قالت مديرة برنامج الإعاقة الذهنية والتوحد بكلية الدراسات العليا بجامعة الخليج العربي خوله أحمد الحوامده أن اضطراب التوحد هو اضطراب نمائي يؤثر بشكل كبير على نمو الأطفال وتوافقهم النفسي والاجتماعي، وهو يصيب الأطفال قبل أن تبلغ أعمارهم الزمنية السنة الثالثة، وتظهر أعراضه في ثلاثة مجالات رئيسية، هي ضعف القدرة على التفاعل الاجتماعي، وظهور سلوكيات نمطية بشكل متكرر، وضعف القدرة على التواصل.
وفي سياق الاحتفال باليوم العالمي للتوحد، أشارت الحوامده إلى ارتفاع معدلات انتشار اضطراب التوحد بشكل كبير خلال الثلاثين عاماً الماضية، وتعزى زيادة معدلات الانتشار إلى وضوح معايير التشخيص المستخدمة، وزيادة الوعي باضطراب التوحد وأطيافه وتوفر عدد كبير من أساليب التقييم الصادقة في الوقت الحاضر.
وتشير الدراسات الحديثة إلى أن هذا الاضطراب يصيب ما بين 30 ـ 121 حالة لكل 10,000 طفل، وأن نسبة انتشاره لدى الذكور أعلى منها لدى الإناث حيث تبلغ النسبة واحد من الإناث مقابل ستة من الذكور، فيما تشير الدراسات التي أجريت أخيرا أن نسبة الانتشار لا ترتبط بلون أو عرق أو بلد.
وأوضحت الحوامده أن هناك أكثر من سبب أو عدة أسباب مجتمعة مسببة لهذا الاضطراب، فهناك أسباب بيولوجية، حيث يعزى التوحد في النموذج إلى حدوث اضطراب عصبي، مما يعني أن حدوث خلل في الجهاز العصبي المركزي قد يُنتج طفل مصاب بالتوحد، وهناك أسباب وراثية نتيجة انتقال الصفات الوراثية عن طريق الكروموسومات المصابة بالخلل أو الحاملة للجين المسئول عن الإصابة باضطراب التوحد، وهناك أسباب بيوكيميائية، إذ يسبب الاختلاف في التركيبة الكيميائية للدماغ حدوث خلل بين الخلايا العصبية الدماغية والجهاز العصبي المركزي فتتأثر النواقل العصبية في سرعة الاستجابة أو عدم تقدير هذه الرسائل العصبية لحدوث رد فعل مناسب، وهذا يفسر سبب ردود أفعال الأطفال ذوي اضطراب التوحد بحساسية مفرطة تجاه بعض المؤثرات أو عدم شعورهم بالألم أو البرد.
إلى ذلك، هناك أسباب تتعلق بفترة الحمل والولادة، مثل إصابة الأم بالحصبة الألمانية، أو اختناق الطفل أثناء عملية الولادة ونقص الأكسجين، بالإضافة إلى أسباب تتعلق في التمثيل الغذائي، وأسباب تتعلق بالتلوث البيئي والتطعيم، وقالت: "التوحد قد يحدث بعد الولادة نتيجة لضعف مناعة الطفل وتعرضه للتلوث البيئي أو نتيجة حقنة بتطعيمات وفشل جهازه المناعي أو سبب سوء التغذية والجفاف الذي يتعرض له الطفل بعد الولادة، وهناك من يفسر حدوث الاضطراب بأسباب نفسية معرفية تتعلق بعدم اكتمال نمو الأفكار بشكل يواكب النمو الطبيعي لمختلف النظم المعرفية التي تنمو بشكل طبيعي".
وأكدت الحوامده عدم وجود طريقة أو دواء بمفرده يساعد في علاج حالات التوحد؛ فلا يوجد عقار محدد أو فيتامين أو نظام غذائي معين، لكن هناك مجموعة من الحلول الفعّالة في علاج الأعراض والسلوك التي تمنع من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي وهو علاج ثلاثي الأبعاد، نفسي واجتماعي ودوائي، وهناك بعض العقاقير المستخدمة في علاج اضطرابات أخرى تأتي بنتيجة إيجابية في بعض الأحيان في علاج بعضاً من السلوك المتصل بالتوحد، مبينيه أن التغيير في النظام الغذائي والاستعانة ببعض الفيتامينات والمعادن يساعد كثيراً، ومنها فيتامينات B12 & B6، وكذلك فإن استبعاد الجلتين والكازين من النظام الغذائي للطفل يساعد على هضم أفضل واستجابة شعورية في التفاعل مع الآخرين.
على الصعيد ذاته، أشارت الدراسات إلى استجابة معظم الأشخاص ذوي اضطراب التوحد بشكل جيد للبرامج القائمة على البنى الثابتة والمتوقعة (مثل الأعمال اليومية المتكررة والتي تعود عليها الطفل) والتعليم المصمم على الاحتياجات الفردية لكل طفل، وبرامج العلاج السلوكي والبرامج التي تشتمل على علاج اللغة وتنمية المهارات الاجتماعية والتغلب على أي مشكلات حسية، ويجب أن تدار هذه البرامج من قبل أخصائيين مدربين بشكل جيد وأن تكون الخدمة مرنة تتغير بتغير حالة الطفل، وأن تعتمد على تشجيع الطفل وتقييمها بشكل منتظم ويجب عدم إغفال دور الوالدين وضرورة تدريبهم للمساعدة وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي لهم.
وفي الغالب يعاني التوحديون من عدم القدرة على التواصل البصري ويواجهون مشكلات في اللعب وصعوبة في فهم مشاعر الآخرين وعدم القدرة على تكوين صداقات والاحتفاظ بها، فيما يعانون من صعوبات في التواصل كعدم تطور الكلام بشكل كلي والاستعاضة عنه بالإشارة، وفي الخصائص المعرفية يظهر أكثر من 70% منهم قدرات عقلية متدنية تصل إلى حدود الإعاقة الذهنية، و10% يظهرون قدرات مرتفعة في جوانب محددة مثل الذاكرة، الحساب، الموسيقى والرسم.