أجرى اللقاء : مريم حبيل، جامعة البحرين
تاريخ اللقاء: 25 ديسمبر 2013
لمْ يَكن دخيلاً على السياسةِ أو حديثَ العهدِ بالصحافةِ والإعلام, هو من مواليد نهاية العام 1961, احتضنته قرية "بني جمرة" صغيراً, والنجف الأشرف صبيّاً يافعاً, ولندن وضواحيها ناشطاً ومعارضاً, عاد الى البحرين العام 2001، بعد غياب استمر 21 عاماً، قضاها في المنفى، في بريطانيا، للمشاركة في عملية الإصلاح السياسي والدفع بهذه التجربة إلى الأمام، والعمل على مصالحة جميع الأطراف للمساعدة في المشروع التاريخي الذي شهدته البحرين. عودته كانت ضمن مشروع تم فيه رفع الحظر عن المعارضين والسماح بعودة المنفيين للدخول في استفتاء على الدستور الذي حظي التصويت عليه بأكثر من 98 في المئة من الأصوات، ليقدم استقالته من العمل السياسي المعارض على قاعدة العمل بالخارج، ويبدأ حياة سياسية جديدة ليكمل مشوار المصالحة، ويدخل في تفاصيلها بدلاً من الوقوف على الرصيف والمراقبة من بعيد, حاصل على الماجستير في الإدارة الهندسية من جامعة بريستول البريطانية العام 1998, دكتوراه في الهندسة الميكانيكية من جامعة بايزلي البريطانية العام 1992, مهندس قانوني مسجل في بريطانيا.
عن الصحافةِ والإعلام وقليلٍ من السياسة كان لي معه هذا الحِوار:
1. حينما تَقول اسم منصور الجمري... تحصل على أربعة أجوبة مختلفة, فأنت صاحب صحيفة شيعية، أو أنك محسوب على جناح في الحكم ولم يعد له صديق في المعارضة، أو أنك تمثل مشروع الإصلاح الجديد في البحرين، أو أنك مثل من وضع رجلاً في الموالاة وأخرى في المعارضة, فمن هو منصور الجمري يا ترى؟
- أعتقد أن منصور الجمري بدأ حياته أساساً كناشط مع الطلاب في سنواته الأولى ومن ثم ناشط سياسي وفي الوقت نفسه كان يعمل مُهندساً, المهنة التي اختارها لحياته, لكن مع تغير الظروف في 2001 كان عليَّ أن اختار مجالاً آخر, كان إما الدخول في الحكومة عن طريق الوزارة أو أن أعود وأشترك في حزب معارض والذي يسمى في البحرين بالجمعيات السياسية أو أن أمارس مهنتي الحياتية مهندساً ميكانيكيّاً في نفس مجال تخصصي في بريطانيا كمدير هندسي, أو أن أختار مجالاً آخر, وإذا لم أكن في الحكومة ولا في المعارضة ولا في السياسة, حينها يجب عليَ أن أختار فضاء آخر ربما يلبي طموحاتي، لذلك اخترت الصحافة؛ لأنني شعرتُ بأنها تلبي طموحاتي بأن أكون مساعداً لأية مبادرة إصلاحية في البلاد, أن أكون جِسراً بين فئات تحتاج إلى أن تتفاهم مع بعضها بعضاً, وأن عدم التفاهم بين هذه الفئات والأطراف أدى إلى حدوث الكثير من الاضطرابات السياسية في تاريخ البحرين والتي تجددت في السنوات الثلاث الأخيرة مما أثر على الحياة العامة والاقتصاد وعلى المجتمع. فدائماً كنت أحاول أن أكون العامل الإيجابي الذي يُسهمُ في حل المشكلات في البلاد وهي في الأساس سياسية لكنها في جوهرها مطالب حياتية مشروعة, تبحث لانتقال البحرين إلى العصر الحديث بكل ما يحمله هذا الانتقال من تطور سياسيٍّ واقتصاديٍّ وفي الحقوق.
فكان اختياري الدخول في هذا المجال من هذا المنطلق كي أكون عامل بناء في وطني، وأن أخدم الأهداف الكبرى التي لطالما آمنت بها، وهي أنَّ البحرين تستحق الأفضل من كل جانب, تستحق ديمقراطية, تستحق مستوى معيشة متطوراً, وأن تكون منارةً وأنموذجاً ناجحاً يقتدي به الآخرون. وإذا ما استطاعت البحرين بحجمها الصغير أن تكون ذلك المجتمع المتنور, المتعايش, المتنامي, الباحث عن الأفضل. في الفترة الحاليةِ أنا لا أستطيعُ أن أسمي نفسي معارِضاً؛ لأنني كنت كذلك, والمعارضة هي نشاطٌ مختلفٌ تماماً, ولستُ حكوميّاً؛ لأنني لست من الجهاز الحكومي, لكنني مناصرٌ للديمقراطية ومناصرٌ للتنوع المجتمعي, ومناصرٌ لتطوير البحرين؛ لتكون منارة للآخرين, وعلى رغم أن هذه الأحداث قد تشهد انتكاساتٍ، كما الآن، فإن دورنا يتمثل في ألاَّ نكل ونعجز أمام كل هذه الصعاب.
