يصادف هذا الأسبوع، ذكرى مرور أحد عشر عاماً على الحرب التي شنتها إدارة الرئيس جورج بوش الابن، وبعض حلفائها على العراق، والتي انتهت باحتلاله. فقد بدأت العمليات العسكرية في العشرين من شهر مارس/ آذار، وانتهت بسقوط بغداد في الثامن من أبريل/ نيسان العام 2003.
وكان الاحتلال قد تلفع بذرائع ثلاث لتبرير عدوانه على العراق. الأولى أن العراق يملك ترسانة من أسلحة الدمار الشامل، وعلى رأسها الأسلحة الكيماوية المحرم استخدامها دولياً؛ والثانية، أن للنظام العراقي، علاقة مفترضة بتنظيم القاعدة، وذلك يعني أن تلك الحرب، تأتي في سياق الحرب المعلنة آنذاك على الإرهاب، والتي أعلنت عنها الإدارة الأميركية بعد حوادث 11 سبتمبر 2001؛ والثالثة، هي أن النظام العراقي، القائم آنذاك، نظام ديكتاتوري ومستبد، وأنه البيئة المناسبة لانتشار ظاهرة الإرهاب. والمخرج في هذا السياق، هو إقامة نظام ديمقراطي، وعراق جديد، يكون في تشكيلته منسجماً مع عصره الكوني، ويمثل إجماع العراقيين وخياراتهم وتطلعاتهم وتوقهم نحو الحرية والازدهار.
لن نناقش هنا هذه الذرائع، فقد اتفق المجتمع الدولي، بما فيه الأميركيون أنفسهم، على بطلانها، وأن الحرب شنت، بالضد من روح القانون الدولي ونصوصه، وخروجاً على ميثاق ومبادئ هيئة الأمم المتحدة. وسيكون اهتمامنا على الحاضر. هل أصبح العالم أكثر أمناً بعد أحد عشر عاماً على احتلال العراق. وهل حقاً كانت لدى الإدارة الأميركية رغبةٌ في إحداث تحوّل ديمقراطي في العراق، وأين هو هذا العراق الجديد؟
يجمع أكثر المتشائمين وأعداء النظام السابق، أن الإرهاب، بكل تشعباته وتفرعاته لم يكن له موقع في العراق قبل احتلاله، وأنه كان ضمانة لعدم توسع طموحات طهران في المنطقة، ولجم نزعاتها التوسعية. الآن أصبحت أرض السواد، من أكثر المناطق حضوراً للإرهاب، وغدا وجود تنظيمات القاعدة يمثل خطراً على الأمن ليس في العراق وحده، بل على الأمن الإقليمي، والسلم العالمي.
وليس أدلّ على ذلك، من أنه يكاد لا يمر يوم على العراقيين، دون تقديم خسائر في الأرواح والممتلكات، بسبب السيارات المفخخة، التي تفجّر في الأسواق والأماكن العامة، وقد غدت هذه الظاهرة، مألوفة وجزءًا من الحياة المعتادة للعراقيين، منذ أسقطت الدولة الوطنية، التي استمد منها العراق، حضوره في التاريخ المعاصر.
لقد انتقل توسع هذا الإرهاب، وانتقلت نيرانه إلى اليمن وليبيا وسورية ومصر ولبنان، والقائمة طويلة. وكان الاحتلال، قد أسهم بشكل مباشر في التسعير الطائفي، الذي انتشر كالهشيم في العراق والبلدان العربية المجاورة، حين دشن عملية سياسية، على أساس القسمة بين الطوائف، بما يعني أن أرض السواد، سوف تفتقد الأمن والسلام، ومقومات الوحدة الوطنية، إلى أمد غير منظور. وحتى يحين موعد إلغاء هذه العملية السياسية، وقيام عملية سياسية أخرى تستمد حضورها من تاريخ العراق العريق، وتؤكّد سيادة مفهوم المواطنة، القائم على الندية والتكافؤ، وتغليب الهوية الجامعة للعراقيين، هوية الانتماء إلى وطن واحد يمتد من زاخو إلى جنوب البصرة، وتعيد للعراق حضوره العربي.
