العدد 4219 - الأربعاء 26 مارس 2014م الموافق 25 جمادى الأولى 1435هـ

إيران ولعبة المساومات الروسية الغربية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أشبِّه السياسة أحياناً بالبراكين والزلازل. يموتُ من أحداثها خلقٌ كثير، ويحيا من أحداثها خلقٌ كثير. علماء الأرض يقولون، بأن من فوائد البراكين والزلازل، أن تظهر الينابيع الحارة، وتزداد خصوبة الأرض، وتتكوَّن معادن ثمينة، والأهم ظهور جزر جديدة في البحر، كما حصل قبالة سواحل اليابان بعد ثَوَرَان بركان، وقبله في بحر العرب، بفعل زلزال عنيف.

السياسة كذلك. فحين ينفجر حدثٌ سياسي، ويسقط الضحايا، ترى من بين ذلك الركام، مَنْ يحصل على ما كان يتمناه، وهو ما يُسمَّى بنظرية التدافع: «ولولا دَفْعُ اللَّهِ الناسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صوامعُِ وَبِيَعٌ وصلَوَاتٌ ومساجِدُ يُذْكَرُ فيها اسمُ اللَّهِ كثيرًا» (الحج، 40). والأميركيون، يقولون أن الاقتصاد ينمو من فوهة المدفع. باختصار شديد: مصائبُ قومٍ عندَ قومٍ فوائدُ كما قال أبو الطيب المتنبي.

ومن ذلك المنطلق، تأتي أزمة «شبه جزيرة القرم» لتخَلَقَ أوضاعاً سياسية جديدة. بالتأكيد ليست في المنطقة الأوراسية فقط، بل في العالم كله. فإذا كانت طائرة الركاب الماليزية المنكوبة، قد جعلت أربع قارات تتشارك في الدموع، فكيف بمنطقة إثنية معقدة، يتشارك فيها الروس والأوكرانيون والأوربيون والأميركيون والأتراك.

قبل أيام، نقلت وكالة «إنترفاكس» عن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف تصريحاً لافتاً. ريابكوف قال: «إن موسكو لا تعتزم استخدام الورقة الإيرانية، لكن التعامل الغربي قد يدفع روسيا إلى ذلك». ثم أضاف: «روسيا ستقوم بعمليات انتقامية إذا ما لزم الأمر. إن الحدث التاريخي الذي تمثَّل في ضم القرم إلى روسيا أدّى إلى تحقيق العدالة التاريخية، وإن هذا الحدث له قيمة كبيرة لا تقارَن بسياساتنا إزاء إيران، وعلى زملائنا في واشنطن وبروكسل الاختيار واتخاذ القرار بهذا الشأن، فاعتماد أساليب انتقامية من قبل روسيا مرهون بنتائج هذه المفاوضات». هذا التصريح خطير، ويمكن قراءته كالتالي:

الروس، شيَّدوا للإيرانيين محطتهم النووية في بوشهر، ويسعون إلى بناء محطات أخرى، لكنهم أيضاً صوَّتوا على كافة القرارات الأممية التي صدرت ضدها: 1696 و1737 (2006) و1747 (2007) و1803 و1835 (2008) 1929 (2010). وبالتالي هم التزموا بالعقوبات التي نصت عليها تلك القرارات، لذا فإنهم حين يقولون اليوم بغير ما كانوا يتوافقون فيه مع الغرب، فهذا يعني أنهم مستعدون لتحريك موقعهم في التفاوض بين الجانبين.

وربما زامنوا ذلك التصريح، مع بداية انطلاق جولات التفاوض الغربي مع طهران، لإقرار اتفاق طويل الأمد، يزيل العقوبات الأوروبية والأميركية والأممية عن إيران مقابل وضعها حداً لبرنامجها النووي. ما يعني، أن رسالة موسكو هي: إن لم يتم إحراز تقدم، واضطرت الدول الغربية اللجوء إلى مجلس الأمن، لاتخاذ قرار ما فإن الفيتو الروسي سيكون حاضراً.