2. لم تمتهن السياسةَ عبثاً، فوالدك الجمري (رحمة الله عليهِ) كان واحداً من أبرز القيادات السياسية في البحرين إبان فترةِ السبعينات, ولم تكن دخيلاً على الصحافة، فقد مارستها لأكثر من خمسة عشر عاماً أيام كنت بالمعارضة في لندن بإجراء المقابلات وعمل التغطيات والكتابات الصحافية, إلى أي حدٍّ تعتقد أن هذه الخلفية السياسية والصحافية أسهمت في نضج التجربة الإعلامية والسياسية حينما رَجعت إلى البحرين لتكون "الوسط" مشروعكَ الذي تسهم فيه بالمشروع الإصلاحي لجلالة الملك, وهل تعتقد أن هذه الخلفية أسهمتْ في تحقيق النجاحِ الذي تمتلكهُ "الوسط" الآن؟
- أعتقدُ أن تاريخيَ الشخصي جزءٌ من حياتي, أعتز به, تاريخي السياسي، تاريخ عائلتي، تاريخُ البحرين ككل, وهذا التاريخ ثروة هائلة يجب الاستفادة منه لتحقيق منجزات أكبر, وأنا اعتمدتُّ كثيراً على رصيدي في المعارضة, وعلى رصيد الوالد وسمعته في البحرين لتقديم شيءٍ يليق بتلك السمعة, وكل هذه الخلفية جزء أساسي من الأداء الذي تحقق لاحقاً, فترة التأسيس والانطلاق ومن ثم مسيرة "الوسط".
3. كُنتَ تعتبرُ واحداً من المعارضينَ قبل عودتكَ إلى البحرين في العام 2002, فما الذي دفعكَ إلى الخروجِ من دائرة المعارضة إلى دائرة النقدِ والمشاركة السياسية من دون أن تطلق على نفسكَ اسم "مُعارض", فلماذا هذا التحول, هل ساحة النَّقد أوسع من ساحة المعارضة, أم "الوسط" تحتاجُ إلى رئيسِ تحريرٍ ناقد أكثر من كونهِ معارضاً؟
- قد شرحتُ لماذا انتقلت أساساً, لكن الإنسان لابد من أن يحدد خياراته بنفسه, فقد كنت ناشطاً في الثمانينات, ومعارضاً في التسعينات, وكان السؤال هل سأخدم مجتمعي إذا ما بقيت قائداً في المعارضة, ووجدتُّ أن تحقيق هذا الهدف بصورة أفضل يتم من خلال ممارسة مهنة الصحافة, وأنه ليس من الضروري أن يكون هذا هو الخيار الأفضل لكنني وجدتُّ فيه مجالاً لأن أخدم طموحي الأكبر، وهو أن تتوافر في البحرين ديمقراطية أكثر, وبيئة لحقوق الإنسان، ويتطور المستوى المعيشي لمجتمعي بصورةٍ لائقة.
4. أعلنتَ موقفكَ صراحة من الطائفية التي خاطبت من يقتات عليها بقولك «اتركوها إنها نتنة»، فهي لا تخدم البحرين ولا أهلها، وإذا كان الاختلاف في الآراء محموداً، فإن ما هو غير محمود أن «يحمل كل واحد معولاً لهدم النسيج الوطني أو لتفتيت المجتمع على أساس فئوي بغيض». واذا كنا ارتضينا بالدستور والمشاركة، فعلينا أن نمضي بذلك الى آخر نقطة فيه. فالمعارضة لم تعد الأداة الوحيدة بالمعنى السياسي الذي كان قائماً في السبعينات، فالخيارات بالاختلاف، أصبحت متاحة، ووسائل التعبير والمنابر لم تعد مغلقة على أحد... إلى أي حدٍّ تَرى التزام الشارع البحريني, والصحافي, والإعلاميِ, بهذا النهجِ والمبدأ؟
- أعتقد أن الخطاب الطائفي أصبح كمثل مرض السرطان في السياسة, انتشر وينتشر في الشرق الأوسط بشكلٍ واضح، وتعزز في البحرين كنتيجة لممارسات خاطئة، ونتيجة لاعتقاد آخرين أن هذا النهج ينفع مصالح محددة, لكنني لا أزال أعتقد أن الخطاب الطائفي يستخدم لتحقيق مكاسب سياسية, فهناك من يدفع بهذا الاتجاه؛ لأنهُ يخشى من الخطاب الجامع الذي يؤلف بين الناس؛ لأنه سيؤدي إلى إنتاج ترتيبات سياسية معينة قد تضر بمصالح أناس قد تعودوا على ممارسة حياتهم بشكلٍ معين, الآن الخطاب السائد هو خطاب طائفي لكن الخطاب الطائفي تفتيتي وسرطاني وسيأتي على أصحابه الذين يعتقدون أنهم يكسبون منه، لكنهم يكسبون مؤقتاً على حساب قضايا أخرى وعلى حساب مستقبلهم أولاً, فهذا الخطاب لا يحقق أمناً لأحد, ولا ثراءً مستداماً لأحد، ولا مكاسب قابلة للاستدامة مع الزَّمن؛ لأنه يقوم على أزمة, والأزمة تفتت الثروة والنسيج المجتمعي وفي الأخير تأتي على الأمن والاستقرار, تزعزع الاقتصاد وتأتي بالحسرة والندامة, وأنا أعتقد أن القوى الطائفية والتأزيمية تغلغلت في مواقع القرار, فالأوساط الرسمية والشعبية التي تشترك في هذا الحوار ستجد نفسها خاسرةً بلا شك؛ لأنها تبحث عن المشكلة لا عن الحل, ومن يبحث عن مشاكل هو كمن يرفع السيف ويقتل بالسيف ذاته.