الإرهاب الذي أعلنت الإدارة الأميركية، أنه هو المستهدف، تفرخ في أرض السواد، ولم يعد مقتصراً على طائفة أو إثنية دون أخرى. والميليشيا الإرهابية التابعة للنظام تمارس سطوتها، وتشاطر نظيرتها في تنظيم القاعدة، تحت مسمى دولة العراق الإسلامية، في القتل على الهوية، وتهجير المواطنين من مواطنهم، ومواضع أقدامهم، حيث كل التنظيمات الإرهابية دون تفريق، تمارس القتل على الهوية، وتسهم عن عمد في تدمير مكونات النسيج الوطني العراقي.
العراق الجديد، الذي وعدت إدارة الرئيس بوش ببزوغه، تحوّل إلى مقبرة وإلى ليل دامس، وساحة للاحتراب، وإلى ساحة انتقام وكيد من التاريخ، وغدا مرتعاً للنهب والفساد وسرقة الثروة. وكان السؤال البديهي الذي طرحناه، مباشرة بعد الاحتلال، هو كيف تستقيم فكرة الدولة المدنية، التي بشر بها اليانكي الأميركي، مع الهجمة الشرسة، التي هدفت إلى بعث الهويات ما قبل التاريخية. وكيف تكون القسمة بين الطوائف مشروعاً للفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة، في حين إنها، في الشكل الذي برزت فيه، تضع المقدمات لحروب طائفية وأهلية، لن يكون بالإمكان وضع حد لها، إلا بتجاوز هذه الهويات الصغرى.
وإذاً فلا قضاء على الإرهاب، ولا عراق جديد ولا نظام ديمقراطي عتيد. وكان وعي العراقيين المبكر، بهذه الحقائق، قد دفع بهم منذ الأيام الأولى للاحتلال الأميركي، إلى مقاومته، كما كان ديدنهم دائماً، ومنذ حاول اليونان والفرس والأتراك والبريطانيون، في مقاومة الغزو ودحره.
وكانت تلك المقاومة هي الأسرع والأشرس، برزت أسطورية وشرسة وماحقة، أجبرت الاحتلال على الانسحاب من أرض السواد، جارّاً أذيال الفشل والخيبة، وليبقى العراقيون أمام قدرهم الجديد: مواجهة تركة الاحتلال، والنضال ضد سطوة التدخل الإيراني في شئونهم، والعمل على إضعاف وجودها في المؤسسات السياسية والحكومية، والتي ارتبط حضورها القوي، بالعملية السياسية التي هندس لها المندوب السامي الأميركي، بول برايمرز.
لبغداد دين كبير في أعناق العرب جميعاً، والموقف القومي والأخلاقي يقتضي ألا يترك العراقيون وحدهم، في مواجهة الهجمة الشعوبية عليهم وعلى تاريخهم. ينبغي العمل على إيقاف نزيف الدم المستشري في أرض السواد. ولن يكون ذلك ممكناً، إلا باتفاق القادة العرب، على ميثاق شرف، يجرّم قيام نظم سياسية، على أساس القسمة بين الطوائف، وتلك ضمانةٌ ليس فقط للحفاظ على وحدة العراق، ولكن لصيانة الأمن الوطني والقومي في بلدان العرب، من الخليج إلى المحيط.
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "العدد 4220 - الخميس 27 مارس 2014م الموافق 26 جمادى الأولى 1435هـ
وجهة نظر
بغداد لم تسقط في الحرب الظالمة , والذي سقط هو صدام وحزبه . ومن خلق الارهاب في العراق هم دول الجوار العربيه المتمثله في ....والاردن وسوريا حتى لا تقوم قائمه للحكم الديمقراطي القادم للعراق بعد الحكم الدكتاتوري الذي جثم على صدور الشعب العراقي وهذا لا يعني ان الامريكان لم يكن لهم دور في المشهد العراقي بل كان دورهم مكمل لتكون العراق ساحة حرب
صدام اخر العمالقة
في السابق كان العراق دولة يحكمها القانون والاستقرار والامان ولاتستطيع التفريق بين الناس بالدين اوالطائفة اوالجنس وعندما جاء الامريكان وعملائهم الدين جابوهم علي دباباتهم شوف الدي يجر في العراق قتل تعديب تهجير علي الهوية انا زرت العراق اكثر من مرة في السابق والان لايشرفني حتي اسمة في ظل هدة الحكومة الطائفية العميلة لللاستعمار الامريكي