في العراق كل شيء مختلف. القوي منقسم والضعيف كذلك، رغم أن ضعيف الشكيمة، عادةً ما يدفعه نحو الاتحاد أمام غول القوة. الشيعة انقسموا، والسُّنة كذلك. الأكراد انقسموا والعلمانيون كذلك. لم يبق عن الانتخابات العامة في العراق سوى أقل من ثلاثة أسابيع والحال كما هو عليه. ربما لأن أوراق العراق ليست مبعثرة بل ممزقة أيضاً.
أكثر ما يهم في المشهد العراقي بالنسبة لي ليس تنافس قائمة عمار الحكيم (المواطن) وقائمة نوري المالكي (دولة القانون)، ولا قائمة أسامة النجيفي (متحدون للإصلاح) ولا صالح المطلك (العربية) ولا إياد علاوي (الوطنية)، كأبرز متنافسين، بل هو الأساس السياسي والاجتماعي التي ستقوم عليه الانتخابات في العراق. إذ لا يمكن مطلقاً فصل الأمرين عن بعضهما (الانتخاب/ السياسة والاجتماع) كونهما في حالة تبادلية دائمة.
أولاً: الانتخابات ستجرى في الثلاثين من إبريل/ نيسان الجاري، والعراق لا يوجد فيه إحصاء وتعداد سكاني! هذه مشكلة. مليونان من العراقيين نزحوا من بغداد خلال السنوات السبع الحمراء الماضية (2003– 2010)، وهم لغاية اللحظة لم يعودوا إلى بيوتهم. لا يُعلَم كيف سيُصوِّتون ولا كيف ستُحفَظ أسماؤهم وشواغرها كي لا يتم التلاعب بها.
ثانياً: لا يوجد في العراق قانون أحزاب. لنا أن نتخيل، أن كل هذه المسميات الحزبية التي تهيمن على الفضاء السياسي والإعلامي العراقي ليست لها مرجعية قانونية ولا أحد يعرف مصادر تمويلها كمِنَح الدولة حسب الحجم والتمثيل ولا المال القادم من النشاطات غير التجارية، وفي نفس الوقت عدم معرفة علاقات الأحزاب الخارجية ومع مَنْ.
ثالثاً: لا يوجد توازن سياسي فيما خصَّ الأحمال. الذي أعنيه أن غياب ذلك التوازن يخلق عدم تكافؤ في الفرص، ليس بين المترشحين فقط، بل بين المكونات السياسية والدينية والعرقية برمتها. هناك مَنْ يرى أنه لا ينتمي إلى الدولة، ليس لأنه غير وطني، بل لأن الدولة لم تعد تحميه، ولا توفر له مثلما توفر لغيره. والسبب هو الفروقات على أسس دينية.
رابعاً: لا يوجد استقرار أمني في العراق. اليوم، مدينة الفلوجة معزولة عن محيطها نتيجة سيطرة مسلحي «داعش» عليها. وأجزاء من الرمادي تعتبر خارج سلطة الدولة. والستون كيلومتراً على أسوار بغداد وصولاً باتجاه الغرب، باتت منطقة غير آمنة. العاصمة نفسها ليست في أوضاع جيدة. محافظات في الوسط والجنوب كذلك. كيف سيصوّت العراقيون إذاً، ويتخطون حاجز الخوف من التفجيرات، وحاجز تهديدات القاعدة؟
قبل أيام نشرت إحدى الصحف العراقية تحقيقاً حول لوحات السيارات الأمامية والخلفية، وكيف أنها باتت هدفاً للصراع الطائفي. وأشارت إلى أن لوحات مدينة عراقية أصبحت تُستَهدَف في منطقة حي العدل ببغداد والمحاويل شمال بابل. هذه صورة «عادية ومتكررة» من صور الانفلات الأمني بين المحافظات العراقية.
العملية الانتخابية ليست عملية مجردة. حتى لو جرت الانتخابات وفق أحدث الطرق والمراقبة المحلية الدولية، وحتى لو تنافس فيها حزبا الجمهوريين والديمقراطيين أو العمال والمحافظين. القضية مرتبطة بجذر أساسي، يتفرع على السياسة والقانون والحالة الاجتماعية. لذا، فإن النتائج الانتخابية غير معبرة عن الواقع بشكل دقيق.
