العدد 4228 - الجمعة 04 أبريل 2014م الموافق 04 جمادى الآخرة 1435هـ

البحرين في القرن التاسع الميلادي: الهوية الدينية

من خلال ما قدمناه في الحلقات السابقة يتضح لنا أن البحرين، بما في ذلك جزيرة أوال، استطاعت أن تحصل على استقلال ذاتي نسبي وذلك في نهاية الحقبة الأموية وبداية الحقبة العباسية؛ وذلك بعد أن هدأت، نسبياً، حركات التمرد في البحرين، وتعلمت من خلالها الدولتان الأموية والعباسية أن مجابهة هذه الحركات بالعنف المفرط لن ينتج عنه إلا عنف مفرط آخر؛ وبذلك اكتفت هذه الدول بالسيادة الاسمية على البحرين.

كذلك اتضح لنا من الحلقات السابقة، أن جزيرة أوال وخلال حقبة الاستقلال الذاتي النسبي استطاعت أن تطور من تجارتها وعلاقاتها الخارجية وأن تكتسب من تلك العلاقات معارف ثقافية جديدة؛ فاستطاعت أن تتوسع في القرن التاسع الميلادي، فتوسعت مناطق الاستيطان الأساسية كالمنطقة المحيطة بمسجد الخميس (وهي العاصمة)، والقرى الأخرى في عالي وباربار.

بقي علينا الإجابة عن سؤال مهم يتمحور حول هوية هذا الشعب الذي استطاع أن يؤسس القرى الإسلامية الأولى في البحرين، التي كونت نواة لدولة متكاملة لها عاصمة، وبها سوق مركزية، ولها تجارة محلية وخارجية تصل إلى الصين. ولا نقصد بالهوية هنا الهوية العرقية، فقد تطرقنا لها في سلسلة سابقة وأوضحنا التركيب العرقي في البحرين، وهو لا يختلف كثيراً عن التركيب العرقي في شرق الجزيرة العربية. وإنما قصدنا هنا الهوية الدينية والمذهبية. وقد تمت الإجابة عن مثل هذه الأسئلة بفرضيات سردية متضاربة لا تعتمد على أي دليل آثاري.

التغير السياسي والتبعية المذهبية

في سبيل بناء نموذج التطور السياسي والمذهبي في البحرين، وضعت فرضيات تؤطر لتبعية التغير المذهبي للتغير السياسي؛ بمعنى، بما أن البحرين لم تذكر إلا خلال السيطرة السياسية القرمطية، فإن شعبها تابع لهذه السيطرة السياسية أي أنهم قرامطة، على المذهب الإسماعيلي، وبقوا كذلك، وعندما زالت الدولة القرمطية تغير مذهب سكان البحرين بحسب التغير السياسي؛ فمنهم من بقي على مذهبه ومنهم من اعتنق مذاهب أخرى، وعندما سيطرت الدولة الصفوية الشيعية على البحرين تحول العديد إلى المذهب الشيعي. ويعتبر Cole أول من أطر لهذه الفرضية وذلك في بحثه الذي نشره في العام 1987م وهو بعنوان: «Rival Empires of Trade and Imami Shiism in Eastern Arabia, 1300-1800» الذي ترجمه للعربية جعفر الشايب ونشر في مجلة «الواحة» (1995، العدد الثاني) تحت عنوان: «الإمبراطوريات التجارية المتصارعة والشيعة الإمامية في شرق الجزيرة العربية 1300 – 1800». وقد نشر السيدعدنان العوامي في العدد نفسه دراسة نقدية لهذه الدراسة، وقد أوضح العوامي أن دراسة Cole تعتبر من أولى الدراسات التي اتخذت منحاً جديداً في دراسة التاريخ؛ حيث انعطف Cole عن دراسة الحدث التاريخي التقليدي إلى دراسة الجانب المذهبي بما يوحي بأن الكاتب يريد أن يضع أول نظرية عن تحول المذهب الإسماعيلي إلى المذهب الإمامي الإثنيعشري، وقد سعى الكاتب إلى إثبات ذلك من خلال سياق معلومات تاريخية خاطئة واستنتاجات متناقضة (العوامي 1995، الواحة العدد الثاني).

وعلى رغم ذلك، فقد سار على نهجه عدد من الباحثين، على سبيل المثال، Nelida Fuccaro وذلك في كتابها حول تاريخ مدينة المنامة، الذي صدر العام 2009م؛ حيث ترى Fuccaro أن العام 1602م كان عاماً فاصلاً ويحدد بداية التحول للمذهب الشيعي الإمامي في البحرين، أما تاريخ الإمامية قبل هذا العام فغير واضح، ولا يعلم بالتحديد مدى انتشاره في البحرين (Fuccaro 2009, p.17). واكتفت Fuccaro بذكر مثالين للتشيع قبل هذا العام وهما اعتناق الشيخ ميثم البحراني (توفي العام 1280م) للمذهب الشيعي الإمامي، والمثال الآخر هو استعانة الحاكم الأيلخاني محمد أولجايتو (1309 – 1316م) ببعض علماء الشيعة في البحرين بعد أن اعتنق هو نفسه المذهب الشيعي (Fuccaro 2009, p.17). ولكن وبعد أن سيطرت الدولة الصفوية الشيعية على البحرين في العام 1602م تحول العديد من سكان البحرين إلى المذهب الشيعي، وقد أصبحت البلاد القديم عاصمة البحرين الصفوية ومقراً للشيخ الرئيس منذ هذا التاريخ (Fuccaro 2009, p. 17 - 18).

