يمر الإنسان في مختلف مراحل حياته بمحطات عديدة، منها ما تتسم بالفرح والغبطة ومنها ما تجلب على الفرد أكواماً من الحزن والأسى والألم. إن ما يستوجب التعاطي والتعايش، والتأقلم إن أمكن، مع أي أحداث محزنة قبل كل شيء التسليم أولاً وأخيراً بقضاء الله وقدره وحكمته في تسيير هذا الكون الواسع لغايات لا يعلمها إلا هو.
بدأ التأريخ في نسج محطة جديدة في فصل، قد يكون من فصول المآسي والكوارث في عالم الطيران والسفر، إنها رحلة التراجيديا التي بدأتها، وقد تكون في رحلة ألا عودة، الرحلة رقم ام. اتش 370 التابعة للخطوط الجوية الماليزية في فجر الثامن من شهر مارس/ آذار 2014 مقلعة من كوالامبور إلى الصين، إنها الرحلة التي انقطعت معها وسائل الاتصال بعد مضي أقل من ساعة من الإقلاع، تلك هي الرحلة التي بغيابها زرعت هواجس الألم والحزن لدى أهل وذوي 290 راكباً هو تعداد ما كانت تقل تلك الطائرة من أنفس، لقد بقى، وما يزال أقارب الركاب، على جانبي محطتي الإقلاع والوصول يحبسون الأنفاس خوفاً وقلقاً تحسباً لمصير ذويهم.
ظلوا، ومن خلال ما تتناقله وكالات الأنباء وشبكات التلفزة الأخبارية وسائر وسائل التواصل الاجتماعي، يعيشون كل ثواني ولحظات المأساة ربما قبل أن تعلن على الأقل على الملأ. ربما تستدعي إلى الأذهان هذه الحادثة، أحداث محزنة أخرى مرت على الكثير منا وإن اختلفت إسقاطاتها وأزمنة ومكان حدوثها، لكن القاسم المشترك صور من الألم والأمل في عدم حدوث المكروه.
لقد شكلت معضلة غياب هذه الرحلة، أطول فترة تغيب فيها رحلة مدنية في العصر الحديث حسب إفادات خبراء الطيران، وما يهمنا هنا الفارق الزمني، وهو حتى الآن 17 يوماً منذ اختفاء الطائرة، وما تبع ذلك من أسى وتجربة معاناة عاشها أقارب الضحايا، إن جاز لنا التعبير، على مدى ليس فقط 17 يوماً وإنما هي عند من يعيش الحدث 17 عاماً، وربما أكثر.
يتعرض الإنسان في حالات القلق والخوف من المجهول إلى تغيرات فسيولوجية ونفسية كبيرة تجعل من كافة أجهزته وحواسه تحت طائلة من الاستجابات الشعورية واللاشعورية، التي هي في حد ذاتها طبيعية في حدود معينة.
هناك أسئلة كثيرة تطرح هنا، منها هل هناك من حد أدنى في التعامل النفسي والصحي من قبل الجهات الصحية والإدارية المعنية للتخفيف من معاناة أهالي الضحايا؟ هل تم الالتفات إلى احتواء آثار صدمة كتلك عن طريق إطلاع هؤلاء الأهالي على الأقل بما يجري من جهود في البحث والإنقاذ؟
إن من أهم عوامل التعامل مع حالات الصدمات النفسية المحتملة، عاملين
على قدر بالغ من الخصوصية، الأول هو الضمان قدر الإمكان في إيصال المعلومة ذات المصداقية إلى الأفراد المعنيين عن طريق قناة اتصال تحفظ خصوصية الجميع من قبل الجهة أو الجهات التي يعهد إليها أمر الاستجابة الإنسانية الطارئة في مثل هذه الحالات، أم العامل الثاني وهو الأصعب، في كيفية الإخبار عن أمور سيئة الوقع وكيفية تهيئة المتلقي قبل الدخول والإفصاح عما حدث من محذور.
في التجربة الماليزية التي نحن بصددها الآن، مع مراعاة التوقيت والآلية، أرسلت الخطوط الجوية الماليزية رسائل نصية بعد مرور سبعة عشر يوماً إلى أهالي ركاب الطائرة تخبرهم فيها أنها تعتقد أن الطائرة سقطت في المحيط الهندي ولم ينج منها أحد.
إن التجربة الماليزية حتى الآن ومن خلال سرد أهالي الضحايا لمجريات الأحداث، ومتابعاتنا للكم الكبير من التقارير الرسمية والخبرية، تكشف عن مسافات من قلة الخبرة والإعداد والاستجابة في حالات الطوارىء والمهمات الإنسانية على المستوى الدولي والإقليمي، فلم نسمع مثلاً أن الإدارة المهنية المعنية في الاستجابة للكوارث والطوارىء قد فعّلت خططها وباشرت عملها، ربما كانت تنتظر العثور على أشلاء الضحايا أولاً، وماذا عن أهاليهم وأقاربائهم الأحياء؟
تلك هي المرحلة الحساسة وذات الأهمية الأكبر والأولوية في التعامل والاستجابة، وهي زاوية إنسانية لم تحظَ بالقدر المتوقع من الجهد.
إن هذه الحادثة مثال واضح يستدعي صنّاع القرار وخاصة واضعي سياسات الصحة وخطط الطوارىء الوطنية، للتخطيط السليم وتوقع الأسوء دوماً، فالكوارث في غالبيتها لا تدق ناقوس خطر لحزم حقائب الاستجابة ودرء الضرر.
إقرأ أيضا لـ "محمد حسين أمان"العدد 4220 - الخميس 27 مارس 2014م الموافق 26 جمادى الأولى 1435هـ
لا أعتقد أن السلطات الماليزية تتحمل جزءا كبيرا من اللوم
السلطات الماليزية كان من الصعب عليها أن تعطي إجابة شافية للمسئلة منذ البداية، و ذلك لعدم العثور على حطام الطائرة منذ البداية، و كذلك بغض النظر عن كمية الوقود الكبيرة التي تحملها الطائرة و مجهولية مسار الطائرة وسع رقعة البحث بشكل كبير و نحن نتحدث عن آلاف الكيلومترات المربعة و التي أضطرت بالنهاية لإستخدام الأقمار الصناعية العسكرية لتحديد مكانها.
و لهذا فمن الصعب تحميل الحكومة الماليزية المسؤولية، لأن الطائرة لو سقطت قريبا لأمكن عن الأقل إيجاده، و لكن تعدد المسارات المحتملة بحرا عقد المسئلة كثيراً