هذه الطبقات إذا تمكنت من أن تتلاعب بها سيكون لديك مادة قوية وإذا ركزت على أمر واحد فقط مثل المهارة التقنية فسيكون عملك مملاً ولن يهتم به أحد». هناك أمور متعددة يجب فهمهما لتقديم صورة متكاملة بالأسلوب الذي يعمل به درايك.

لاعبات «سلة»... مسلمات

يهتم درايك بقيمة التفاهم بين الشعوب. يقول: «أنا مهتم بأن أجعل الجميع يحترمون بعضهم كبشر. في كل مكان أذهب إليه أحاول أن أساعد الناس ليعبروا عن أنفسهم وليفهموا بعضهم بشكل أفضل».

أفضل مثال لذلك يتمثل في ردود الفعل لصورة التقطها درايك تصور فتيات مسلمات يلعبن كرة السلة. يوضح «حين عرضت الصورة، وجدت كثيراً من الأميركان يتوقفون أمامها ويبتسمون. كرة السلة لعبة لها شعبية كبيرة في أميركا، والصورة تغير بعض الأفكار النمطية الموجودة حول النساء المسلمات، فهؤلاء النساء سعيدات وهن يلعبن الكرة». ويضيف «أحاول أن أقوم بعمل موازنة من خلال صوري، حتى لو كانت الصور تحكي قصصاً مثيرة فإنني أحاول أن أوازن لأن هدفي النهائي والسبب الذي جعلني أطلق على نفسي فناناً حقوقياً هو اهتمامي بالترويج لفكرة أننا جميعا بشر».

يعمل درايك حالياً في مركز تشيبل هيل للمبادرات العالمية التابع لجامعة شمال كارولينا. في داخل أميركا عمل مع مجموعات مختلفة مثل المسلمين الأميركان، والمهاجرين غير الشرعيين، والأميركان من أصول إفريقية، مرضى الزهايمر، سواق الشاحنات الثقيلة، اللاجئين الفيتناميين، وذلك لعمل سلسلة من لوحات ضمن مشروع سلسلة لوحات أطلق عليه اسم «et al».

ويوضح «أركز على المجموعات التي تتعرض لاعتداءات في داخل أميركا، وأكثر هذه الجماعات تعرضاً للمخاطر هم المهاجرون الذين لا يحملون أوراقاً رسمية، وكذلك المسلمين الأميركان، الذين تعرضوا للكثير من الاعتداءات بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول».

أشد ما يكرهه درايك هو لوم بعض المجموعات لأخطاء بعض أفرادها ولذا «أحاول أن أجعل الناس ينظرون بشكل أفضل إلى أنفسهم وإلى ما يشتركون به مع الآخرين، وهذا ما فعلته في معرض الأميركان المسلمين، وهذا في الواقع ما جاء بي إلى البحرين».

ويوضح «جئت إلى هنا العام 2011 وعملت مع ما يقرب من 40 - 50 مشاركاً جاءوا من جميع الخلفيات، سنة، شيعة، فقراء، أغنياء، مصورين محترفين، وآخرين هواة. لمدة أسبوعين قمت بعمل ورش رائعة فيها الكثير من الإبداع. كانت ورشاً مشجعة وسادها روح الحماس».

ويضيف «أحاول من خلال ورشي في البحرين وفي كل مكان أن أعطي الناس قدرة أكبر على التواصل مع بعضهم. أول خطوة لحل أية مشكلة هي في التواصل بين أطراف المشكلة لفهم مواقف بعضهم البعض. إذا استمعنا لبعضنا ولقصص الآخرين وتعاملنا مع بعضنا الآخر باحترام، فإن فرص حل مشاكلنا كبيرة».

الفن يجعلنا بشراً

يؤمن درايك بأن حل المشاكل يأتي أولاً عبر اعترافنا بإنسانية الآخر واحترامنا له، ثم تأتي الحلول. ويضيف مستدلاً «أول ما يتم فعله للملتحقين بالحرب هو تدريبهم على تجريد الآخرين من إنسانيتهم، عبر نعتهم بأسماء وأوصاف تقلل من إنسانيتهم، مثل الفاشيين والنازيين والجرذان وغيرها من الألفاظ التي تحول خصمك إلى شخص أقل إنسانية. هكذا لا يشعر الجندي بأي ذنب فيما يوجه رصاصاته للطرف الآخر».

درايك يقول إنه يقوم بمهمة مضادة «أؤمن بأن الفن يجعلنا بشراً، ولذا أحاول أن أستخدمه لتعزيز إنسانيتنا».

يتعاون دريك حالياً مع المسلمين الأميركان لعمل سلسلة من اللوحات الشخصية «البورتريهات» لمشروع Esse Quam Videri الذي يدعمه مركز المبادرات العالمية. يحمل درايك شهادة الماجستير في الفنون التشكيلية من جامعة شمال كارولينا في غرينسبورو، ويدرس في استوديو الفن في كلية روكينغهام، ويحاضر حول فاعلية الفن المعاصر.

العدد 4235 - الجمعة 11 أبريل 2014م الموافق 11 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:15 ص

      !!!!؟؟؟؟؟!!!

      وعقب هالهدره ... هوا ايه الموضوع بالضبط ؟!؟!؟

اقرأ ايضاً