5. استحدثَتِ «الوسط» مركز تدريب في مقر الصحيفة مجهزاً لاقامة ورش العمل واستثمرت موارد كبيرة في تطوير برامج تدريب عالية المستوى للموظفين، وهو تدريب تتميز به عن سائر المؤسسات الصحافية لخلق كوادر صحافية تمتلك مؤهلات وخبرات تشعرهم حقيقة أنهم يمارسون مهنة الصحافة باحترام وجدارة, فلماذا لا تقوم "الوسط" بتدريب حديثي التخرج من طلبة الإعلام والصحافة, ولا سيما أن عدداً كبيراً من الطلاب لا يتلقى التدريب العمليَّ الصحيح أثناء فترة الدراسة, ناهيك عن عدم تجاوب الصحف مع إنتاج الطلبة الإعلامي مما لا يُسهم في الارتقاء بالعملية الصحافية في البحرين؟
- الفكرةً ممتازة، وربما اتبعناها في فترة وقصرنا في حقها في فترةٍ أخرى, وحاليّاً لدينا عدد من المتدربين ندربهم بصورةٍ مباشرةٍ في الميدان, وهؤلاء ننشر ما يكتبون من تحقيقات وأخبار بأسمائهم تشجيعاً وتكريماً لهم، وأيضاً مارسوا مهنة الصحافة, ونحن في الفترة الأخيرة فتحنا الباب بالفعل ونمتلك أفكاراً لتوفير ورش عمل مجانية لأعداد أكبر حيث كانت هذه الفكرة موجودة في السابق، والآن نود فتحها مرة أخرى للراغبين في تطوير مهاراتهم.
6. كانت "الوسط" نموذجاً لصحيفة وطنية شاملة لا يتحكم فيها شخص واحد. وطوال سبع سنوات تقريباً من عمرها قفزت قيمة السهم من 50 ألف دينار بحريني إلى 150 ألف دينار استطاعت أن تستحوذ على حصة كبيرة في السوق الإعلاني والتوزيع والبيع والانتشار, فما هي الأسباب التي أدت إلى تحقيق مثل هذا المستوى الاقتصادي المرموق المتطور؟
- أعتقدُ أن "الوسط" أعطت مساحة للرأي الآخر, فالرأي في البحرين لا يتكون فقط من الجهات الرسمية, بل هناك الجهات الشعبية الناقدة والمؤيدة، وهناك المصالح الاقتصادية، وهذه كلها تمتلك وجهات نظر, فنحن نعيش في عالمٍ متداخلٍ اليوم, والخبر العالمي يؤثر على الخبر الإقليمي والمحلي، ونحن نفسحُ المجال أمام القارئ ليكونَ مطلعاً بدقةٍ على المسرحِ السياسي الدولي الإقليمي والمحلي والعالمي, وهو المجال الذي يجعل الصحيفة أكثر مرغوبية ومقروئية, ونحن يسعدنا كثيراً أن هناك من يثق بالصحيفة حتى ولو كان يمتلك موقفاً نقديّاً منها, فالبعض يأتي للصحيفة ليتأكد من صحة الأخبار, ليعرف كيف حدث الخبر وليتعرفَ على الرأي والرأي الآخر, ونحن نفرق بين الخبر والرأي, فالأعمدة مخصصة للتعبير عن وجهات النظر, وهناك أخبار كثيرة لا تنشر؛ لأنها تخالف رأي الصحف، وهذا ما هُو سائدٌ في منطقتنا, بينما نحن في "الوسط" نحاول أن نأخذ النهج السائد المتبع في صحف الدول المتقدمة كلندن وأمريكا بقدر الإمكان, ونحن لا نستطيع الوصول إلى هذا المستوى من دون الأخذ بالاعتبارات المحيطة بنا, لكننا نحاول أن نجعل المقارنات بين صحيفة "الوسط" وبين ما تنشرهُ صحيفة "التايمز", أو "النيويورك تايمز", أو ما تنشرهُ صحف رائدة في العالم العربي مثل "الشرق الأوسط" وغيرها, هل هناك توازن؟ هل من يمسك الصحيفة يفهم ما يجري في العالم؟ يفهم الآراء المختلفة حول قضيةٍ مَّا كالقضية السورية, أو العراقية, أو الفلسطينية, أو مثلاً ما يجري في مصر وليبيا, أو البحرين أو الخليج؟ فهل إذا قرأ الخبر يكون باستطاعته التعرف على الآراء المختلفة, يطلع على ما جرى, المشكلة أنه في كثير من الأحيان الخبر لا ينشر أساساً, ففي حوارِ المنامة مؤخراً كانت هناك تصريحات ناقدة من داخل مجلس التعاون الخليجي, فهذه المجريات لا تنشر كما حدثت، لكننا في "الوسط" ننقلها كما حدثت، فوزيرُ خارجيةٍ قال كلاماً مَّا ورد عليه وزير خارجية دولة أخرى بكلام آخر, فنحن ننشر ماذا قالا, وإذا ما كنت حراًّ ومستقلاًّ يجب أن تعرضَ الرأيين من دون التدخل في أي رأي, وبمقدار ما تحترم الصحيفة قراءها يحترم القارئ الصحيفة ويشتريها, وبالتالي تستطيع تعزيز قيمتها في السوق, فالمستثمر والمعلن ينظر إليها باحترام ويقدرها، ويحاول أن يكون مستثمراً أو معلناً أو قارئاً لها.