هناك قضية أخرى لا تقل عن الذي ذكرناه، وهي ربما ليست عقبة إجرائية أو سياسية لعملية الانتخابات، لكنها تعبّر عن حالة قائمة. فخلال الفترة الماضية، انتشرت في العراق وعلى وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع تهكم على المرشحين للانتخابات العامة، تتهمهم فيها بالفساد ونهب المال العام وعدم اكتراثهم بالمواطن الفقير إلاَّ في لحظة الانتخابات. هذا الأمر يعبِّر عن هزيمة نفسية لدى العراقيين.
نهاية الأسبوع الماضي قال مدير دائرة استرداد الأموال في هيئة النزاهة العراقية، بأن «الأموال العراقية المتواجدة في الدول المراد استردادها هي تريليون وأربعة عشر مليون دولار»! دققوا في الرقم جيداً. ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق نيكولاي ملادينوف قال: «الأموال التي نهبت من العراق بين عامي 2001-2010 تجاوزت 65 مليار دولار، وأن مؤشرات إحصاءات ديوان الرقابة المالية في العراق تشير إلى أرقام أكبر من ذلك». هذه مصيبة.
قبل فترة، سألتُ بائعاً عراقياً في أحد معارض الكتب: مَنْ سيفوز في الانتخابات؟ قال: السارق. إن انعدام الثقة في الدولة العراقية لم ينتج إلاَّ بعد تحوُّل الفشل إلى سِمَة ومنهج. لذا، فقد لوحِظَ في الدعاية الانتخابية، أن المرشّحين ليس لديهم ما يُحفِّزون به المواطن العراقي لأن يدلي بصوته لهم، سوى تَحمِيَته طائفياً، وتخويفه بالهوية المسحوقة إن هو لم يبادر للتصويت له.
هذا الأمر قد يخلق جواً من الدفع النفسي للعراقيين كي يُصوِّتوا في الانتخابات، لكنه دفع مؤقت. ومع مرور الزمن سيموت لأنه سيكون مشترطاً اشتراطاً كلاسيكياً كما في علم النفس. وعندما تموت هذه الثقة، التي من المفترض أنها متدفقة من قاع الشعور البشري، المتأسس على الدين والمعتقد، فهو يعني نفاذ أي مُحفز آخر للمرء.
أتذكر هنا قولاً جميلاً للأديب الروسي أنطون بافلوفيتش تشيخوف (1860 – 1904) عندما قال: «لا تقل لي كم هو القمر مضيء، بل أرني وميضاً من الضوء على زجاج محطم»، وهو ما يجب على الساسة العراقيين أن يدركوه.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4235 - الجمعة 11 أبريل 2014م الموافق 11 جمادى الآخرة 1435هـ
الحكم لكاتب المقال
اريدك ان تحكم بين المعلق محرقي بحريني و انتخابات العراق لترى العقلية وياليت المعلق انتخابات العراق يرد علي محرقي بحريني
محرقي بحريني
وأخيراً لماذا تريدونها في العراق حكم الاكثرية ولا تريدونها في سوريا التي بها أكثرية سنية حقيقيه بحيث يصبح الحكم للطائفة السنية والبقية أقلية لها حقوقها السياسية فقط
طبعاً لا أتمناها لسوريا أن تصبح بمثل النموذج العراقي وأنما كل ما أتمنى لهم بعد سقوط طاغية الشام السفاح بشار أن تصبح سوريا بلد المواطنه يصبح فيها النصيري والسني والمسيحي والدرزي رئيس للوزراء ورئيس للدولة ورئيس للبرلمان بلد المواطنه وليس المحاصصه حتى لاتصبح عراق آخر
يتبع انتخابات العراق
على ان الغريب بالامر ان هذه الحكومات المحيطة بالعراق ترغب بحكومة الاقلية رغم ان الحاكم بل والاقلية كلها تحتقر تلك الحكومات وقد راينا ما فعل صدام بهم وما قال عنهم ! بل لقد وصل الامر ان الجهات الوهابية في الكويت والبحرين ان تعتبر الطاغية شهيدا ! نسال الله ان يحشرهم معه . ان حكومة العراق الحالية تعاني من تلك الاقلية ومن ارهابها وهي تملأ ارض العراق رعبا وارهابا وتتباكى وتتهم الحكومة وميليشيات لا وجود لها لانها حلت نفسها بهذا الارهاب رغم ان الدلائل تشير عكس ذلك . من اين تخجل اوجه .
