العدد 2461 - الثلثاء 02 يونيو 2009م الموافق 08 جمادى الآخرة 1430هـ

تقاليد السلام الإندونيسية تعمل في بوسو

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

عندما يفكر معظم الإندونيسيين في بوسو، وهي بلدة تقع شرقي إندونيسيا اشتهرت في وقت ما بالكاكاو، فإنهم يستذكرون النزاع الديني بين المسيحيين والمسلمين، الذي يُعتقد أنه بدأ نتيجة لاقتتال بين شابين من طائفتين مختلفتين أثناء شهر رمضان الكريم. لم ينتج عن النزاع الذي تلا ذلك آلاف الضحايا والمنازل وأماكن العبادة فحسب، وإنما أعاق ذلك تطور المدينة وعاد بالأذى على تقاليدها المحلية وممارسات التعايش والتسامح عبر الثقافات.

بذلت الحكومة جهودا مختلفة لوقف النزاع، بما في ذلك تيسير لقاء في العام 2001 بين الزعماء الدينيين المسيحيين والمسلمين في مالينو، وهي بلدة في جنوب مقاطعة سلاويزي، انتهى بتوقيع معاهدة مالينو للسلام في 21 ديسمبر/ كانون الأول. اتفقت الوفود المسيحية والمسلمة في هذه المعاهدة على وقف الاقتتال ورعاية جو من التعايش الديني. ورغم أن ذلك لم ينهِ العنف بشكل كامل، إلا أنه ساعد على الحد من عقلية العصابات التي تميزت بها المراحل الأولى للنزاع.

منذ ذلك الحين، ورغم بعض الأحداث المتفرقة من العنف، قام سكان بوسو بعدة مبادرات لإعادة السلام والتلاحم بين المجتمعات المتنازعة. سنحت لي الفرصة أثناء رحلة بحوث إلى بوسو في بداية العام 2009 لأراقب بعض هذه المبادرات.

قام الزعماء المسيحيون والمسلمون المحليون بإعادة التواصل بينهم وبين أتباعهم، فأعادوا فتح الأسواق التقليدية التي يمكن لأتباع المجتمعات المحلية المختلفة أن يختلطوا فيها لإجراء معاملاتهم التجارية، وقاموا بمساعدة اللاجئين من مختلف الطوائف الدينية على العودة إلى بيوتهم، وشجعوا أعضاء المجتمعات المحلية جميعها على إعادة بناء أحيائهم، بما فيها المدارس والمرافق الصحية العامة.

كذلك شارك سكان بوسو بشكل إيجابي في نشاطات مثل مباريات كرة القدم وكرة الطائرة. وكجزء من «رحلة تسامح وتسوية» قامت مجموعة من النساء من أحياء مسيحية ومسلمة معا بزيارة منازل وأماكن عبادة دُمِّرت أثناء النزاع. رأت المجموعتان على الطبيعة مشكلات وشكاوي الطرف الآخر وأدرك أعضاؤهما أنهم تضرروا بشكل مماثل نتيجة للنزاع.

لقد أعيد السلام بشكل كامل تقريبا إلى بوسو، وتحسنت العلاقات بين الأديان بشكل ملحوظ. أصبح باستطاعة الناس القيام بنشاطاتهم اليومية كالذهاب إلى العمل والأسواق، دون خوف من الوقوع في دوامة عنف الماضي. كذلك تم إنشاء منبر لتيسير التواصل بين المجتمعات الدينية، ووافقت هذه المجموعات في بعض المناطق على إيقاف نشاطاتها أثناء المناسبات والشعائرالدينية، مثل قداس يوم الأحد أو صلاة الجمعة. الأهم من ذلك أن الناس أصبحوا أقل عرضة لأن يردّوا بالعنف على الأحداث المحرّضة، مثل الانفجارات الصغيرة التي تقع أحيانا.

إلا أن جراحات النزاع ما زالت بحاجة لأن تندمل، ويخاف البعض من أن مجموعات معينة تحاول استغلال وضع ما بعد العنف المتوتر. نتيجة لذلك هناك حاجة لمزيد من الخطوات للحفاظ على العلاقات السلمية وتحسينها وعلى التكامل الاجتماعي.

تحتاج ثقافة التسامح النشط بين المجموعات المختلفة لأن يتم إعادة تنشيطها كأساس لتكامل أقوى لا تدرك فيه جميع الأطراف شرعية وجهات نظر الطرف الآخر فحسب وإنما تحترمها كذلك.

يمكن تنفيذ جهود تنمية هذا النوع من التسامح وتشجيع التكامل بين المجتمعات المحلية من خلال تنشيط المفاهيم السائدة في بوسو، مثل العمل معا ومساعدة الآخرين والمسئولية الاجتماعية والشفافية والوعي الاجتماعي. كذلك يجب إعادة إحياء وتشجيع أداء الممارسات الثقافية المحلية مثل رقصة الديرو التقليدية التي تجمع الرجال والنساء من خلفيات عرقية ودينية مختلفة ليرقصوا وهم ممسكون بأيدي بعضهم بعضا.

جرت محاكمة بعض الذين شاركوا في أعمال العنف والحكم عليهم. إلا أنه يتوجب على الحكومة العمل بصرامة أكبر للحفاظ على القانون بشكل متساوٍ، حتى لا يشعر أحد بأن الحكومة تستهدف البعض كضحايا وتحمي الآخرين. يجب أن تمتد هذه الحيادية إلى كل السياسات الحكومية المتعلقة ببوسو، بناء على مبادئ الحاكمية الرشيدة والشفافية والتزام بتجنب واستئصال الفساد وتفضيل الأقارب.

يمكن لبرامج تمكين المجتمعات المحلية المتعلقة بالمجتمعين أن تمكّن الأفراد والمجموعات لتجتمع معا وتتعاون من أجل المصلحة العامة. تساعد عمليات بناء الطرق وأماكن القيادة والمرافق العامة وتنظيم نشاطات تطوير الأعمال، عندما يتم القيام بها بشكل جماعي، على تمتين عرى الصداقة التي تراخت نتيجة للنزاع.

سوف يحتاج الحفاظ على السلام الذي كان يزدهر في بوسو، في نهاية المطاف، إلى أكثر من مجرد غياب العنف. إلا أن بناء التسامح ورعاية الرغبة والنية للتعاون سوف يمكّن جميع السكان من التمتع بالازدهار والحرية والعدالة معا.

*باحث في مركز دراسة الدين والثقافة بجامعة سياريف هداية الله الإسلامية بجاكرتا، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2461 - الثلثاء 02 يونيو 2009م الموافق 08 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً