العدد 4228 - الجمعة 04 أبريل 2014م الموافق 04 جمادى الآخرة 1435هـ

إشكالية «الاستبداد والتعددية» في الرواية العربية

تعتمد الرواية العربية في تكوينها السردي على نمطين رئيسيين، فهناك الرواية التقليدية والتي يكون بناؤها معتمداً على وجود راوٍ واحدٍ فقط لكل رواية، وهناك الرواية التجديدية التجريبية والتي تعتمد على تعدد الرواة في طرح مشاهدها، وهنا نسلط الضوء على أهم الفروق الأدبية بين النمطين ونستشهد على النموذج التجديدي «التعددي» بمثالٍ تطبيقيٍ حي من خلال رواية «قلبي في رقبتك» للبحريني عزيز الموسوي ونترك المجال للقارئ كي يستشف ذلك بنفسه من خلال رواية «نادي السيارات» للمصري علاء الأسواني.

إنّ وحدة الراوي تعني ثبات النظرة والفكر والأسلوب، ولكن إذا اعتبرنا أن العمل الروائي جنسٌ أدبيٌ مفتوح على المعارف والمعلومات والأحداث والأجناس، فإنّ تعدد الرواة يعطي العمل تنوعا إبداعياً، ومن خلال تطبيق ذلك على رواية الموسوي، نرى تعدد الرواة عنده بين غسان بطل الرواية وبين مروة صديقة البطلة، بالإضافة إلى الراوي التقليدي، وقد أضفى الرواة هنا فكراً مختلفاً للمشاهد الدرامية كلٌ ينطق بها كما يراه من زاويته، وكم تمنيتُ لو كانت الشخصيتان الراويتان من بيئتين مختلفتين ليطرح كلاهما وجهة نظره خاصة في استعراض الشأن السياسي الذي تقدمه وتناقشه الرواية.

يُضاف إلى ذلك، أنّ الراوي الواحد يبعد العمل عن الحياد والأدب الموضوعي في حين يتيح تعدد الرواة الفرصة لعرض الفكرة من كل جوانبها، وقد ركّز الموسوي على الاختناقات النفسية التي يفرزها مرض «السكلر» على حامليه، فمنهم من يُغلب الحبَ على المرض كغسان، ومنهم من ينكسر أمام واقعية المرض ويرى ضرورة التنحي كما حدث لحبيبته غالية.

من جانب آخر، فإن التعدد يبعد الملل والرتابة عن القارئ، وقد تمكن الموسوي وكعادته من التلاعب بأدواته وشخوصه، فبدأ بمروة (صديقة البطلين المريضين) وهي تسرد من وجهة نظرها المشاهد (scenes) التي مرّ بها البطلان، ثم تحول السرد لغسان قبل أن يعود مجدداً لمروة، ولم يكن التعدد من أجل التعدد ذاته بل كان خدمة للحكايات الداخلية (tales) وزيادة في التشويق والإثراء.

وبما أنّ التعدد يبعد الروائي عن الوقوع في الأخطاء المعرفية، فقد تكفلت الشخصيات الرئيسية الثلاث من سرد تأملاتها وفلسفتها للحياة ولم يعد للروائي التقليدي دورٌ ينفخ من خلاله شخصيته السلطوية والمعرفية بل أصبحت الديمقراطية سمة التعبير عن الرأي والرأي الآخر.

ويُضاف لذلك أيضاً، أنّ التعدد لا يجعل القارئ متلقياً سلبياً استهلاكياً لا يُعبر عن نفسه أثناء القراءة؛ فهو تبعاً لهذا التعدد أصبح يجد نفسه قادراً على التحدث مع الذات ومع الشخوص (characters) ومتمكناً من استدراك مستقبلها... وهنا نستذكر رواية «ميرامار» لنجيب محفوظ حيث يتخيل القارئ نفسه جزءاً محورياً من العمل ذاته.

إن الانقلاب النصي على الراوي العليم صاحب المعرفة ودكتاتورية السلطة والسرد، يسمح بتنوع الأفكار السياسية وإظهار العلاقات الاجتماعية بمستويات مختلفة، كما أن تعدد الرواة يعطي ديمقراطية للكلام وحرية للقول؛ ويصبح المتن الحكائي تبعاً لذلك في صور شتى منها السرد المشهدي، الرسائل، وحكاية داخل حكاية... تلك هي التقنية الرائعة التي نادى بها الكاتب الأميركي/ البريطاني الشهير هنري جيمس والتي تسير بخطى حثيثة تسمح للراوي (narrator) أن يصبح أكثر شهرة من الروائي (novelist) كما حدث لشهرزاد في «ألف ليلة وليلة» وكذلك عيسى بن هشام الذي صنعه بديع الزمان الهمداني.

العدد 4228 - الجمعة 04 أبريل 2014م الموافق 04 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:27 ص

      روايه

      الراوية في قمة الروعة وقصة جميله ومؤثرة والله يوفق جميع الكتاب البحرينيين

    • زائر 1 | 3:24 ص

      كبير يالموسوي

      انسان طموح مثابر عبدالعزيز نحت الصخر وهو يسير للمقدمة في مجال الرواية القصيرة نتمنى له مزيدا من الموفقية.ع.ا.ع

اقرأ ايضاً