باعتقادي، أن الرسالة الروسية، هي ليست للغرب بدرجة أولى، بل هي لطهران. كيف؟ الغرب حاول معاقبة موسكو عن طريق العقوبات الاقتصادية. وإذا ما قرّر الغرب التصعيد، فإن الروس قد يلجأون إلى ابتزاز أوروبا فيما يتعلق بصادرات الغاز الروسي إليها. وهم في هذه الحالة، يريد الروس أن يُحيِّدوا الإيرانيين في هذه المعركة، بقطع الطريق أمام الأوروبيين إذا ما فكروا في زيادة وارداتهم من الغاز الإيراني عبر تركيا وصولاً إلى وسط أوروبا ومن ثم إلى غربها كما تفعل الآن، على الأقل في هذه المرحلة، التي لا تحتمل حصولهم على الغاز الصخري الأميركي، لغياب البنية التحتية للتصدير والاكتشافات.

هم يعلمون أنه وقبل فترة كانت طهران تتفاوض مع القطريين لتسويق غازها المستخرَج من حقل بارس الجنوبي عبر نظام الدوحة التجاري إلى أوروبا والأسواق الخارجية، مع عجز إيران عن تطوير حقول الغاز التي تتشارك فيها مع قطر. وقد ألمح مساعد وزير النفط الإيراني قبل أيام، بأن اتفاقاً وشيكاً سيُوقَّع لتصدير ثلاثين مليار متر مكعب من الغاز الإيراني يومياً إلي أوروبا عبر تركيا. هذا البازار في مجال الطاقة، هو ما يجعل موسكو تقلق، وبالتالي، تقوم بتقديم إغراءات لطهران.

فالروس قد يفكرون في خنق الجار الأوروبي وصولاً به حتى الشتاء القادم، مع ازدياد اعتماده على الغاز الروسي. فحسب مؤشر مكتب الإحصاء الأوروبي فإن الاتحاد الأوروبي، زاد من اعتماده على الغاز الروسي إلى 65.5 في المئة العام 2012 بعدما كان 63.4 في المئة في العام 2009. وارتفعت واردات الغاز الأوروبية من روسيا حالياً إلى 30 في المئة بعدما كانت 22 في المئة العام 2010، ليصل مجموع الغاز الروسي المستهلَك في أوروبا إلى خمسة وثلاثين في المئة.

الإيرانيون فهموا الرسالة جيداً، ويبدو أنهم مدركون أن موسكو تريد أن تستخدمهم كورقة للمساومة. وقد أكّد ذلك مندوبهم السابق في مكتب الأمم المتحدة في أوروبا عندما قال: «لفتات موسكو السياسية وتعاملها الودي لا يؤثران على مسار المفاوضات النووية بين إيران والغرب. ينبغي على إيران أن تلتزم الحياد في أزمة القرم والقضايا الجانبية المرتبطة بها، والانتباه إلى اتفاق جنيف النووي».

باعتقادي، أن طهران إذا ما فكرت في المراهنة على الدعم الروسي فهي كمن يكتب اتفاقاً على حصيرة ماء. كما أنهم (أي الإيرانيين) يسيرون باتجاه التوقيع على اتفاق شامل مع الغرب، عاجلاً أم آجلاً، وهو ما يعني، أن ابتعادهم عن أي صفقة «غير مضمومة» مع الروس هو الأجدى خلال المرحلة القادمة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4219 - الأربعاء 26 مارس 2014م الموافق 25 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 7:21 ص

      متابع . . . حان الوقت

      اقتباس (( على الأقل في هذه المرحلة، التي لا تحتمل حصولهم على الغاز الصخري الأميركي، لغياب البنية التحتية للتصدير والاكتشافات )) أعتقد أنه حان الوقت من جانب الكاتب العزيز ليكتب في هذا الموضوع الذي طلبناه من مدة طويلة : قضية النفط الصخري في أمريكا و تأثيرها على امريكا اقتصاديا و على علاقاتها الاقتصادية و السياسية مع العالم و الدول النفطية بالأخص ، وأخص من ذلك الخليج ( هل صحيح أنها ستتخلى عن الخليج قريبا بسبب ذلك ؟ ) . . . هذا الموضوع سيؤثر على فهمنا لما جرى و يجري وسيجري حولنا في العالم