7. في حوارٍ معك أجراهُ الإعلاميُ سليمان الهتلان, قلت إنكَ نصير الديمقراطية والشفافية وحقوق الإنسان في كل مكان, لذلك فإن صحيفة "الوسط" لا تتوانى في نشر قضايا العمال والآسيوين وما يقع عليهمْ, ونظراً إلى كون هذه الفئة تشكل نسيجاً مجتمعيّاً في البحرين أغلبيته لا تتقن قراءة اللغة العربية، لماذا لا يتم التفكير جديّاً في إصدار نسخة من "الوسط" باللغة الإنجليزية حتى يكون انتشارها أوسع، ويشمل الناطقين باللغتين العربية والإنجليزية؟
- يوجد مشروع مؤجل منذ فترة وهو مشروع الصحيفة الإنجليزية, لكن المشكلة تكمن في تقلبات السوق البحرينية, فحينما يكون هناك منتج يجب أن تتحمله السوق من الناحية الاقتصادية, فالمنتج مطلوب لكن السوق الإعلانية في البحرين خلال السنوات الثلاث الأخيرة منخفضة نتيجة الأحداث التي مرت بها البحرين، وفي نهاية المطاف فإن مشروعنا تجاري والمستثمر يسأل أسئلة كثيرة عن الربحية والمردود المادي لمثل هكذا مشروع, ومع الأسف نحن في البحرين, وهو أمرٌ يغفله الكثيرون, هو أن البحرين كانت رابع دولة من حيث الإنفاق الإعلامي في سنة 2004 والآن في 2013 نحن دون المرتبة العاشرة في الإنفاق الإعلامي في منطقتنا الخليجية والعربية وهناك دولٌ عربية كانت في المؤخرة أصبحت تتقدم على البحرين، وهناك دول خليجية كانت خلف البحرين, أصبحت الآن جميع الدول الخليجية أمام البحرين في الإنفاق الإعلاني, وسوق الصحافة تعتمد على الإعلان, وسوق الإعلان في البحرين كانت قبل عشر سنوات أقوى مما هي عليه الآن من الناحية النسبية وفي بعض الأحيان من الناحية الكمية الفعلية للإعلان. فلو أجرينا مقارنة قبل عشر سنوات سندرك أن البحرين كانت قوية جدّاً في سوق الإعلان أما اليوم فهي ليست بتلك القوة، وهذا انعكاس لما يجري في البحرين ونحن نأسف لذلك كثيراً, وهذا يرجعنا إلى نقطة مهمة, وهي أنني لطالما كنت مركزاً على الإصلاح والاستقرار؛ لأن القضايا التي نطرحها تعطي النمو الحقيقي, فلماذا في العام 2004 كنا نحتل المرتبة الرابعة في الإنفاق الإعلاني بعد المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت, لماذا كنا ننافس أكبر من حجمنا في تلك الفترة؟ ذلك يعود إلى أن البحرين كانت تمتلك ازدهاراً سياسيّاً انعكس على الوضع الاقتصادي, أما الآن ومنذ ثلاث سنوات فنحن نعيش في فترة سياسية صعبة انعكست على الجانب الاقتصادي, وهذا الأمر يقيد الخيارات الاستثمارية.
8. في منافسةٍ مع أربع صحفٍ بحرينية, كيف تستطيع "الوسط" أن تحافظ على موقعها ومكانتها المتميزة وسط هذه المنافسة الإعلامية الشرسة في مجال جغرافي ضيقٍ كالبحرين؟
- "الوسط" لها "ماركة" معينة, فهي تتحدث لجميع القراء من مختلف الاتجاهات, على أساس المساواة وعلى أساسِ حقهم في المعرفة, ونحن نؤمن بالحق المتساوي للقارئ والمتصفح الإلكتروني في إدراك ما يجري, فهو حقٌّ إنساني ونحن نؤمن به بشكلٍ مطلق، ونسعى إليه كلما سمحت الظروف بذلك, وهذه هي الميزة التنافسية لـ "الوسط", وهي إيمانها بحق القارئ عليها في المعرفة، ونحن إذا ما استطعنا تقديم هذه المعرفة فيجب علينا تقديمها بدون إدخال العواطف والآراء الشخصية في الموضوع, فهذه الميزة تجعل أية صحيفة تتمسك بها تنجح, ونحن نعتقد في "الوسط" رغم كل الصعاب التي مررنا بها أننا حريصون جدّاً على التمسك بها.
