من بعد السلطات العربية الحاكمة، في حال استبدادها وتسلطها على رقاب الناس، هناك من الأبجديات التي يتناولها الأفراد العابثون، المنسلخون عن الانتماء المجتمعي، للبحث عن مواقع التسيُّد والتمصلح الذاتي، في الدروب المخملية، عبر تسلق أكتاف الآخرين.
وتتجذّر هذه الأبجديات، في ممارسات صنفين من الناس، أولهما أولئك المتلبسون لباس الإسلام والتطيّف المذهبي المعادي للآخر، وثانيهما المتلبسون لباس الثقافة، من فوق أجساد وأدمغة الخنوع لما هو قائم، والإستعداد الدائم للتأقلم الخانع أيضاً مع أي قادم، بمعنى الإستسلام وعناد التغيير، وكلا الإثنين يأتون الفعل الطائفي التفريقي بين المواطنين، سواءً بالحضِّ عليه كما للصنف الأول، أو بترسيخ صور تضخيم واقعه، كما للصنف الثاني، وفعل كلاهما عبر علمٍ منهم ودراية، ومقصد وغاية، من خلال استغلال سوء استخدام التنوع الديني، والتفرع المذهبي لكل دين، وكذلك أمراض الإنتماءات العرقية والعائلية.
وكلاهما، المتلبس بالدين والمتلبس بالثقافة، يسعى لمصلحة ذاتية، سواء من أموال، كما في حال الفريق الأول، تدفعها له السلطات المحلية أو الإقليمية، أو الجهات ذات المصلحة هنا وهناك، لقاء خدمات ينجزها المعني استجابةً للأوامر، وربما يماهي الفعل المطلوب، لما في نفسه المريضة بالطائفية، أو كما هي للفريق الثاني، الاستفادة المادية الاستثمارية، والوجاهة الإجتماعية، مقابل أداء أدوار معلومة الكيان والزمان والمكان، بما يُهوِّل ويضخّم المظاهر الافتراضية للفرقة والطائفية، المثيرة للمخاوف المجتمعية، من بعد التيقن الأكيد، بأنها داخل نطاق عدم خروجها عن السيطرة، لأن في غير ذلك إضراره قبل غيره.
الصنف الأول، من متلبّسي الإسلام، عادةً ما يأتون من خارج نطاق أهل العلم الراسخ في الدين، وإن حصل في ندرة منهم في فرد أو إثنين، فإنما يأتون من بعد بيعهم لدينهم وآخرتهم ببخس دنياهم، وبخشيتهم من السلطان فهم يوالونه، ليمتطيهم لمآربه، وهم بذلك راضون وله مستقرون، وبنعم عطاياه مستطيبون. وهناك منهم، مَن يأخذه جنون العظمة ليعتلي كرسي أمير المؤمنين، ويصرخ أنا أميركم، ولي عليكم الطاعة، ليجد من مرضى النفوس قلةً يمتثلون أمره، على قدر ما تنفق يمينه وشماله، مما حظى به من سلطان أخنعه.
ومنهم من يتلبس الإسلام على خاتمة سني حياته المليئة بالآثام وسرقة المال الحرام، ليجد قلةً من التابعين له، من الأميين فهماً أو الأميين قراءة وكتابة، بما يكفي أيضاً ما يبذل لهم من مال، مما جمعه في سابق عصر ضلاله، ومن ما يحوزه في حاضر أيامه، لقاء إظهار نفسه وتابعيه، بما يريد منهم الأسياد الحاكمون.
فبذل المال على من ألُفَ أن يطلبه، يجعله تابعاً خشية فقده، وهؤلاء مهما اجتمعوا فهم قلة، نسبة لغالب تعداد المواطنين في جمعهم، وغالبهم بقبول بعضهم في تفرعهم، وهم ليسوا محسوبين على أهل العلم، فتجد لفظهم مغلوطاً في النص الديني، وفي اللغة وفي النحو وفي التاريخ. وترى فعلهم يخرجهم من الملة والإنسانية، فأي مسلمٍ أو إنسانٍ هذا الذي يقطع رزقاً، ويجوِّع جاراً، ويهدر دمه، ويمسّ عرضه، فقط لأنه على غير دينه أو مذهبه. وأي مسلم أو إنسان، ذاك الذي يرقص على آلام الآخرين، ويرتضي لهم ظلماً فقط لأنه لم يمسَّه في لحظته، ولا حول ولا قوة لمن هم محسوبون على الأمة رجال دين، وهم صامتون عن قولِ وفعلِ هؤلاء، بما استبد عليهم الحاكم في حكمه.