الآثار الإسلامية والهوية المذهبية

يلاحظ في فرضية Cole أنها لا تعتمد على أية دراسة آثارية، وربما نلتمس العذر له؛ حيث صدرت دراسته قبل ظهور نتائج التنقيبات الحديثة في الآثار الإسلامية في البحرين، ولكن دراسة Fuccaro ظهرت في العام 2009، بعد أن نشرت نتائج الكشوفات الآثارية والتي تمكننا نتائجها من وضع نظرية حول تطور الهوية المذهبية في البحرين، تعتمد على حقائق مستمدة من نتائج تلك الكشوفات الآثارية. يذكر أن Fuccaro أهملت، على الأقل، ست دراسات متوافرة تشير بوضوح لهوية شعب البحرين الدينية قبل العام 1602م.

أولى هذه الدراسات، دراسة الألماني Diez الذي نشرت في العام 1925م وترجمها بلغريف للإنجليزية، وأعادت نشرها الشيخة مي الخليفة في كتابها «محمد بن خليفة: الأسطورة والتاريخ الموازي». في هذه الدراسة يناقش Diez عموداً من خشب الساج يدعم سقف غرفة الصلاة لمسجد الخميس، والذي نقش عليه زخرفة سامرائية وكتابة. فأما الكتابة فهي عبارة عن نقش من ثلاثة أسطر هي «لا إله إلا الله محمد سول الله علي ولي الله»، وقد رجح Diez أن النقوش تعود للقرن التاسع / العاشر الميلادي (Diez 1925). وهذا يعني أن هناك جزءاً من مسجد الخميس يعود إلى القرن التاسع وبداية القرن العاشر وأنه يحمل هوية إسلامية شيعية.

وهناك، أيضاً، دراسة Carter، الذي يرى أن البلاد القديم كانت عاصمة البحرين منذ تأسيسها في القرن الثامن الميلادي (Carter 2005). أما دراسة Frifelt فتشير إلى مدى التأثر بالفنون السامرائية وتأكد على فرضية Diez حول تاريخ العمود الخشبي الذي زخرف بزخارف سامراء (Frifelt 2001, p. 15). كل هذه الكشوف ترجح هوية سكان البحرين الشيعية في تلك الحقبة وقبل سيطرة القرامطة عليها.

الامتداد الشيعي في البحرين

دراسات الآثار الإسلامية لا تتوقف عند القرن التاسع، فهناك دراسات أخرى تثبت الامتداد الشيعي حتى يومنا هذا، فهناك نتائج بعثة التنقيب الفرنسية التي نقبت في مسجد الخميس، وتشير بوضوح إلى أن باني أو مرمم مسجد الخميس في القرن الثاني عشر هم من الشيعة الإمامية الإثنيعشرية (Kervran et Kalus 1990,)، (Kalus 1990,). وأضف إلى ذلك، دراسة نايف الشرعان التي أصدرت ككتاب في العام 2002 من قبل مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وقد تناول الباحث في هذه الدراسة نقود الدولة العيونية والتي نقش عليها «لا آله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله». إما فيما بعد القرن الثاني عشر فهناك عدد آخر من الأدلة الآثارية ذكرها كل من Kalus وFrifelt في كتبهما حول الآثار والنقوش الإسلامية في البحرين (Kalus 1990)، (Frifelt 2001).

كل هذه الأدلة تشير إلى استمرارية الوجود الشيعي الإمامي في البحرين منذ القرن التاسع الميلادي، وأن شعب البحرين لم يتلون بحسب السيطرة السياسية فيعتنق مذهباً إسماعيلياً ثم يغيره بغيره ثم يعتنق مذهباً آخر. وهذه الأدلة تتفق مع ما ورد في العديد من الأدبيات التاريخية التي تحدثت عن تشيع أهل البحرين منذ القدم. وتشير تلك الدراسات، أيضاً، لوجود دول شيعية تأسست في البحرين ونمت وازدهرت، ولم تكن تلك الدول تتكون من المزارعين السذج، بل كان منهم الأمراء والتجار والحرفيون كصناع السفن والنساجين وغيرهم، وسنتناول تفاصيل ذلك في حلقات قادمة.

العدد 4228 - الجمعة 04 أبريل 2014م الموافق 04 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً