صحيح أن المشاركة في الانتخابات واجب وطني، لكن الصحيح أيضاً إنّها موقف وفعل إرادي يتطلب «الدافعية ،» والأخيرة مفقودة كون بيئة العملية الانتخابية لازالت تتأرجح وسط حاضنتها «الأزمة السياسية » التي تعصف بالبلاد وإفرازاتها.
دأبت بعض الجهات لتسويغ أسباب وجودها في إطار الهيكلية الإدارية البيروقراطية المتمدّدة التي تستنزف المال العام مقابل صفر إنتاج، دأبت على ممارسة حملات ترويجية تتعلق بتنفيذ برامج ومشاريع في إطار خطط استراتيجية أو مرئيات حوار التوافق الوطني أو نصوص الميثاق أو الدستور... الخ، هكذا قيل.
قيل أيضاً بأنّها «تعنى في برامجها بصقل الأفراد سياسياً وإعداد الكوادر منهم للمشاركة في الشأن العام ودعم قضايا المرأة وتمكينها، وتنمية الوعي السياسي والحقوقي عبر التدريب التوعوي التثقيفي مساهمة بنشر الثقافة السياسية في المجتمع»، ولأجل ذلك كما قيل أيضاً «يتم تدريب المترشحين ومديري الحملات الانتخابية ومراقبيها على المناخ الانتخابي ورفع مستوى الأداء السياسي في العملية الانتخابية المقبلة بهدف التأثير الفعال على الناخبين وكسب أصواتهم».
أمَا من حيث مضمون تلك البرامج، فهي تتطرق حسب زعمهم في الندوات والدورات إلى «مقوّمات الإدارة الفعالة للحملة الانتخابية، وكيفية تكوين صورة ذهنية إيجابية للمرشح في دائرته الانتخابية، والتخطيط الإستراتيجي للحملة، وبناء خطّة الدعاية الانتخابية وأدواتها التسويقية المطلوبة وغيرها. حقاً؟ إنه كلام جميل!
وكالعادة خبراء العازة المستجلبين من الخارج هم أغلب المنفذين لتلك البرامج التي يستطيعون بقدراتهم الخارقة تفريغ مفاهيم المشاركة السياسية المتعارف عليها من مضامينها، لتصبح هياكل عظمية لا روح فيها، تبعاً لرؤية مرسومة بدقة تتناسب ومتطلبات المرحلة. إنّهم حاضرون لا يعوزهم غير إشارة البدء تماماً كما أسلافهم من خبراء تفصيل الدساتير حسب الطلب!
نظرياً في كتب العلوم السياسية المتخصّصة، المشاركة السياسية مستويات وأشكال مختلفة تتباين من مجتمع إلى آخر، (لاحظوا)، وقد تصل في مجتمعات الديمقراطيات العريقة إلى تولي المناصب السياسية العليا كرئاسة الحكومة والقضاء والدفاع وغيرها، ترى هل يُعلم خبراء العازة المتخصّصين المنفّذين لبرامج التوعية هذه المفاهيم أيضاً في سياق برامج التدريب والتثقيف، وعبر ربطها بواقع الحال في حركة الشارع المحلي ومطالبه الواضحة والمستمرة التي تتمحور منذ احتجاجات فبراير 2011 وحتى اللحظة، حول تحقيق الديمقراطية بمشاركة سياسية حقيقية ينجز فيها «حكم الشعب للشعب»، حكومة منتخبة، قانون انتخابي منصف يتضمن توزيع دوائر انتخابية عادلة تحقّق المواطنة، وكذا يقضي على التمييز بين المواطنين وتشطير المجتمع على أساس طائفي وغيرها؟
معلوم أن النفير لهذا النشاط وفزعته الموسمية يمهد ويروج لخلق حالة إيجابية تجاه الاستحقاق الانتخابي المزمع حدوثه خلال العام الجاري، بيد أنّه يواجه تحديات جسيمة تتمثل في غياب تمثيلي لقطاع عريض من المواطنين عن المشهد الانتخابي أمام الرأي العام العالمي. صحيح أن المشاركة في الانتخابات واجب وطني، لكن الصحيح أيضاً إنّها موقف وفعل إرادي يتطلب «الدافعية»، والأخيرة مفقودة كون بيئة العملية الانتخابية لازالت تتأرجح وسط حاضنتها «الأزمة السياسية» التي تعصف بالبلاد وإفرازاتها. فثمة شارع انتهكت حقوقه الإنسانية، ويمارس على أفراده الحصار والتهميش والتمييز الطائفي، وبما يمثله من ثقل تاريخي ووجودي وعددي في المجتمع، يرجّح المنطق أن لا يدير بالاً ولا يشارك في هذا النفير طالما بقي الوضع على ما هو عليه، بمعنى استمرار مقاطعته للعملية الانتخابية. قلنا إذا ظل الحال!
