العدد 4221 - الجمعة 28 مارس 2014م الموافق 27 جمادى الأولى 1435هـ

البحرين في الحقبة الإسلامية المبكرة: بناء النموذج

من خلال ما قدمناه في الفصول السابقة يظهر أن أقدم آثار لمبانٍ أثرية عثر عليها في البحرين كانت في عددٍ من المواقع في جزيرة المحرق؛ ما يدل على وجود استيطان على جزيرة المحرق والذي يبدأ من حقبة قبل الإسلام، غير أن غالبية تلك المواقع تعود للقرنين السابع والثامن الميلاديين، ومنها ما يشير للاستيطان في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين (Carter and Naranjo-Santana 2011, pp. 39-40)، بينما، على جزيرة البحرين الكبرى، فقد عثر على آثار إسلامية يعود أقدمها للقرن الثامن الميلادي. هذا، ولم يتم تحديد سنة محددة في القرن الثامن، إلا أن البعض يحدد أن هذه الآثار تعود لمنتصف القرن الثامن أي قرابة 750م (Sasaki et. al. 2011). هذه الآثار تمثل بقايا لثلاث قرى تأسست في هذه الفترة، وتقع في البلاد القديم وباربار، وقد تأسست هذه المناطق قرابة 750م ثم توسعت في القرن التاسع، وقد تأثرت بالفن المعماري السامرائي. ويبقى السؤال، لماذا منتصف القرن الثامن؟ ما هي التغيرات التي حدثت قبل وبعد هذا التاريخ؟.

قبل العام 750م

بعد الفتوح الإسلامية في العراق وتمصير البصرة، أخذت البحرين بالاضمحلال التدريجي كمركز تجاري؛ حيث أخذت مكانها البصرة، والتي أصبحت، أيضاً، بديلة البحرين كقاعدة للفتوحات الإسلامية في بلاد فارس (حياوي والخزرجي 2011). وقد أدى ذلك إلى ضعف قبيلة عبدالقيس، التي تمثل القيادة السياسية في البحرين، بعد أن تفرق أبناؤها، وتشتتت كلمتهم، وتشتتت أهواؤهم وميولهم السياسية؛ وبذلك ضعفت القبيلة ككيان سياسي. وبعد حقبة الخلفاء الراشدين، أصبحت البحرين مسرحاً نشطاً للانتفاضات وحركات التمرد ضد الدولة الأموية. وقد انقسمت قبيلة عبدالقيس إلى عدة تيارات منها الموالية ومنها المعادية للدولة الأموية. وقد التحق التيار المعارض مع ركب المعارضين للدولة الأموية من أي مذهب. فمنهم من التحق بحركة عبدالرحمن بن الأشعث الكندي (81 - 83 هـ / 700 - 702م) القائد الأموي الذي تمرد على الأمويين، ومن هؤلاء بشر بن المنذر بن الجارود والحكم بن مخرمة العبدي. وأما الجزء الآخر فنجده ضمن صفوف الخوارج الأزارقة، ومن هؤلاء شعراء عبديون منهم: أبوالحديد العبدي، وصالح بن مخراق، والحارث بن كعب الشني، وداود بن عقبة، وزياد الأعسم (المعيني 2002، ص 6).

وهناك قسم ثالث ثار في البحرين ونتجت عنه سلسلة من الانتفاضات مثلتها قيادات من عبدالقيس وهم: بنومحارب بن عمرو بن وديعة، وريان النكري، وداود بن محرز بن عبدالقيس، ومسعود بن أبي زينب المحاربي، وسعيد المحاربي (الملا 2002، ص 87 - 89).

نلاحظ هنا كثرة الانتفاضات وحركات التمرد، وهي تأتي بصورة متتالية، فكلما أخمدت انتفاضة ظهرت أخرى. ويرجع عبدالرحمن عثمان الملا سبب تتابع هذه الحركات إلى طريقة تعاطي السلطة السياسية للدولة الأموية مع هذه الحركات، فيقول في كتابه «تاريخ الحركات الفكرية»:

«تلك الحركات إذا حدثت لم تكن تُعالج بالأسباب السلمية التي تزيل أسباب قيامها وتمنع تكرر حدوثها، وهي إزالة المظالم وإشاعة العدل وتوفير الحياة الكريمة لجميع الناس، بل الذي كان يحدث عكس ذلك تماماً فكانت الجيوش التي توجه لقمع حركات التمرد تعمد في حال انتصارها على تلك الحركات إلى أفظع وسائل التنكيل والبطش والأعمال الانتقامية والتخريبية كالقتل دون تمييز، وأخذ البريء بجريرة المذنب، وهدم المنازل وحرق المحاصيل الزراعية وطم الآبار إلى غير ذلك من الأسباب القمعية الوحشية التي تزيد مرارة الناس، وتعمق جراحاتهم وتجعلهم جاهزين للقيام بالأعمال الانتقامية كلما وجدو الفرصة المواتية لذلك» (الملا 1994، ص 106).

بعد العام 750م

لم تتوقف حركات التمرد والانتفاضات في البحرين، التي أصبحت مركزاً لعددٍ من حركات التمرد، وحتى بعد أن سقطت الدولة الأموية في قرابة العام 749م. فعندما تولى الخلافة أبوجعفر المنصور (754م – 775م)، ظهرت انتفاضة عارمة في البحرين بقيادة «سليمان بن حكيم العبدي» وذلك قرابة العام 769م. ولم يختلف أسلوب الدولة العباسية عن أسلوب الدولة الأموية في التعاطي مع الانتفاضات؛ حيث بادر «المنصور إلى إعداد جيش وجهه إلى البحرين بقيادة «عقبة بن سلمة الأزدي» والي البصرة، فالتقى الفريقان ودارت بينهما معركة حامية الوطيس تمكن فيها الجيش العباسي من إلحاق الهزيمة بالمتمردين وقتل زعيمهم. ولم يكتف القائد العباسي بإخماد تلك الانتفاضة فقد ارتكب من أعمال العنف والوحشية ما لا يجوز فعله مع أشد الأعداء، إذ قتل كل من قدر على قتله من الرجال وسبى النساء والأطفال وأسر كثيراً من أهل البلاد ونقلهم إلى بغداد وتركهم «للمنصور» يتحكم فيهم كما شاء له هواه، فقتل بعضهم ووهب آخرين لرجال حاشيته كولي عهده «المهدي» (الملا 1994، ص 109).

إلا أن المهدي كان أكثر حنكة في التعاطي مع المتمردين حيث «قام بإطلاق سراحهم وتكريمهم في محاولة للتخفيف من آثار الممارسات الفظيعة لجيش المنصور مع أهل البحرين» (الملا 1994، ص 109).

بعد انتفاضة سليمان العبدي لم يسمع بانتفاضة أخرى، وحدث نوع من التفاهم السياسي الضمني بين البحرين والدولة العباسية، ودخلت البحرين في حالة من الاستقلال السياسي، وظلت السلطة العباسية، في الفترات اللاحقة، اسمية فقط، ولم يكن للعباسيين هدف سوى تأمين الملاحة البحرية عبر الخليج العربي (حياوي والخزرجي 2011).

وكلما حاولت الدولة العباسية الضغط سياسياً على البحرين، تبدأ الأخيرة بالتمرد. وآخر حركات التمرد تلك قادها «سيف بن بكير العبدي» في العام 806م. وهكذا استمرت قبيلة عبدالقيس وسائر قبائل البحرين تمارس انتفاضاتها وضغوطها على السلطة العباسية حتى تمكنت في نهاية المطاف من رفع يد العباسيين عن بلادهم، فمسكت مقاليد السلطة فيها إمارات من عبدالقيس ظلت تتوارث الحكم كابراً عن كابر حتى تم القضاء عليها في العقد التاسع من القرن الثالث الهجري (قرابة 900م) عندما سيطر القرامطة على البحرين (الملا 2002، ص 91).

الخلاصة

مما سبق يلاحظ أن البحرين تمتعت باستقرار سياسي واستقلال ذاتي نسبي منذ النصف الثاني للقرن الثامن حتى بداية القرن العاشر وهي الحقبة التي تأسست فيها القرى الإسلامية في البحرين وأخذت بالتطور والازدهار. ويلاحظ، أيضاً، أن البحرين لم تتأثر بحركات التمرد التي لا تعود عليها بالاستقرار؛ حيث فشلت فيها دعوة صاحب الزنج، ولم يتبعه إلا نفر قليل. وقد انتهى عهد الاستقلال النسبي في البحرين بعد ظهور القرامطة فيها. فما هي التطورات التي حدثت في البحرين؟ هذا ما سوف نناقشه في الحلقات القادمة.

العدد 4221 - الجمعة 28 مارس 2014م الموافق 27 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً