تجاوزت وسائل التواصل الاجتماعي كل ما عرفناه من طرق إيصال الخبر والمعلومة، سرعة وتحديثاً لهما أولاً بأول. الصحف تقرأها في اليوم التالي بأخبار هي في حكم القديمة. بل كل خبر تمر عليه ساعات تتعامل معه باعتباره متأخراً.
لجوء الصحف إلى إفراد صفحات لها على تلك المواقع محاولة منها للحفاظ على قرّائها واستقطاب قرّاء آخرين. تحديث الأخبار يحتاج إلى حضور دائم.
والعين دائماً ما تكون على تلك المواقع التي تستقي منها بعضاً من تلك الأخبار. كلما تسارعت الأخبار، كلما تم تقديم الأحداث بسرعة كبيرة، كلما كان ذلك مدعاة لوضع الحلول لها، أو على أقل تقدير محاولة البحث عمّا يحجّمها أو يضع حدّاً لها.
كل تلك القنوات والمنافذ التي تتدفق منها المعلومة والخبر اليوم لم تغيّر كثيراً في واقع الإنسان العربي. ظلّت مشكلاته هي هي. ظل في الهامش نفسه الذي لم يتجاوز ما بعده ولو قليلاً.
لا علاقة بالسرعة ووسائل الاتصال والمعلومات بكل ما يحدث في الفضاء العربي، خارج الفضاء الافتراضي. المسألة لها علاقة بالاقتناع بأن الإنسان هو محور العملية السياسية، وهو محور الاقتصاد والتنمية، وهو الأساس والمحرّك لكل تلك المحاور. من دونه لا قيمة لكل ذلك.
لم يتغيّر شيء. وصلت المعلومة بسرعة البرق، أو وصلت ببطء سلحفاة. المسألة أيضاً تتعلق بسرعة البت، وصدق التوجّه، والحرص على ألاّ تتفاقم المشكلات، وتتكدّس المآسي، وتتراكم المآزق. يصعب حينها التعامل والبت فيها جميعاً، وفي حال حدث ذلك، تكون قد برزت مشكلات وجبال من المآسي ومآزق تأخذ مكانها في طابور طويل لن ينتهي، ويصبح التعامل معه ضرباً من الارتجال، ولن يتعدّى ذلك كثيراً.
ولا حلول في ارتجال فقط للارتجال نفسه، ولإظهار الحرص أمام وسائل الإعلام والاتصال التي هي تحت الهيمنة، وما بعد تلك الوسائل كلٌّ يأوي إلى أمله أو إحباطه ووهْمه. إلى صِدقه أو كذبه على الناس. إلى حرصه أو لامبالاته.
بعبارة بسيطة: يتقدّم ضخ الأخبار وسيلانها، ويظل الإنسان العربي مكانه لم يبرْحه، تأخراً ونكوصاً ورجوعاً إلى الوراء.
وبالعودة إلى تسارع الأخبار وورودها إلى الناس، لاشيء ملموساً في مجاراة تلك السرعة تحرّكاً ومحاولة احتواء للمشكلات التي تحملها وتتضمّنها. كأنها لم تكن ببسيط العبارة.
كل ما فعلته تلك الوسائل أنها باتت مُلكاً للناس ولا أحد يملك التحكّم فيها. كان ذلك في السابق. بامتلاك وهيمنة السلطات على وسائل الإعلام المعهودة من صحف وتلفزيون وإذاعة، تمرّر للناس ما تريد تمريره، وتذيع عليهم ما تريد إذاعته، وبث ما تريد بثه، ونشر ما تريد نشره.
أتاحت تلك الوسائل للناس اليوم قدرة على كشف ما يُراد سِتْره، والإسراع بما يراد تأجيله. بات الناس يعرفون، وصاروا هم مصدر المعلومة لا السلطات وحدها. بل هم من يصنع المعلومة والخبر.
كان من الممكن أن تتغيّر أحوال الناس إلى الأحسن. حدث تغيّر طفيف لا يكاد يذكر؛ لكنه غير كافٍ أمام جبال من المشكلات والملفات التي ظلت عالقة لسنوات ترتبط بالحريات والتجاوزات والحقوق والخدمات ومحور كل ذلك: الإنسان.
كان يمكن استثمار ذلك لمصلحة الأطراف جميعها، وإغلاق أكثر من باب تأتي منه الريح؛ لكن يبدو أنه يراد لتلك الريح أن تعوي، ولتلك الأبواب أن تُشرع، ولآمال وأحلام الناس أن تتبخّر وتظل في حدود التمنّي.
تُفنى أعمار الناس وهم يبحثون عن الحلول، بعد أن أتيحت لهم فرص إبراز وتقديم مشكلاتهم. كل ذلك في وادٍ ومن بيدهم الحلول، أو هكذا نفهم بتصدّيهم لتحمل مسئولية الأمة، في وادٍ آخر.
إنه زمن السرعة في كل شيء؛ خلا سرعة الحلول والمعالجات، ومواجهة الواقع، وأن من يعتقد بالقوّة يمتلك الحلول هو أصل المشكلة!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4216 - الأحد 23 مارس 2014م الموافق 22 جمادى الأولى 1435هـ