كل دول منطقتنا تصنف في خانة الدول الأقل نمواً (دول العالم الثالث)، مقابل الدول المتقدمة والدول النامية، ليس من الجانب الاقتصادي فقط وإنما أيضاً من مختلف أبعاد التنمية الإنسانية. ووضع هذه الدول يزداد تخلفاً مع مرور الزمن، بينما تتطور وتتقدم الدول والمجتمعات الأخرى في مختلف المجالات.
الأخذ بسنن وأسباب التقدم والنجاح هو ما يقود إلى تحقيق الأهداف المرجوة بعيداً عن طبيعة المجتمعات ومدى توفر الإمكانات، أما تجاهل هذه الأسباب والنواميس الطبيعية فيقود بالطبع إلى مزيد من الفشل والتراجع والتخلف.
هم تقدموا لأنهم اعتمدوا على التخطيط الاستراتيجي المستند على تحديد التوجهات ومعرفة الإمكانات وبلورة الرؤى المناسبة، وتخلّفنا بسبب سيادة حالة الارتجالية والفوضى في اتخاذ القرارات المتعارضة والمتناقضة في أحيان كثيرة، بما ينعكس بالطبع على أداء مختلف الأجهزة والمؤسسات. وتقدّمت هذه الدول بسبب وجود هياكل تنظيمية سياسية وآليات واضحة في تدوير المناصب السيادية فيها، وشعور كل مسئول بأنه مهما علا موقعه فهو مسئول بتقديم أفضل ما لديه لمجتمعه فترة عمله، بينما لدينا يغيب الشعور بالمسئولية لدى معظم من يتقلّد المنصب ويتصرف وكأنه باقٍ إلى الأبد في موقعه.
لديهم هناك آليات مؤسساتية للرقابة والمحاسبة والمتابعة، تجعل من كلّ من يتولى مسئولية في الدولة محاسباً أمامها عن أي تقصير أو تجاهل، ومطالَباً بتأدية المهام الموكلة إليه، وفي الدول الأقل نمواً تغيب الرقابة الجادة ويتصرف كل مسئول بعيداً عن أية محاسبة جادة.
في الدول المتقدمة يهتمون بإشراك المجتمع بأجمعه في كل القرارات والبرامج والخطط بصورة فعالة حتى يكون له دورٌ في المشاركة في صنع القرار، وفي دول التخلف لا توجد أية صورة من صور المشاركة الفعّالة للمواطن، بل يعتبر أن الحكومة بمفردها صاحبة الرأي والقرار.
لديهم قانونٌ يطبّق ويسود على الجميع دون أي استثناء وفي مختلف المجالات، وبالتالي كل فرد يخضع لهذا القانون ويلتزم به، ولدينا يطبق القانون إن وُجد على الضعفاء من الناس، بينما المتنفّذون هم في منأى عن أي قانون.
يعترفون بالفروقات والتمايز بين مكوّنات مجتمعاتهم، ويضعون تنظيمات واضحة لتنمية هويتهم الجامعة وتعزيز العلاقة بين هذه المكونات المختلفة، بينما المجتمعات المتخلفة يسودها التمييز والتفرقة والعصبية والعنصرية دون أي ضابط أو نظام يحكم هذه العلاقات.
أطلقوا العنان لحرية التعبير والفكر في مختلف أبعاده، فنتج عن ذلك التقدّمُ العلمي والإبداعُ والتطوير المستمر، بينما قُيّدت الحريات في المجتمعات العربية وقُمعت الأفكار، ما أدى إلى قتل الإبداع والارتماء في أحضان الخرافة والجهل.
المجتمعات المتقدمة أعطت مكانةً وتقديراً للإنسان واعتبرته أساس التنمية والتقدم واحترمت خياراته وحقوقه، وشكّلت مؤسسات تُعنى بحمايتها، لكن في المجتمعات الأقل نمواً يأتي الإنسان وحقوقه في آخر سلم الأولويات.
ما لم تتغيّر بوصلة التفكير ومنهجيته وأساليب العمل وطرقه، وتتجه نحو التخطيط الاستراتيجي السليم والبناء الحقيقي للمؤسسات المستقلة والفعالة، وتُضمن الحريات وحقوق الإنسان، وتفعّل آليات الرقابة والمحاسبة، ستظل مجتمعاتنا في منطقة التخلف، ونموها سيبقى الأقل، وعالمها سيكون الأدنى من الثالث.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 4226 - الأربعاء 02 أبريل 2014م الموافق 02 جمادى الآخرة 1435هـ
كلام واف
أودّ ان اذكر واقعة كدليل علي ما ذهب اليه الكاتب الموقر. في لقاء صحفي روتيني لرئيس دولة عربية قبل السفر الي الولايات المتحدة، سأل القائد من الصحفي الامريكي : حول ماذا أتكلم مع رئيس امريكا؟ رد الصحفي: كلمه كما تشاء و حول اي موضوع تشاء. سأل القائد: كيف ذلك؟ رد الصحفي: الرئيس في امريكا لا يملك صلاحياتك. انت تهب الاراضي و المال لمن تشاء. تغير الأوضاع كلما رغبت. تسجن و تبعد و تقرب من تريد. تغير الميزانية حسب ميلك. الرئيس في امريكا لا يتمكن من فعل اي من هذه الامور.