العدد 4215 - السبت 22 مارس 2014م الموافق 21 جمادى الأولى 1435هـ

«بنا»: التعاون الأمني والغذائي من أبرز نتائج زيارة العاهل لباكستان

حققت زيارة عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة لجمهورية باكستان الاسلامية الصديقة نتائج باهرة تعكس التعاون الذي يتطلع اليه البلدان على الأصعدة السياسية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية كافة.

وكان جلالة العاهل ترأس خلال زيارة الدولة الرسمية لجمهورية باكستان الاسلامية الصديقة في الفترة من 18 حتى 20 من شهر مارس الجاري وفداً ضم أكثر من 100 مسئول وشخصية، منهم كبار السياسيين والاقتصاديين، فضلاً عن أصحاب الأعمال، وإبرام عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم تمثل عماد مستقبل العلاقة التي تربط كلاًّ من البحرين وباكستان، تلك هي النتائج المادية المباشرة التي أسفرت عنها زيارة جلالة الملك لجمهورية باكستان.

بيد أن هذه النتائج الجوهرية، وعلى رغم أهميتها في دراسة مسار وتطور مستوى العلاقات بين البحرين وباكستان، لكنها ليست النتائج الوحيدة، ولا الأخيرة، لزيارة جلالة الملك، التي ينبغي أن تلفت انتباهنا إلى جملة من الحقائق المهمة بشأن طبيعة العلاقة بين الدولتين الصديقتين، والتي لا يمكن تجاهلها أو غض الطرف عنها، باعتبارها دلالات ورسائل استراتيجية كشفت عنها اللقاءات التشاورية المكثفة بين مسئولي البلدين، وأكدتها الزيارة بفعالياتها المختلفة، وأبرزتها المباحثات التي أجراها جلالة العاهل والوفد المرافق له مع كبار المسئولين في جمهورية باكستان الصديقة، ويمكن إيضاحها كالآتي:

حجم ومستوى التفاهم القائم بين البلدين

بدت هذه التفاهمات جلية إزاء جملة من الملفات ذات الاهتمام المشترك، المحلية منها والإقليمية والعالمية، وهنا لا يتعلق الأمر فحسب بتلك القضايا والمسائل التي لا يخلو منها فضاء العلاقات بين الدول، وتم التوقيع على الهياكل التنسيقية لها خلال الزيارة وبحضور جلالة العاهل ورئيس الوزراء الباكستاني، ولوحظ مدى شموليتها وتغطيتها للعديد من جوانب التنسيق والتعاون الثنائي بين البحرين وباكستان، ولاسيما منها ما يتعلق باللجنة الوزارية المشتركة بهدف إعادة تفعيل الإطار المنظم للعلاقات ولترتيب وتنظيم التفاعلات السياسية والاقتصادية بين البلدين في المستقبل، هذا فضلاً عن مذكرات التفاهم واتفاقات تنمية التعاون في مجالات الطاقة والمياه والأمن الغذائي وغير ذلك من ملفات.

واقع الأمر، لم تقتصر التفاهمات على ذلك فحسب، وإنما تجاوزت ذلك لتشمل رؤية البلدين للتحديات الأمنية التي قد يتعرضان لها مستقبلاً بالنظر إلى قرب التشابه في التجربة التي يمران بها، حيث المخاوف من امتدادات وأذرع وممارسات الجماعات الراديكالية ذات التوجه الديني أو التي تصطبغ برداء الدين، وهو منها براء، والتي لم يعد ممكناً مواجهتها إلا بالتكاتف سويّاً لوأد المخاطر التي تفرزها في مهدها، كما لم يعد ممكناً تجاهل الارتباطات بينها على امتداد خريطة الكرة الأرضية، ولا المخاطر الجسيمة المتشابهة التي تفرضها باعتبارها كيانات تحاول القفز على سيادة الدولة وسلطانها، فضلاً عن الكلفة الباهظة الناتجة عن التصدي لها بشكل منفرد، الأمر الذي لم يعد بالإمكان الاستغناء عن خيار وحتمية التعاون الحقيقي والكامل، وهو ما أدركه البلدان، لمواجهتها والتصدي لها.

وقد تأكد هذا المعنى بين قادة ومسئولي الدولتين في أكثر من مناسبة، وإن كنا سنركز على إشارتين مهمتين في هذا الصدد، الأولى عندما أكد العاهل في لقاءاته التي أجراها مع المسئولين الباكستانيين وفي كلمته بمقر هيئة الأركان المشتركة الباكستانية ضرورة مواصلة البلدين دورهما في خدمة القضايا ذات الاهتمام المشترك وتعزيز التفاهم والتعاون بينهما حولها، والتي تأتي على رأسها تحديات العالم الجديد الأمنية.