9. رجعت إلى البحرين إبان الإصلاحِ السياسي في بداية الألفية الثالثة, محملاً بالأمل مدفوعاً بالرغبة في إصلاح الواقع البحريني من خلال الصحافة, فلماذا اخترت الصحافة بالذات, ولم تقم باختيار المنصب الوزاري, على رُغم أن حرية الصحافة في الوطنِ العربي بالحجم المعروف, وأن العمل الوزاري قد يُسهم في إحداث تغييرات أسرع على مسار الحياة الواقعية؟
- كان هذا خياراً شرحت ظروفه في 2001, كانت له مسبباته، فكانت هناك خيارات ووجهات نظر, وأنا اخترت أحد الخيارات ولا أدري أن ما كانَ هو الخيار الأفضل، لكنه في حينها، قبل عشر سنوات أو أكثر، منذ اثني عشر عاماً الخيار الأفضل للمرحلةِ التي عشناها ففي تلك الفترة وجدتُّ في نفسي أن خدمة الأهداف الكبرى كالديمقطراطية وحقوق الإنسان وارتفاع المستوى المعيشي للإنسان بصورة لائقة عن طريق الصحافة هو ما أطمح إليه، وذلك كان تقديري في 2001 - 2002, وربما لو أن المشكلة تتكرر في ظروف أخرى تصبح هناك أفكار أخرى, وبعد هذه المرحلة الطويلة من العمل كان الخيار الصائب بالنسبة لي على الأقل، وإنني أشعر في كثير من الأحيان بأنني أديتُ ما عليَّ من واجبات تجاه المجتمع, صحيح أنني لاأزال أشعر بالتقصير؛ لأن الإنسان مهما قدم يستطيع أن يقدم أكثر, لكنني أسأل الله أن يوفقنا لنكون عند حسن الظن بالآخرين، وألا يغيب عن نظرنا الهدف الأكبر, فالخيارات متنوعة، لكن الهدف الأسمى يظل كما هو، وأتمنى أن أكون في خدمته.
10. صحيفة "الوسط", يومية مستقلة شاملة بحرينية. تأسست في 2002 من قبل مجموعة من المستثمرين البحرينيين لخدمة مجتمع متنوع الثقافات، إلى أيِّ حدٍّ استطاع الشارع البحريني أن يفهمَ هذهِ الحقيقة, ولا سيما بعد الأزمة البحرينية حيث اتُّهمت الصحيفة بأنها معارضة, وبأنها تنحازُ إلى طائِفةٍ دون أخرى؟
- هذا التحدي مستمر, فقد ننجح وقد نخفقْ, وقد نستطيع في فترة ونواجه تحديات في فترة أخرى, لكن الإنسان يجب أن ينوي أن يعمل من أجل الجميع ومع الأيام تتكشف الحقائق, الأحداث والصعاب تمر على الإنسان وتكشف غايته وبصورةٍ جوهرية أساسية, الأكثرية ممن يطلعون على "الوسط" يعرفون أن هويتها بحرينية, إنسانية خالصة وهي لا تفرق, نعم هناك اهتمام بأخبار فئة معينة من المجتمع, وربما هي تغطية لأخبارٍ الآخرون لا يغطونها, وحينما تقوم بتغطيتها تظهر بصورة المتخصص في هذا الشيء، والحالة الطبيعية أن الجميع يغطي هذه الأخبار, وحينما تقوم بتغطية الرأي الناقد, سواءً كانوا يساريين أو شيعة وتقوم بنقل وجهات النظر, وتنقد وجهات نظر المعارضة قد يبدو هذا غريباً على البعض. وفي خضم هذا التحدي علينا أن نصرَّ على المبدأ أننا نعكس وجهات نظر الجميع ولا يجوز أن نحقر من أحد؛ لأن الكرامة الإنسانية متساوية, ولا يجوز أن نظلم أحداً, فالظلم ليست له هوية وهو عمل شائن مدان دينيّاً وإنسانيّاً, ويجب علينا الوقوف ضده بقدر المستطاع, والزمن بحد ذاته يكشف للآخرين مدى صدقك مع هذه المبادئ أو لا.
11. إبان الأزمة البحرينية في 2011م, أغلقت الصحيفة في الثالث من أبريل/ نيسان العام 2011م, وذلك بسبب نشر أخبار مفبركة حول الوضع السياسي آنذاك, فكيف ترد على كُل هذه المزاعم, ولا سيما أنك تلقيت في العام نفسه وبتاريخ 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الجائزة الدولية لحرية الصحافة والتي قدمتها لجنة حماية الصحافيين في نيويورك؟
- "الوسط" استهدفتْ, ومن استهدفنا فعل ما فعل، لكن تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق اطلع على القضية وأخذ المعلومات من الجانب الرسمي والجانب الذي اتهمَنا ومنَّا أيضاً, وحقق في الموضوع ووجد أن "الوسط" بريئة مما اتهمت به, ونحن لم نكن بحاجة إلى أخبارٍ صغيرة لكي ننال من الوضع وكانت الأخبار التي اتهمنا بها ليست ذات أهمية، وقد زرعت في "الوسط" زرعاً اكتشفنا المصادر, وأعتقد أن هذه القضية قد أصبحت خلفنا, ونحمد الله أن ليس فقط تقرير بسيوني من اطلع على القضية، بل كل الجهات الدولية بما فيها مسئولون في الدولة ويعلمون ببراءتنا مما اتهمنا به بصورةٍ تامة, ونحن لا نشتكي؛ لأن الوضع كان متشنجاً وهناك الكثير من الأخطاء التي أدانها التقرير ونأمل أن تخرج البحرين من هذه الأخطاء وأن لا تعود إليها أبداً.