علي جاسب. بصرة
محرقي بحريني الرد على الزائر 6
هذه احدى المشاكل التي أوصلت العراق على ماعلية وهي موضوع حكم الاكثرية وتهميش غيرهم رغم أن العراق عرف عنه الحضارة والتمدن ولكن دخلت علية الطائفية التي أوجدها بريمر
لماذا لايكون العراق بلد المواطنه بدل من الاكثرية حتى لو كان 51%
لماذا لايصبح رئيس الوزراء علماني شيعي أو سني أو كردي ماهي المشكلة
في الهند هناك قانون الاحزاب الذي تفتقدونه أنتم في العراق وهذا القانون أوصل رجل من طائفة السيخ لرئاسة الوزراء ومسلم لرئاسة الدولة ومسيحي لقيادة الجيش لان الهند بلد المواطنه للجميع وليس مثل ماعندكم
يتبع
انتخابات العراق
انتخابات العراق حرة و نزيهة بشهادة العالم كله لكن المشكلة ان هناك اقلية لا تقبل بحكم الاكثرية وهي تقود ارهابا شعاره . اما ان نحكم البلد وتعيش فيه الاكثرية كعبيد لنا مثلما كان المجرم صدام واما ان ندمره وهم الان يدعون انهم مهمشون رغم انهم لا يشكلون اكثر من 20% اذا اخرجنا الاكراد منهم لان الاكراد لا يثقون بهم رغم انهم من نفس الملة ! مشكلة العراق في حكومات حوله لا ترغب ان ترى الاكثرية حاكمة وهي تعودت ان ترى اقلية تتحكم به وبمصيره وتسوق شعبه الى حروب ما لها اخر كمغامرات الطاغية . يتبع
علي جاسب.
محرقي بحريني
الحل الوحيد في أعتقادي الذي سيخرج العراق من المستنق وهو
أن يقبل العراق بنظام علماني لا أقول بفصل الدين عن الدولة فصل كامل بل أقلها فصل رجال الدين عن السياسه
ثانياً تغير النظام من برلماني الئ رئاسي بحيث لاتصبح الاحزاب هي من تتحكم في مفاصل الدولة
وثالثاً ياريت العراقين في الفتره القادمة يكونون أكثر نضوج ومايرشحون شخصيات ضعيفة مثل المالكي والذي أن أنتخب مرة أخرى فأن العراقين حكموا على أنفسهم 4 سنوات أخرى من الجوع والفقر والفساد والبحث في براميل القمامه عن قوت يومهم
محرقي بحريني
هذه تركة بريمر الذي جعل من العراق بلد طائفي متفكك فمثلاً الجيش يجب أن تثبت مذهبك وديانتك قبل الالتحاق به وهذا لم يحدث في أي بلد عندة شبة نوع من الديمقراطية وكذلك والاهم وهي المحاصصة الطائفية التي خلقها بريمر بالنظام البرلماني والذي قسم فاصل الدولة على الاحزاب السياسية مما خلق فساد مستشري وعدم الامن
التجربة العراقية رفضت تطبيقها كل دول الربيع العربي وحتى الاجنبية لانها تكرس الطائفية والتفرقة بين مكونات الشعب وهذا ما ارده بريمر وجميعها أختارت النظام الرئاسي وليس البرلماني
وللحديث بيقي
وين نصيحة ابو عنتر
سقطت سهوا؟
عاش ابو عنتر
مشهد أبو عنتر وهو يحرس صندوق الانتخابات. الصندوق موجود والناخب موجود والعملية الانتخابية تعمل لكن لا المنتخبين هم الصالحين ولا نعرف كيف فازوا