ولا شك أن هذا التوافق البحريني الباكستاني يجيء كتجسيد واضح لرؤية البلدين بشأن شمولية مفهوم الأمن بأبعاده المختلفة، وتأثيره على حركة البناء والتنمية، وأهمية أن تستفيد الدولتان من تجربتهما في مواجهة كل ما من شأنه تهديد السلم الإقليمي والعالمي على السواء، وخاصة أن كلا منهما يعول عليه باعتباره مختبرا للاستقرار في الشرق الأوسط والخليج من جهة ووسط آسيا من جهة أخرى، ويعدان عنصرين محوريين من عناصر حفظ وحماية نظم الأمن الإقليمي في مناطق حيوية تعتبر من أكثر مناطق العالم سخونة وتوتراً.

الإشارة الثانية جاءت في لقاء وزير الداخلية البحريني مع نظيره الباكستاني، وتأكدت عندما أبرز الأخير في تصريح لإحدى الفضائيات موقف بلاده ووقوفها إلى جانب مملكة البحرين في محاربتها للإرهاب ودعمها الكامل للإجراءات والخطوات كافة التي تتخذها للتصدي لكل ما يمس أمنها واستقرارها، واستعدادها الكامل لتقديم خبرتها وتجاربها في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، وهو ما أكده البيان المشترك أيضاً في ختام الزيارة، عندما أشار إلى الاتفاق على إجراء الحوار الأمني سنويّاً، وتعزيز تبادل المعلومات والاستخبارات والتقييمات الأمنية بين البلدين.

وتنبع أهمية هذه الإشارة التي يمكن وصفها بالرسالة القوية من عدة اعتبارات، منها: إدراك البحرين خطر الجماعات الإرهابية، واستعانتها بكل ما من شأنه تعزيز قدرتها على مواجهتها، ولاسيما باكستان التي تعد من أكثر دول العالم عرضة للإرهاب الغاشم، وسعي البلدين لتأطير التعاون في هذا المجال وتعميق جذوره حتى يكون قادراً على تلبية الاستحقاقات التي تفرزها تحولات ومستجدات الجماعات الإرهابية بتلويناتها المختلفة.

الاقتصاد قاطرة التعاون المشترك

تبدو أهمية الجانب الاقتصادي في الزيارة السامية واضحة بالنظر إلى جملة من المؤشرات، قد يكون أبرزها حجم الوفد الاقتصادي المرافق للعاهل بالمقارنة بغيره، والذي يكشف في قوته وتشكيلته حرص القيادة على الاهتمام بدور القطاع الخاص الوطني، والفرص التي تتاح له للصعود والازدهار باعتباره محور النمو وعماد النهضة والرقي.

هذا بالإضافة إلى الفعاليات التي قام بها ونظمها الوفد الاقتصادي البحريني مع المسئولين الباكستانيين سواء خلال استقبال العاهل لأصحاب الأعمال البحرينيين والباكستانيين أو عبر منتدى أصحاب الأعمال باكستان ـ البحرين، واستهدفت هذه الفعاليات ليس فقط الترويج لبيئة الأعمال والحوافز التي تقدمها البحرين لتشجيع تدفق الاستثمارات إليها، وتدعيم الروابط الاقتصادية التاريخية بين أصحاب الأعمال البحرينيين والباكستانيين، وإنما تحقيق هدف استراتيجي مهم من أهداف البحرين، وهو بلوغ مستوى عال من مستويات الأمن الغذائي الذاتي.

وهنا يجب التدقيق جيداً في حقيقتين مهمتين تؤكدان الجهود الوطنية التي تبذلها القيادة للارتقاء بدور الاقتصاد الوطني لما له من دور وثقل في رفعة مملكة البحرين من جهة وتحسين مستوى مواطنيها من جهة أخرى، الأولى تتعلق بالاتفاقات ومذكرات التفاهم سواء التي وقعتها الدولتان أو مؤسساتها الاقتصادية لتشجيع وحماية الاستثمارات المشتركة، ومن ثم تعزيز التبادلات التجارية بين البلدين، كمذكرة التفاهم بين مجلس التنمية الاقتصادية ومجلس الاستثمار الباكستاني وغيرها، وهي الاتفاقات التي ستسهم بلا شك في زيادة التفاعلات على هذا الصعيد، والمعروف هنا أن التجارة غير النفطية بين البلدين وصلت العام 2011 إلى 157 مليون دولار بنسبة زيادة تصل إلى أكثر من 65 في المئة مقارنة بالعام 2006، إما إجمالي حجم التجارة من النفط وغيره فقارب العام 2011 نحو 400 مليون دولار، بزيادة تقدر 400 في المئة بالمقارنة مع 105 ملايين دولار العام 2006.

