ضم روسيا لشبه جزيرة القرم خطة رسمتها روسية للتمدد وخلق قوة لها في جنوب أوروبا، لم تكن القرم إلا إرثاً تاريخياً لم يغب لحظةً عن الروس. هذا التمدد يخشى أن لا يكون الأخير، بل هي نقطة البداية نحو خارطة أوروبية جديدة وسط توقعات أن القادم أخطر.
فقد توالت أحداث شبه جزيرة القرم منذ رفض الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش إبرام اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ما حدى بالموالين للاتحاد الأوروبي للاعتصام في ساحة الاستقلال بالعاصمة الأوكرانية كييف، وعلى إثر ذلك شهدت اشتباكات أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 88 شخصاً، وهروب الرئيس والإطاحة بالبرلمان.
وتوالت الإحداث إلى إجراء استفتاءٍ شارك فيه نحو 82.71 % من سكان القرم، وقد أيّد 95.5 % منهم فكرة انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا. وفي 17 مارس/ آذار أعلن برلمان القرم استقلال شبه الجزيرة وتقدّم رسمياً لطلب الانضمام إلى روسيا. بعدها مباشرةً أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً رئاسياً يعترف بالقرم دولةً ذات سيادة، ما
شبه جزيرة القرم، عاصمتها سيمفروبل، هي جمهورية ذات حكم ذاتي ضمن جمهورية أوكرانيا، حيث تقع إلى الجنوب منها، محيطاً بها البحر الأسود. وتبلغ مساحتها 26 ألف كيلومتر مربع، وسكانها مليونان، وفقاً لتعداد 2001، وبلغت نسبة تتار القرم 12 %، والروس 58 % والأوكرانيون 24 % من سكان القرم.
كلمة القرم تعني «القلعة» باللغة التتارية، إذ أسس فيها التتار دولة «خانات تتار القرم»، عاصمتها مدينة «بخش السرايا» العام 1430، وقد خضعت خانيّة القرم لحكم العثمانيين في العام 1521 (في عهد محمد الفاتح)، وقد استسلمت خانات القرم بموجب معاهدة كوجك فينارجه العام 1774، إلى روسيا. هذا الحدث رفع روسيا إلى مصاف الدول الأوروبية القوية بعد إنجلترا وفرنسا.
في العام 1920 تمتعت القرم بحكم ذاتي باسم جمهورية القرم السوفياية الاشتراكية، تحت جمهورية روسيا السوفياتية الاتحادية الاشتراكية حتى العام 1945، إذ قام ستالين بإلغاء الحكم الذاتي وتهجير الأكثرية التترية المسلمة منها. وفي العام 1954، قام نيكيتا خروتشوف بنقل القرم من جمهورية روسيا السوفياتية الاتحادية الاشتراكية إلى جمهورية أوكرانيا السوفياتية الاشتراكية. وأعيد الحكم الذاتي إلى القرم في العام 1991، بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي، إذ ظلت جمهورية ذاتية الحكم ضمن أوكرانيا حتى العام 2014.
إعلان روسيا ضم القرم إليها أحدث تصادماً في العلاقات بينها وبين الغرب، وتمثل أعنفها منذ انتهاء الحرب الباردة قبل أكثر من عقدين. ولم تكن الولايات المتحدة عنها ببعيد، فقد أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما في زيارته لأوروبا هذا الأسبوع «إن رسالتنا واضحة، فنحن كحلفاء في الناتو أمامنا التزام رسمي تجاه خطة الدفاع الجماعي التي نشارك فيها وسنعمل على دعم ذلك». في حين قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ: «حان وقت تبنّي قيود أشد صرامة». ما هي هذه القيود التي يجدها المحللون السياسيون أنها تكمن في العقوبات الاقتصادية التي من شأنها أن تخنق روسيا وتجعلها تفكّر أكثر من مرة في أن لا تكون قرم أخرى في أوروبا، خصوصاً أن هناك دولاً أوروبية تقطن فيها جاليات روسية كبيرة.
هذا الأسبوع يمثل اختباراً حقيقياً لمقدرة أوروبا في التعامل مع أزمة القرم، وهل بالفعل ستؤدي إجراءاتها إلى عزلة روسيا.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 4219 - الأربعاء 26 مارس 2014م الموافق 25 جمادى الأولى 1435هـ
شريعة سنودن
عزلة روسيا و لا في الحلم: مصائبُ قومٍ عندَ قومٍ فوائدُ. أوروبا هى المحتاجه