    • زائر 10 زائر 8 | 9:10 ص

      بقولك

      ابتدت امريكا تتخلى عن العرب وبدايتهه في الاتفاقات مع ايران سابقا وجفنه خلت العرب كلهم يعادون ايران بالنهاية راحت اتفقت مع ايران. هاي بالعرب اكبر حلفائكم الي معتمدين عليهم !!!
      اما بالنسبه للصخري جذي وجذاك حتا لو امريكا ما تخلت عن الخليج نفس الوقت النفط بيخلص ولين خلص الدول الوحيده الي ما بتقدر تسوي وتعيش قحط أهي العربيه لان العربيه اعتمدت عل غير النفط من عشرين سنه واحنه مكينة الاقتصاد النفط وما عندنه غيره يعني باختصار يخلص النفط وراح نشتغل خدم في دول اسيا !!
      هاي الواقع يوا امريكا تخلت عنه او لا

    • زائر 7 | 6:07 ص

      الوهم

      اكثر من ثلاثين سنه وهم ايران مسيطر في ثلاثين سنه شنو سوت ايران للدول العربيه وخصوصا الخليج؟؟ وجفنه سوريا الارهاب من وين ومن دعم المسلحين وواضح وضوح الشمس!! من يعوض سنين العرب راحو ورأ وهم وبالنهاية صارو مختلفين مع بعص ويتبادلون الاتهامات ومنهم من دعم المسلحين في سوريا ومنعم حرب اعلامية !!
      جوفو ايران وغيرهه وين وصلو وجوفو الدول العربيه في وين..

    • زائر 6 | 6:04 ص

      الابتزاز الاكبر

      ابتزاز الغرب للدول العربيه اكبر من الابتزاز الروسي بالنهاية الروس عندهم حلفاء وعندهم قوة صناعية وعسكرية والدول العربيه عندهم الفتن بس فتخيلو في المستقبل الي مو بعيد ابتزاز الغرب لتعديل أوضاع الدول العربيه الي غمرتهه الفتن والارهاب والطائفية ، لاحظتو مشغولين دول الغرب في اقتصاداتهم القوية واتفاقاتهم عل كل ما يخدم مستقبلهم والعرب شنو عندهم مشغولين في فتنهم وطائفيتهم ومشاكلهم وكبريائهم

    • زائر 5 | 5:32 ص

      كما قال ابو سيد مصطفى

      لا شرقيه و لا غربيه جمهوريه اسلاميه ، ايران

    • زائر 4 | 3:32 ص

      غير الغاز

      الأزمة مو أزمة غاز تر وثاني شس انذكر الغاز وجنه حاليا اهم مصادر !للطاقه!! لا تنسى النووي البراني الروسي الي خلا ايران ما تتعرض لأي انتكاسات من بعد ثلاثين سنه عقوبات !! شنو يعتبر الغاز من بعد العقوبات؟؟ النووي لا تنسونه ان خل ايران ما تخضع لأي عقوبات ووصلت لليوم الي تتناقش فيه شروطهه مع الغرب

    • زائر 3 | 3:30 ص

      مافي شي مو مضمون

      الروس والايرانيين سنين طويلة مع بعض وعارفينً بالظبط تحركات الغرب وأي اتفاق نهائي مع الغرب ماراح يغير تعاون ايران وروسيا الا بالعكس الاتفاق الإيراني الغربي يصب في مصلحة حلفاء ايران الي آهي روسيا سوريا الصين وباختصار (( الإيرانيين والروس يعرفون اان اهم عل مركب واحد وسنين طويلة تشهد عل هالكلام )))

    • زائر 2 | 3:21 ص

      غير صحيح

      اعتقد ان المقال يبين ان روسيا تصطاد في الماء العكر ولكن العكس هو الصحيح روسيا ضمها للقرم بثقة وضحت للعالم انه حق من حقوقا الشرعية والغاز اوربا لا تعتمد اعتماد كلي عل روسيا لوحدها او أيران لوحدها كونها دول تتصدر الخلافات في اوربا والاتحاد عل واحدة يشكل خطر مستقبلي ولكن خوف اوربا يعكس خوف امريكا مو بس في الغاز في وجود هدف لتوسع روسيا ورجوع الاتحاد السوفيتي مثل ما صرحو المسؤولين في أوكرانيا ان اهداف بوتين اكبر توسعا!! واعتقد هاي الشي بخوف اوروبا وامريكا اكثر من مسالة صادارات غاز!!!

    • زائر 1 | 1:13 ص

      خبر

      تصريحات أوباما أمس في بروكسل يدعو الاوربيين الى عدم الاعتماد على الغاز الروسي وهو ما يدلل على رغبة واشنطن وأوربا إلى تنويع مصادر الطاقة وبالتحديد من إيران

اقرأ ايضاً