12. يقول الروائي عبدالرحمن منيف في إحدى كتاباته "لا يمكن أن يكون المثقف بديلاً من الحزب السياسي كما أنه يجب أن يكون المثقف مجرد صدى للحزب السياسي. من هنا، عليه أن يكون لديه موقف نقدي، ومختلف، وهذا يتطلب صيغة ديمقراطية وتعدد وجهات النظر والآراء", وفي حوارٍ لك مع الإعلامي سليمان الهتلان قلت إنكَ رجعت إلى البحرين ممارساً العمل الصحافيَ لتعكس وجهات نظرٍ ناقدة, فإلى أي حد تمكنت من خلالِ المؤسسة الصحافية من ممارسة هذا النقد, سواءً على مستوى الحكومة أم على مستوى الأحزاب المعارضة في البحرين؟
- ما أشار إليه عبدالرحمن منيف حول أن المثقف ليس بديلاً عن الحزب السياسي هذا صحيح, فالمثقف يبقى صاحب رأي ويساهم في تشكيل الرأي, بينما الحزب السياسي والحكومة والمجتمع المدني يمارسون العمل ويخلقون الحدث أساساً, فالرأي العام يؤثر في الحدث، والحدث يؤثر في الرأي العام, فهي عملية متداخلة ومتكاملة وليست بديلة عن بعضها بعضاً, والإنسان يحتاج إلى صاحب الرأي المستقل لكن هذا الرأي ليس بديلاً عن التشكيلات التي تنتظم بها الحياة, فصحيفة "الوسط" ليست حزبية، وأنا ضد الصحف الحزبية التي تتخذ دور صحيفة وطنية وهي تمارس دور الدعاية لهذا الحزب ولا تستطيع أن تنتقد هذا الحزب. وفي الدول المتقدمة الصحف لا تعبر عن حزب, فصحيفة "اللاموند" "الغارديان" و"التايمز" لا تعبر عن حزب لكنها في أعمدة الرأي تميل ميلاً يساريّاً أو يمينيّاً بحسب المصطلحات في عالم السياسة, الأمر الذي ينطبق على "الوسط", فـ "الوسط" تود أن تعتبر نفسها دائماً نصيرة للديمقراطية, والشفافية والرأي والرأي الآخر؛ لأنها تنتقد الممارسات التي تضر بالديمقراطية والشفافية في أي مجالٍ من المجالات, وعلى هذا الأساس يمكن للمعارضة أن تضر بالممارسات الديمقراطية كما الجهات الرسمية ويجب على "الوسط" وغيرها من الصحف أن تنتقد, ومنذ تأسيس "الوسط" وحتى اليوم "الوسط" كانت من أكثر الناقدين للمعارضة, فانتقدت المعارضة حينما كانت خارج البرلمان ثم حينما أصبحت داخله, انتقدنا ممارسات على المستوى الشعبي ولانزال ننتقدها, وانتقدنا ثقافات نعتبرها ضد التسامح ونعتبرها غير حميمة للبيئة ولا تنظر إلى الصورة الكبرى, نطرحها بصورةِ عمود أو تحقيق, بصورةٍ مباشرة وغير مباشرة, فـ "الوسط" تمارس هذا الدور، وتعتبر نفسها جهة تنويرية في هذا المجال إن لزم الأمر تصحيح المسار الذي نحن عليه, أيضاً هي تعتبر نفسها جهة ناقدة، إذا ما وجدت أن بعض التصرفات تناقض ما نسعى إليه من خلال مزيد من التعددية, ومزيد من حقوق الإنسان والشفافية, فنحن نسعى إلى انتقادها, وبعض الفترات تكون صعبة جدّاً، فالتغطيات تخف لكننا نبقى حريصين على هذه المهمة ونعود إلى ممارستها بصورة أفضل كلما استطعنا ذلك.
13. قبل أيامٍ قليلة احتفل العالم أجمع باليوم العالمي للفساد, وإن الفساد يشمل، في معناه، مفردات كثيرة والإعلام بينها, إلى أي حدٍّ تقيِّم الفَساد الإعلامي في الصحَافة البحرينية، وأساسياتِ المهنة؟ من خلال الأخبار المضللة أو المقالات التحريضية, أو خطاب الكراهية و العنف, وهل أولاً: نحتاجُ في البحرين إلى مؤسسةٍ إعلاميةٍ مُستقلة تعمل على مكافحة هذا الفسادِ, نَظراً إلى أهميةِ الكلمة وقوتها وتأثيرها في الجمهور المستقبِل؟ وثانياً: هل بذلت جهودٌ بُذلت لتنفيذ مثل هكذا مشروعٍ على أرض الواقع؟
