ماذا يعني أن تكون عربياً أم أعجمياً؟ أو ماذا يعني أن تكون مسلماً، مسيحياً، يهودياً أو صابئياً. ونزولاً عن ذلك: ماذا يعني أن تكون كاثوليكياً، بروتستانتياً، شيعياً، سُنياً، إباضياً، زيدياً، ظاهرياً، إسماعيلياً، درزياً؟ ثم ماذا يعني أن تكون إنساناً ومواطناً؟ وماذا يعني إن اعتقدتَ بعدة أشياء في آن واحد؟ وعشتَ في بلد بينما وُلِدتَ في بلد آخر؟
تلك العناوين، هي ما يؤرق العالم اليوم. فقد أصبح موضوع الهوية، أحد أهم إشكالات الشعوب والمجتمعات، ونظرتها إلى ذاتها وانتمائها. ولو أرجَعنا تسعين في المئة من الصراعات اليوم في منطقة الشرق، سنرى أنها لن تخرج عن ذلك الإشكال والعلَّة، خصوصاً أنها امتزجت بالسياسة، فأصبح الإشكال مركباً وغير خاضع لمعيار واحد.
أمارتيا سين، أحد أهم مَنْ كتبوا في مسألة الهوية. ولأن سين، هو هندي الأصل، وبريطاني في منشئه العلمي وتنشئته، فهو جديرٌ فعلاً بأن يكتب عن الهوية. كتابه المسمَّى «الهوية والعنف... وهْمُ القَدَر»، واحدٌ من أفضل الكتابات الفلسفية المتأخرة، التي توخت جانب الموضوعية إلى حد جيد، باستعراضه للتاريخ والواقع الديني والسياسي الحاضر.
كان أمارتيا سين يعتقد، بأن «التجزيء الحضاري أو الديني لسكان العالم يؤدي إلى مقاربة انعزالية للهوية الإنسانية، وهي التي تنظر إلى بني الإنسان، بوصفهم أعضاءً في مجموعة واحدة فقط». هنا، يبدأ العنف بالتشكل بعد «إنماء حس الحتمية بهوية مفردة».
إن هوية «فريدة غير اختيارية» تعزِّز «الصراعات ومظاهر البربرية في العالم». كان سين قد استعار كلمة لأوسكار وايلد يقول فيها: «إن أكثر الناس أناسٌ أخر. إن أفكارهم هي آراء أناس آخرين، وحيواتهم محاكاة، وعواطفهم اقتباس». لذا، فالنتيجة الحتمية التي خلص إليها هي إن الانتماءات المتمايزة المتعدّدة، بإمكاننا جعلها متفاعلةً وبطرق مختلفة.
فيما خصَّ تفهُّم الهوية، فإن التاريخ والخلفية، ليسا «الطريقين الوحيدين لرؤية أنفسنا والجماعات التي ننتمي إليها» حسب أمارتيا. فالفرد، يمكنه أن يصبح «آسيوياً ومواطناً هندياً وبنغالياً ذا جذور بنغلاديشية ومقيماً في بريطانيا أو أميركا، واقتصادياً وهاوياً للفلسفة ومؤلفاً ومؤمناً بالعلمانية والديمقراطية». بالتأكيد فإن سين يجرّب على نفسه.
يتوسَّع المؤلف في مسألة الهويات المتقابلة وغير المتقابلة، فيشير إلى أن الفرد، يمكنه أن «يمتلك هويات متعددة حتى في داخل الفصائل المتقابلة، فيمكن أن تتقابل مواطنة معينة، بمعنى أوَّلي ما، مع مواطنةٍ أخرى في هوية شخص واحد». لكن، يُمكن أن تكون المواطنة «أحادية» دون أن يلزم من ذلك اختفاء «صراع الولاء الثنائي» كما يُسمِّيه.
لا يبدو أن أمارتيا متشجّعاً لنظرية صدام الحضارات. فهو يعتبرها مجالاً للتقسيمات الحادة، بحيث يكون لدينا عالم غربي، وآخر إسلامي، وثالث هندوسي، ورابع بوذي. وفي نقده لصمويل هنتنجتون حين وصف الهند بأنها «حضارة هندوسية»، يتساءل أمارتيا: ما هو مصير المسلمين الهنود، الذين هم أكثر من أي بلد مسلم آخر باستثناء اندونيسيا!
لذا، فهو يشير إلى أن «التغلب على المشكلة الأخيرة» يكمن في عدم «تصنيف الناس في وحدات حضارية غير واضحة المعالم، تربطها روابط دينية كالحضارة الإسلامية والحضارة الهندوسية»، بل «بتصنيفهم مباشرة بمعايير التجمعات الدينية للناس»، ويمكن في نفس الوقت «أن توجد اختلافات شاسعة في السلوك الاجتماعي لدى الناس الذين ينتمون إلى الدين نفسه، حتى في مجالات كثيراً ما يُظَن أنها تتصل اتصالاً وثيقاً بالدين»
بالتأكيد، فإن تلك المشارب المتعددة، سواء في الدين الواحد أو الأديان المختلفة، يجب أن تُحكَم وتُدار بشكل جيد وحصيف من قِبَل الأنظمة السياسية. ويضرب أمارتيا مثلاً عن جزء من تاريخ المسلمين المتسامح في هذا المجال، باستعراض سيرة الإمبراطور أكبر، جد دارا وأورانزيب خلال حكمه للهند. فقد أصدر ذلك الحاكم العادل مشروعاً إصلاحياً أسماه: طريق العقل، أو «راهي عقل»، والذي قضى بالحاجة إلى «الحوار المفتوح والاختيار الحر».
ليس ذلك فحسب، بل إنه فتح نقاشاً متتابعاً شمل المسلمين والهندوس والمسيحيين واليهود والبارسيين والجاينز والملحدين كذلك. كان ذلك المنهج في الحكم قد أسَّس إلى علاقات ممتدة ومتساكنة مع الطوائف والأعراق المختلفة في الهند ومحيطها. وقد ظهر ذلك خلال ثورة الحفيد أكبر على أبيه المتجبِّر، باستعانته بالممالك الهندوسية المجاورة.
في جانبٍ آخر من بحثه، يشير أمارتيا إلى قضية سياسية حسّاسة، باتت محل اهتمام الرأي العام العالمي، وهي المتعلقة بالهوية الإسلامية وموضوع الإرهاب. فحسب أمارتيا «ليس الخلط بين الهويات التعددية للمسلمين وهويتهم الإسلامية خطأ وحسب، بل له مقتضيات خطيرة على السياسات التي تسعى إلى السلام في العالم غير المستقر الذي نعيش فيه». وهو بذلك يؤرّخ لانفجار الغرب تجاه مسألة الإرهاب عقب أحداث سبتمبر.
في كل الأحوال، تبقى الهوية الدينية أو الحضارية مهمة إلى حد بعيد، ومع هذا فهي لا تزيد عن كونها عضوية واحدة من بين عضويات كثيرة، لينتهي إلى خلاصتين أساسيتين، وهما التعدّد الثقافي والحرية، وأيضاً الحرية في أن نفكر. وهو بذلك، يحاول جاهداً وضع تعريف للهوية، يُخلِّص الشعوب من عقدة الغيرية والاختلاف المؤدي إلى الصراعات.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4226 - الأربعاء 02 أبريل 2014م الموافق 02 جمادى الآخرة 1435هـ
إسلامنا يحثنا على احترام الاخر اين ذلك الان
بلادنا في تشويه الوجه الحضاري للإسلام الذي يحث على المحبة والعدل هم ممن تصدروا اسم الاسلام والدفاع عنه وانت ترى باسم الاسلام ويكبر ليقتل إنسانا مسلما العيب في من يملك القرار
nice
nice