والصنف الثاني، هم المثقفون السياسيون، الذين يرون واقع الحال، وهم الأقدر على تشخيص الوضع والواقع، ولكنهم نواعم، لذا ينأون بأنفسهم عن كل ما يخدش تلك النعومة، فيختبئون خلف الشعارات الرنّانة، التي تدغدغ مشاعر العامة من الناس، من خلال مفرداتها المناهضة للطائفية مثلاً، أو الحاضّة على الوحدة الوطنية، التي تصح نظرياً، ولكن لا درب لها في دروب الحراكات الشعبية، سوى ما يحقق لهؤلاء من الوجاهة اللحظية في المحافل، أو من الاستفادة الشخصية، توازياً مع ما يبدو أنه تسهيل للعامة لممارسة ما تم دعوتهم لإتيانه، فسترى مثل أولئك «الهرّارين» السياسيين، يتقافزون هنا وهناك بالمواقف وفي المحافل. وتتكرّر الوجوه والأسماء من محفل إلى محفل، ومن نداء إلى نداء، بما يبرزهم عالياً عن مستوى العامة.
وهناك من المثقفين في غير السياسة، من أولئك الذين وجدوا في السلطات حاضنة لهم، تمدّهم بالدفء المالي، وخصوصاً مدّعي الليبرالية والعلمانية، وهم ما وعوا من تلك المفردتين سوى قشورها، فتراهم يكفّرون في السياسة كل ديني، وفي ذات الوقت ينحازون عملياً لدين أو مذهب طائفتهم، وخصوصاً عندما تكون طائفتهم هي الغالبة في الحكم.
وهناك قلةٌ من الدينيين أيضاً، الذين يتجاملون مع أبناء الطائفة الأخرى، تظاهراً بمعايير المساواة المواطنية التي يتبنونها، وفي لحظة حوار خلافي مذهبي، تراهم يشهرون بذاءة اللسان والسلاح ضد الطائفة الأخرى، فشتان ما بين المواطن الممارس السياسي، وبين «الهرّار السياسي».
إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"العدد 4222 - السبت 29 مارس 2014م الموافق 28 جمادى الأولى 1435هـ
هرار سياسي
مع احترامي لشخصك وتقديرا لكتاباتك .. ارجو منك ان تبحث عن اصل جملة "هرار سياسي" ولماذا اطلقو هذه الجملة؟ والقصد منها. شكرا
لا فض فوك
أنا أحد المعجبين بقلمك الحر المتمثل في نزاهتك يا ابن المحرق الشماء. وما أعجبني في مقالك هذا اليوم هو الجملة الأخيرة "شتان ما بين المواطن الممارس, وبين . ما أقوله هو وفقك الله لخدمة وطنك سوءا من خلال قلمك الحر أو من خلال عملك. محرقي أصلي
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
خطايا غاندي السبع :سياسة من دون مبادئ، ثروة من دون عمل، لذة من دون ضمير، معرفة من دون سلوك، تجارة من دون أخلاق، علوم من دون إنسانية، وعبادة من دون تضحية
و هناك التكفيريون
تكفيري يظن أنَّ كل الشيعة مجوس روافض ؛ و تكفيري يظن أنَّ كل السنة أنجاس نواصب!
المتلبسين بالدين أكثر الناس استخداما للبس الحق بالباطل
حين يطل عليك رجل دين وبمستوى ترى فيه انه قد بلغ درجة تجعل البعض يثق به ثم ما يلبث هذا الرجل من استغلال ثقة الناس فيه ليقوم بتلبس الحق بالباطل هنا تكون الطامة فهذا الرجل ليس هو لوحده ضالا وانما يضل من ورائه خلق كثير يكون بعض وزرهم على ظهره وقد رأينا كيف روّج البعض في بحريننا هذه الى افتراءات وفبركات وكذبات كبيرة من اجل اشعال الفتنة الطائفية والحمد لله بوعي الشعب لم يفلحوا في جر البلد لهذه الفتنة
من يزيدون النار اشتعالا
هذه الفئة من أشباه البشر ممن يزيدون النار اشتعالا وهم لا يقومون بذلك عبثاً بل تسلموا مقابل أفعالهم نقدا مقدماً ومؤخراً فأحيانا المال يعمي القلوب والنفوس وحب الدنيا يطغي على حب الآخرة لقد أصبح المال والجاه شغلهم الشاغل وما هم الا أدوات مؤقتة لإشعال الفتنة بمختلف اتجاهاتهم وسيأتي اليوم الذي ينتهي فيه دورهم لان دوام الحال محال ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ولك كل التحية يا أستاذنا يا صوت الحق
دروس ثقافية
مقالك يا استاذنا الفاضل درس من دروس الثقافة الحياتيه لقد كفيت و وفيت ووضعت النقاط على الحروف وعلى الذين يرون في انفسهم حاجة للعلاج من الامراض النفسيه ان لا يترددوا بالاستفادة من المقال
أيها الحر شكراً
قرأت المقال وتقافزت أمام ناظري الأسماء بصورة ثلاثية الأبعاد بحيث لا تحتمل اللبس وإن لم تصرح بالأسماء وهذا لعمري من تشبع عقولنا بهؤلاء لأكثر من 3 سنوات حتى صارت روائحهم تزكم الأنوف.
سيد يا ابن سيادي
سلمت يداك المرهفات
تحليل منطقي
شكرا أخي يعقوب على تحليلك المنطقي الذي للاسف معروف لاكثر الناس في البحرين