- الفساد في الإعلام يختلف عن مهمة الإعلام, فالفساد في الإعلام يقصد به تداخل المال في التغطيات الصحافية, أو أن تكتب عموداً مقابل معاش تتسلمه, أو تكتب خبراً مقابل مال, ونحن صارمون بهذا الخصوص, فيمنع منعاً باتّاً تسلم المال مقابل خبر, أو عمود, أو خلط المادة الإعلانية بالمادة التحريرية، ويجب أن تكون الصفحة واضحة أنها إعلان للإنسان العادي قبل المتخصص، فيعرفها أنها إعلان مدفوع الثمن, ولكن الخطورة ألا يعي المواطن أن هذا الخبر أو العمود مدفوع الثمن, ونحن في "الوسط" ضد هذا الشيء, وعلى رغم صعوبة كشفه, فإننا نحذر منتسبينا ومتدربينا من أن تسلم المال من أجل كتابة خبر ضد أخلاقيات المهنة، وفي بعض البلدان هو ضد القانون، ويعتبر نوعاً من أنواع الفضيحة لو كشف في بلدٍ مّا, فلو كشف هذا الأمر على سبيل المثال في بريطانيا بأن العمود أو الخبر كتب مقابل تسلم الشخص مبلغاً من المال أو هدية فإن هذا الصحافي ينتهي, والصحيفة أيضاً إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة تنتهي أيضاً, فالعرف الديمقراطي والأخلاقي في المهنة الصحافية لا يقبل ذلك لكن مع الأسف في منطقتنا لا يوجد ما يمنع ذلك، فهناك الأحلام الكثيرة، نأمل أن يتم منع ذلك, وإذا ما كان الشخص يمتلك عموداً شهريّاً أو أسبوعيّاً أو يوميّاً يدافع فيه عن جهة معينة مقابل الحصول على معاش شهري مقتطع فهذا ممنوع في الصحافة, ويجب أن يعاقب من قبل الجسم الصحافي، وأنا ضد معاقبة الصحافي من قبل جهات جنائية؛ لأن الصحافي ليس مجرماً إن أخطأ في الرأي, فيجب أن تكون هناك جهة نقابية تمنعه, تبقى مسألة دور الإعلام، هل هو تحشيدي, أم تنويري؟ أما دوره في تشكيل الرأي العام المتنوع, فالمشكلة أن ما يطغى في المنطقة هو دور الإعلام التحشيدي, فالسلطات تستخدم الإعلام لإبلاغ الناس وإرعابهم وتحشيدهم ضد بعضهم بعضاً, وهذه وسيلة تستخدم كثيراً في المجتمعات التي لم تنعم بالديمقراطية كثيراً ومنطقتنا العربية لا تنعم بالديمقراطية، وإن وسائل الإعلام ضحية من ضحايا غياب الديمقراطية, وأعتقد أن التوجه العالمي هو لمزيد من الديمقراطية, وإذا تعززت هذه الموجة وانتشرت في بلداننا فإن هذا النوع من الإعلام سينتهي أيضاً.
14. شَهد العام 2011 قيامَ ما يُسمى بالربيع العربي, الأمر الذي أحدث طَفرةً جديدة في مجال الإعلام, فلم يعد الصحافي والمراسل والمصورُ الأكاديميُّ الحرفيُّ وحده القادر على نقل الصورة؛ لأن المواطن العاديَّ بات يشغل كل هذه الأشياء دفعة واحدة, ما جعل الكثير من الأصوات تنادي بتراجع وتقهقر المدرسة الصحافية "الكلاسيكية"... إلى أيِ حدٍّ تقيم تأثر صحيفة "الوسط" بالإعلام الجديد كالفيس بوك والتويتر, وهل حاولت "الوسط" مجاراة هذا التطور, وهل نجحت فيه؟
- لا شك, إن انتشار ظاهرة المواطن الصحافي قد غيَّرت من المساحة التي يعمل فيها الإعلام التقليدي, فالإعلام التقليدي يحتكر الزمن الذي تنشر فيه المعلومات، وكانت هناك المنافسة بين مختلف المؤسسات الإعلامية, أما اليوم فالمؤسسة الصحافية ينافس فيها مواطن عادي, مواطن في قلب الحدث, لكن يبقى الدور الجديد للصحافة ليس في منافسة هؤلاء, في بعض الأحيان المواطن الصحافي يتحول إلى ناشط إعلامي, ينشط في المجتمع والسياسة من خلال وسيلة إعلامية لديه, من خلال "الفيس بوك", او " التويتر", أو "اليوتيوب" أو المدونات, بمعنى آخر هو فاعل في الساحة يحتاج إلى من يغطيه, فاليوم، أي وزير في الساحة يستطيع أن يقول أي كلام لكن أهميته عندما تلتقط وكالة الأنباء ما قاله وتنشره في وكالاتها العالمية, يبقى أن الصحيفة عندما تأخذ هذه الأشياء وتحللها فالإنسان يبحث عن هذه المصداقية والحقيقة وأثر هذا الكلام في الواقع المعاش, لذلك يجب أن يكون هناك تفاعل مع هذه المساحة وتقديم ما لا تستطيع أن تقدمه سواءً على مستوى الجماهير, مساحة المتصفحين أو القراء أو المصداقية أو الموثوقية أو البعد التاريخي, فهذه هي الأشياء التي تستطيع أن تلعبها المؤسسة الصحافية. فاليوم يجب أن يكون هناك متخصصون في المؤسسة الصحافية في الإعلام الجديد, من خلال مراقبة نشاط التغريد, والمغردين والنشاط الاجتماعي, فليس فقط الإعلام من يستفيد بها، بل حتى وزارات الخارجية, فدائرة الإدارة الدبلوماسية العامة في الحكومة الأميركية تحتوي على مجموعة من الشباب المطلع على الإعلام الجديد, فهذه الوسيلة ليست منافسة لكن الإعلام يحتاج إلى أن يطور من نفسه ليواكب هذه الموجة وإلا سينتهي.
