حادث رمي البراميل التي تحمل مواد كيميائية في وادي الحراي بخورفكان في إمارة الشارقة، المنشور في صحيفة «الاتحاد» الإماراتية بتاريخ الخميس (13 مارس 2014) يشكل منعطفاً خطيراً ضمن سلسلة التجاوزات القانونية ووسائل ارتكاب الجريمة البيئية.
الحادث يثير جملة من الأسئلة المتشعبة في جوهر ومضامين أبعادها الإدارية والقانونية والرقابية، والمسئولية في تطبيق مبدأ الالتزام المشترك في الحد من هكذا جرائم. ويشير أيضاً إلى جوانب الخلل في منظومة التنسيق المؤسسي البيئي الاتحادي في مواجهة هكذا ظواهر، الخطيرة على الأمن الصحي والبيئي للمجتمع.
حيثيات الخبر بشأن الحادث تشير إلى أن «شرطة خورفكان ألقت القبض على شخصين من إحدى الجنسيات الآسيوية بعد تلقيها بلاغاً مشتركاً من هيئة البيئة والمحميات الطبيعية والمجلس البلدي لمدينة خورفكان والبلدية بإمارة الشارقة، يفيد بأن الشخصين قاما بإلقاء 50 برميلاً تحمل بداخلها مواد كيميائية مضرة للبيئة، ويشتبه في أنها «خطرة على الصحة العامة والبيئة».
ووفق تصريح رئيس هيئة البيئة والمحميات الطبيعية في الشارقة إن «السائقين قدما بالبراميل المليئة بالمخلفات الكيميائية من إمارة عجمان في وقت متأخر، وقاما بإلقاء تلك المخلفات في أحد أودية منطقة الحراي جنوب مدينة خورفكان وبالقرب من المناطق السكنية الجديدة والتي يتم تشييدها حالياً، في وقت تصادف مرور أحد أعضاء المجلس البلدي لمدينة خورفكان بالمنطقة، والذي اكتشف هذا التعدي الصارخ من قبل المتهمين، فقام على الفور بإبلاغ الجهات المسئولة».
وفي إطار إجراءات إزالة آثار الجريمة، جرت الإشارة إلى أن «الهيئة فرضت غرامة مالية على المتهمين بقيمة 50 ألف درهم واجبة النفاذ»، وذلك يتوافق والمبدأ (16) من وثيقة مبادئ إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية -1992 الذي يشير إلى أنه «ينبغي أن تسعى السلطات الوطنية إلى تشجيع استيعاب التكاليف البيئية، واستخدام الأدوات الاقتصادية، آخذة في الحسبان النهج القاضي بأن يكون المسئول عن التلوث هو الذي يتحمل من حيث المبدأ تكاليف التلوث مع إيلاء المراعاة الواجبة للصالح العام».
الحادث يندرج ضمن قائمة الجرائم البيئية الأكثر شيوعاً، وتشكّل حيثياته مخالفةً صريحةً لمبادئ المشروع الدولي البيئي، وذلك ما يمكن تبينه في مبادئ وثيقة إعلان استوكهولم المعني بالبيئة البشرية-1972 حيث يؤكد المبدأ (6) على أنه «يتعين وقف عمليات إلقاء المواد السامة أو المواد الأخرى، وذلك بغية ضمان عدم إلحاق أضرار خطيرة لا رجعة فيها بالنظم الأيكولوجية».
المواد المضبوطة تندرج ضمن المواد الخطرة وحرص المشرّع الإماراتي خصها بمنظومة من الاجراءات القانونية الاحترازية ضمن قواعد القانون الاتحادي رقم (24) لسنة 1999م بشأن حماية البيئة وتنميتها، حيث يجري في المادة (61) من القانون الإشارة إلى أنه «على صاحب المنشأة التي ينتج عن نشاطها نفايات خطرة طبقاً لأحكام هذا القانون، الاحتفاظ بسجل لهذه النفايات وكيفية التخلص منها وكذلك الجهات المتعاقدة معها لتسلم هذه النفايات»، كما أن المادة (62) بند (1) من القانون تشدّد على أنه «يحضر على أية جهة عامة أو خاصة أو أي شخص طبيعي أو اعتباري استيراد أو جلب نفايات خطرة أو دفنها أو إغراقها أو تخزينها أو التخلص منها بأي شكل في بيئة الدولة».
المشرع الإماراتي أخذ في الاعتبار أيضاً الأدوات القانونية التي تعالج بشكل منهجي قضايا المسئولية والتعويض عن الأضرار البيئية لردع هكذا جرائم يجري التأكيد في المادة (71) من القانون ذاته على أنه «كل من تسبب بفعله أو إهماله في إحداث ضررٍ للبيئة أو للغير نتيجة مخالفة الأحكام الواردة بهذا القانون أو اللوائح أو القرارات الصادرة تنفيذاً له يكون مسئولاً عن جميع التكاليف اللازمة لمعالجة أو إزالة هذه الأضرار، كما يلزم بأي تعويضات قد تترتب عليها».
وفي السياق ذاته تشير المادة (72) إلى أنه «يشمل التعويض عن الأضرار المشار إليه في المادة (71) من هذا القانون الأضرار التي تصيب البيئة ذاتها وتمنع أو تقلل من الاستخدام المشروع لها، سواء كان ذلك بصفة مؤقتة أو دائمة أو تضر بقيمتها الاقتصادية والجمالية، وكذلك تكلفة إعادة تأهيل البيئة».
العقوبات القانونية تشكل أيضاً أداة مهمة في آلية ردع الجرائم البيئية، وذلك لم يغفله المشرع الإماراتي، وتعضيداً لفاعلية إجراءات ردع الجريمة البيئية جرى رفع مستوى العقوبة إلى الإعدام في المادة (73) من القانون في حالة مخالفة حكم المادة (62/ بند2)، كما نصت المادة ذاتها على أنه «يعاقب بالسجن والغرامة التي لا تقل عن مئة وخمسين ألف درهم ولا تزيد على مليون درهم، كل من خالف أحكام المواد (21) و(27) و(31) و(62/ بند2) و(62/ بند3) من هذا القانون». وتلزم المادة «كل من خالف أحكام البندين (1) و(2) من المادة (62) بإعادة تصدير النفايات الخطرة والنووية محل الجريمة على نفقته الخاصة».
القانون يحدّد أدوات واضحة لردع الجرائم البيئية، بيد أن ما جرى معالجته بشأن واقع الجريمة يشير إلى ضرورة تبين أسس تطبيق مبادئ القانون البيئي وإصلاح آلية الرقابة البيئية، ومراجعة جوانب الخلل في آلية التنسيق المؤسسي البيئي الاتحادي للحد من إمكانية تكرار هكذا جرائم.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4220 - الخميس 27 مارس 2014م الموافق 26 جمادى الأولى 1435هـ