الصباحات كانت تحمل رائحة أخرى في البيوت، الخبز الساخن الذي يأتي بعد الوقوف طويلاً على نافذة الخباز، والشاي المطبوخ بعناية أو ذلك «المخدر» على فحمٍ توسط «دوة» اتخذت لها عرشاً وسط البيت. الزيوت التي كانت تصفّف بها الأمهات شعور بناتهن قبل ذهابهن إلى المدارس مشياً على الأقدام، والعطورات الرخيصة المقلّدة التي كانت تشكّل فرحةً لكل من يمتلكها وكأنه امتلك نتاجاً من أهم بيوت الأزياء العالمية. فيما كانت الأصوات مختلفةً أيضاً، فصوت القرآن أحياناً هو الذي كان يصدح من حنجرة أبٍ مسنٍّ في البيوت التي كانت تحمل طابعاً دينياً، في حين فضّلت البيوت التي تعنى بالطرب صوت فيروز، خصوصاً حين تمتلك مذياعاً أو جهاز تشغيل الأشرطة الصوتية، مع نداءات من هنا وهناك للأم عن ضائعٍ ما من الأشياء الصغيرة، أو شجارٍ بين أختين لأن إحداهما أخذت شيئاً قيل أنه لأخرى، فيما هما اعتادتا على تقاسمه ككل البنات في كل البيوت.
وبرغم كل البساطة والعوز والحياة الصعبة التي لم تتوفر بها أدنى مقوّمات التطور التكنولوجي، كانت القناعة هي السيدة في قلوب الناس وسلوكهم.
هذه الفترة الزمنية لم تكن بعيدةً جداً؛ إذ كانت هي السائدة في كثيرٍ من بيوت البحرينيين حتى بدايات الثمانينات، حين كانت الثقة والمحبة والتعاون هي التي تنظم حياة البشر؛ فيتعاضدون ويتعاونون في الفرح والحزن، في الألم والأمل، في الدمعة والضحكة. يتقاسمون الخبز الواحد حين لا يجدون غيره، ويؤثثون منازلهم بنتاج جيرانهم، فالأقربون أولى بالمعروف. يعرفون جيداً أن الإتحاد قوة كما علّمهم آباؤهم وعلموه أبناءهم، لكن تعليمهم ضاع مع القادم من أيامٍ ربما لا يستوعبونها حتى الآن، ويعتبرونها غريبةً عليهم، وهو الذي يفسّر حسرتهم الدائمة على «الماضي الجميل» وقلقهم من «الحاضر المخيف»!
كان كل شيء يدعو إلى السلام والمحبة والتعاون، حتى مجلات الأطفال والمسلسلات الكرتونية التي كانت دائماً ما تحتوي قصصاً تمتلك الكثير من العبر والأخلاق الكريمة، بعيداً عن العنف الحالي والمسلسلات الكرتونية التي لا تهدف إلا لإضاعة الوقت، إذ لا تحوي قصةً ولا تدعو لسلوكٍ سوي!
واليوم ومع وجود جميع المقومات التي كان من المفترض أن تشكّل دافعاً جديداً للارتقاء بالبشرية باعتبارها وسائل جبارة ومفيدة، صار طعم الحياة مختلفاً، فاستخدام التكنولوجيا صار هو سيّد المائدة، وسيد التجمعات العائلية، وسيد التعليم وسيد التواصل، ما أدى إلى تواصل أقل؛ فالهاتف المحمول يكاد لا يبارح أيدي الجميع في كل وقت، فقل التواصل المباشر بين الناس، واعتمدوا على الرسائل التي ترسل كل صباح أو مساء، حتى صار بعض أفراد البيت الواحد لا يتخاطبون إلا من خلالها على رغم أن الفاصل بينهم جدار أو مقعد واحد. والمسلسلات الكرتونية صارت مقلقةً جداً؛ إذ لا يكاد يخلو واحدٌ منها من سلوك أو خلق أو معلومة أو هدف يقضي على كلّ ما أراد الوالدان تعليمه طفلهما. وعلاقات الأفراد ببعضهم تغيّرت تغيّراً نحو الأسوأ؛ فبات الجار عدواً لجاره، والأخ محارباً لأخيه، والصديق هو أول من يطعن صديقه فيما فضّل بعض أولياء الأمور المكوث خارج البيت على الجلوس مع أهاليهم، لتتفكّك الأسر وتختل العلاقات إلا من رحمهم الله.
لستُ ضد التطور أو التكنولوجيا، ولستُ متشائمةً أبداً، ولا أعمّم ما ورد أعلاه على جميع الأخوة أو الجيران أو الأصدقاء؛ إذ أعرف تماماً أن « الدنيا مازلت بخير»، وأن هناك كثيرين يمتلكون قلوباً بيضاء وأرواحاً من ذهب، لكنني أتحدّث عن أحد الهموم التي تطرح كثيراً في كثير من المجالس، من خلال المواقف التي تدور من حولنا، حتى بتُّ أتساءل كما يسأل بعض المقربين من حولي: لماذا كبرنا سريعاً؟
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4226 - الأربعاء 02 أبريل 2014م الموافق 02 جمادى الآخرة 1435هـ
الدنيا مازلت بخير
الكبر شين حين ننضّر للاكاس نص فارغ بينما اعتباره نص مليان فهو كبرلا يمكن ان يقبل بالسلبيات
صحيح
في كل منا طفل صغير لم تخدش قلبه مشاعر الحقد والخبث لكن الكثير اليوم قتل هذا الطفل بالكراهية والضغائن
فعلا كبرنا بسرعة
احد ا الرؤساء الامريكين لا اذكر اسمه قال ان العالم عمره 80 سنة كان يعني التقدم والتكنلوجيا الذي الآن يوميا تتغير اشكال الكامليات والضرويات 2014-100سنة عمر دخول السيارة في البحرين = 1914سنة ماذا فعل البشر من تكنلوجيا
كبرنا سريعاً نعم
كانت الايام جميلة جداً في السابق وكنا نتسابق في خدمة بعضنا البعض والبساطة كانت عنوان حياتنا فكنا سعداء ومرتاحين لاننا كنا نعرف ان غدا سيكون اجمل حين نكبر وحين كبرنا تمنينا الرجوع للطفولة والماضي
دخلتيني عالم جميل
كنا اشم الروائح وانل اقرا مفالش واشوم المسلسلات الكرتونية وانتين تتكلمين عنها وتذكرت هواشي ويه اختي على ثيابنا وعطورنل
شكرا للمشاعر الجميلة اللي عيشتينا فيها اليوم