إن احتمالية الاستنكاف عن هذه المشاركة وأسبابها الفعلية على ما يبدو لا تدخل في مضمون البرامج ولا يُتطرق إليها في المناقشات أثناء الدورات التي تعدها المؤسسات السالفة، بل وأسقطت من الاعتبار، الأمر الذي يستوجب التذكير بأن الاستنكاف هنا لا يُمارس بسبب الرغبة في الابتعاد عن السياسة ومنغصاتها ومشاكلها وترك شئونها لأهلها الحاليين أو الطارئين، ممن يصولون ويجولون في غرف التشريع أو بسبب الأميّة والجهل بالحياة السياسية (ما شاء الله الشارع مسيس وإشارة والحشود تتدفق بالآلاف مكتسحة شوارع التظاهرات والمهرجانات الخطابية)، وليس بالطبع خوفاً من تبعات السياسة والسلطة بسبب ما تم التعرض إليه من الأضرار والخسائر في الأرواح والأرزاق والممتلكات ولأسباب سياسية محض. وحتماً ليس لضعف في الحس الوطني وغياب الشعور بالمسئولية والاستهتار كما يجهد الإعلام التحريضي أن يشيع، على الرغم من القناعة بأنّ آليات العمل الحالية ليست ذات جدوى في الممارسات العبثية المتسمة بديمقراطية مبتورة بل وشكلية، خصوصاً مع أداء السلطة التشريعية التي لا تقوى على استجواب وزير أو مسئول، ولأن هذه السلطة التشريعية الحالية تمثل ظاهرة فريدة من نوعها في العالم، باصطفافها قلباً وقالباً مع كل ما تبتغيه السلطة التنفيذية وتخطّط له، والله لا يغيّر عليهم!
الاستنكاف المتوقع يشكل معضلةً أمام تنفيذ هكذا برامج، كما يثير التساؤلات حول جدواها خصوصاً وإنّ أسبابه الرئيسية تتمثل في رفض الحالة السياسية المشوهة ووضعها القائم برمته بسبب ما يسودها من انتهاكات، وهي حالةٌ من أسف مستمرة وتراوح في موضعها بسبب تعثر إرادة الحل للأزمة وسيادة النهج الأمني وترجيحه كحل عوضاً عن النهج السياسي التوافقي، إضافةً إلى مظاهر التشطير العمودي المفتعل الذي يساهم فيه إعلام التحريض دون وازع من ضمير ولا مبدأ في المجتمع، وتقسيم المواطنية عملياً إلى درجات حسب معايير الولاء السياسي والانتماء الطائفي، أضف إلى ذلك قضية التجنيس السياسي الشاذة والمرفوضة جملة وتفصيلاً من المواطنين، وسوء توزيع الثروة والفساد المنتشر بأنواعه كالغول ينهش بلا هوادة في المال العام في ظل غياب أية رقابة شعبية حقيقية، كل هذا وذاك لا يمنح في حقيقته أي مشروعية بالنسبة لقطاع لا يستهان به من الشارع، لاسيما والمشاركة الانتخابية القادمة بالنسبة إليه وضمن قنوات العمل السياسي الحالية والمحدودة الصلاحيات وبما يسودها من تجاوزات، يعتبر من وجهة نظره تزكيةً للوضع المتأزم تمنحه المزيد من الفرص لاستمرار الممارسات القائمة.
والمرجح باستمرار هذا الواقع المتأزم وفقدان إرادة الحل السياسي والعجز في إدارة مفاوضات جادة، أن ينتج الواقع السياسي عملية انتخابية قاصرة ومبتورة، على الرغم من حملات الترويج التجميلية لها وأكلافها التي تشفط من المال العام، عدا إنها ستدفع بفئات طفيلية تتصدر المشهد الانتخابي ممّن يسعون للوصول إلى المناصب العليا والمواقع الوظيفية المربحة التي تتحقّق عبرها طموحاتهم الشخصية فتزيد مكاسبهم ومصالحهم المادية وتتضخم إثرها حساباتهم المصرفية، حيث لا برنامج عمل وطني ولا يحزنون.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 4232 - الثلثاء 08 أبريل 2014م الموافق 08 جمادى الآخرة 1435هـ
يعنى
يعنى الحين ويش اضر لو الحكومة تعطى شعب حقوقه المسلوبه وتفرج عن جميع المعتقلين واضم الشعب بينها وتشمل الاخوان السنه والشيعة هاده هو الشعب الاصيل وتترك عنها الاجانب والمجنسين الي ماوراهم فايده غير مصالحهم ياحكومة البلد كل ماجليه ازيد ازمته والحل عندك اتبعى الله وراح اصير البلد ابخير ونعمة والله يحب الخير للجميع والله يحفض شعب البحرين الطيب ويبعد عنه الظلم
اصل الأزمة السياسية
البديل هو ترك السياحة إلى المب ريايل ليزيدو من النهش و بانياب جديدة وتكملة المسرحية