15. في كتابه تغطية للإسلام, يقول المفكر إدوارد سعيد "نحن لا نعيش في عالم الطبيعة العفوية, والأشياء من قبيل الصحف والأنباء والآراء تحدث بشكل طبيعيٍّ من تلقاء ذاتها, بل هي تصنع نتيجة إرادة إنسانية ونتيجة للتَّاريخ والظُّروف الاجتماعية, ومؤسسات المجتمع وأعراف مهنة الإنسان, وأن أهداف الصحافة من قبيل الموضوعية والواقعية والتغطية الحقيقية والدقة هي عبارات نسبية جداًّ, فهي تعبِّر عن مقاصد وليس عن أهداف ممكنة التحقيق, ولا ينبغي لنا التفكير بوصفها أموراً حقيقية تحدث فقطْ, بل هيَ مؤدلجة ومسيسة لخدمة أغراضٍ معينة, فإلى أيِ حدٍّ استطاعت "الوسط" أن تحافظ على حياديتها وموضوعيتها إبان الأحداث السياسية الراهنة, ولاسيما أننا نقرأ الكثير من الكلام المضاد حول سياسات الصحيفة الداعمة "للعنفِ" كما يقال, وحول انحيازها إلى جهة المعارضة بالذات؟
- يتحدثُ هنا إدوارد سعيد عن الجانب العولمي, من العالم الكبير جداًّ والذي نحن بالتأكيد نعتبر جزءاً منه, وقضية الموضوعية والحيادية هي نسبية ويقيسها دائماً بما هو متوافر, ونحن في كثير من الأمور نقيس الأمور نسبة إلى شيء, فالشخص قد يصف نفسه بالموضوعي عندما يكون الآخرون غير موضوعيين, لكن من الصعب تحقيق عامل الموضوعية في كل الجهات؛ لأن الإنسان لايزال لديه ميول, وآمال, وآلام, تؤثر عليه, لكن يجب عليه تذكير نفسه بأن يبتعد عن الطرح غير الموضوعي, والعاطفة قدر الإمكان؛ لأن هذا جزء من جهاد الإنسان مع ذاته, فالإنسان يتجه دائماً إلى غريزة الذات والأنا, لكن الشخص الذي يبني حضارة, يبحث عن القيمة والمعنى، فهي عملية موازنة قد يخفق الإنسان فيها أحياناً وقد ينجح أحياناً أخرى.
16. لايزالُ قانون الصحافة البحرينية مراوحاً مكانه بين أدراج الحكومة وثلاجة النواب, ولم يتم إقراره بعد, كيف تقيِّم الوضع الصحافي في البحرين جراء عدم إقرار هذا القانون بعد, وما هيَ الانفراجات المتوقعة على هذا القانون حيال تطبيقهِ على أرضِ الواقع؟
- نحن موعودون بهذا القانون منذ صدور القانون الحالي رقم 47 للعام 2002, وقد صدر هذا القانون ضد المقترح الذي تقدم به ولي العهد, فولي العهد كان رئيس لجنة تفعيل الميثاق, وقد قدمت اللجنة مقترحاً لقانون ممتاز بالنسبة إلى الدول العربية في تلك الفترة، لكن لم يؤخذ به وصدر قانون مختلف تماماً, وفي حال صدر قانون أفضل من ذلك أو لم يصدر, أنا اعتقد أن الجانب التشريعي جزء مهم، لكن أيضاً أن يكون هناك إيمان وقناعة من النظام والسلطة الماسكة بموارد الدولة, أن تكون مقتنعة بدور الإعلام في حصول نهضة حقيقية, فلو فسح المجال أمام الإعلام أن يتطور, لربما كانت "غوغل" العربية, أو الـ "بي بي سي" العربية تأخذ مقرّاً لها في البحرين, فمثل هذه المؤسسات طاقة إبداعية على مستوى الإنتاج التلفزيوني والسينمائي، وهي بحاجة إلى بيئة من التشريعات الحرة ولو كنا نمتلك مثل هكذا بيئة لوصل شبابنا إلى هوليود, و"النيويورك تايمز" ورفعوا اسم البحرين عالياً، لكننا لم نفسح المجال لهذه البيئة أن تنتعش, ربما لأن صناع القرار ليسوا مقتنعين بأهمية واستراتيجية هذا القطاع, فأنا أؤمن بأهمية هذا القطاع، ولو فسح له المجال لأعطانا دخلاً للبلد بشكل كبير وسمعة كبيرة تنافس القطاع المصرفي مثلاً.
17. منذ اندلاع الأزمة البحرينية إبان العام 2011 والمتتبع لسيرِ مقالاتكَ اليومية يلحظُ الخطَّ البارزَ في الدعوةِ إلى انتهاجِ مبدأ الحوارِ والديمقراطية ومبدأ الاعترافِ بالآخر, مما يدفعُ البعضَ إلى القول إن كل هذا الخطاب لم يعد يفيد شيئاً في حل هذه الأزمة، وأن الحديثَ عن الديمقراطية باتَ أشبه بفقاعة الصابون التي تنتهي قبل أن تبتدئ... فما ردكَ على هذا؟
- الإحباط حالة طبيعية لعدم وجود نتائج ملموسة على الأرض, ويبقى التحدي كيف نحرك هذا الجمود, فهناك جمود في الأفق السياسي وفي وقت ما كانت الأمور أسهل في البحرين, فالتحدي هو كيف نخرج من هذا الإحباط وهو منتشر بشكل واضح، ونأمل ألا يستمر هذا الإحباط, وانتشار الإحباط واعتقاد أنه لا فائدة من كل هذا الكلام, يثبط موقفنا أمام التقدم, لا أعرف حله حالياًّ, لكن أتمنى في يومٍ من الأيامِ أن نجدَ له حلاًّ.
وفي المسافة الفاصلة بين التفاؤل والإحباط, بين الصمتِ والكلام, بين السياسةِ والإعلام ثمة كلامٌ كثير, قيل منه القليل وبقيَ منه الكثير... في لقاءٍ آخر, رُبما!
العدد 4215 - السبت 22 مارس 2014م الموافق 21 جمادى الأولى 1435هـ