الحقيقة الثانية تتعلق بالخطوات التي يتعين على الدولتين اتخاذها لتوفير قوة دافعة لزيادة الاستثمارات المتبادلة، وخاصة أن العلاقات التجارية والاقتصادية، وعلى رغم تحسنها، فإنها دون الإمكانات الحقيقية للدولتين، مثلما أكد ذلك الرئيس الباكستاني، الذي دعا إلى ترجمة حسن النوايا السياسية والروابط الأخوية بين البلدين إلى شراكة اقتصادية وتجارية قوية ما يعود بالفائدة المشتركة على شعبي الدولتين.

ولا شك أن لكل من مملكة البحرين وباكستان أهدافهما المنشودة من أجل تحقيق هذا الغرض، وذلك تجسيداً لمساعي الأولى من أجل ضمان تحقيق أمنها الغذائي، وإدراكا منها لميزات الإنتاج التنافسية وإمكانات النمو الاقتصادي الكبيرة في باكستان، وقناعة الأخيرة بأهمية البحرين باعتبارها البوابة المثالية إلى الأسواق الخليجية، ونجاحها في توفير بيئة عمل آمنة لمواطنيها من العاملين وأسرهم ممن يقطنون ويعملون في البحرين ويناهزون المئة ألف نسمة، وتوصف بأكبر ثاني جالية في البحرين، وأشاد بها الرئيس الباكستاني عندما استقبل العاهل.

وهنا يشار إلى مذكرتي التفاهم للتعاون في مجال الأمن الغذائي، وخاصة في مجال زراعة الأرز، وفي مجالات الأيدي العاملة والتدريب المهني، كما يشار إلى سلسلة مذكرات التفاهم التي وقعت على هامش منتدى الأعمال البحريني الباكستاني، والتي بلغت 17 مذكرة تفاهم بغرض دعم الشراكة بين أصحاب الأعمال البحرينيين والباكستانيين، والمعروف هنا أنه يوجد أكثر من 400 شراكة بين أصحاب الأعمال في البلدين، هذا فضلاً عن فروع الشركات الباكستانية العاملة في البحرين، وغير ذلك من مؤشرات تبرهن على سعي الدولتين إلى تحقيق طفرة في علاقاتهما إثر زيارة العاهل.

المستقبل وضرورة دعم أطر التعاون

للمستقبل موضعه المهم على هامش الزيارة السامية الأخيرة، وهو ما أبرزه البيان الختامي وكشفت عنه مباحثات المسئولين البحرينيين مع نظرائهم في جمهورية باكستان، وللتدليل على ذلك يشار إلى عدة آليات يمكن استخلاصها من مجمل فعاليات الزيارة، ما عكس حرص البلدين المشترك على الاستمرار في التشاور في مختلف القضايا وبشكل منتظم، منها: اتفاق الجانبين على ضرورة تعزيز عملية التعاون الثنائي وتبادل وجهات النظر سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الدفاعي أو الأمني، فضلاً عن العلاقات الشعبية أيضاً، دعم الآليات المؤسسية كاللجنة الوزارية المشتركة بهدف تنظيم عملية التباحث والتنسيق الثنائي واستمراريته، إجراء الجولة القادمة من المشاورات الثنائية بين وزارتي خارجية البلدين في النصف الثاني من العام 2014، فضلا عن الاتفاق على إجراء الحوار الأمني بين البلدين بشكل سنوي وعلى مستوى مناسب.

ومن الواضح أن الاهتمام بمستقبل تطوير العلاقات الثنائية البحرينية الباكستانية، والذي احتل جدول أولويات العاهل في زيارته، يرجع إلى ثلاثة عوامل رئيسية، أولها: قدم وعمق العلاقات بين الدولتين، والتي تعود إلى مئات السنين بالنظر إلى العائلات الباكستانية والباكستانيين ممن يعملون في مملكة البحرين واتخذوها مقرّاً لأنشطتهم التجارية والمالية، وهناك الكثير من الأمثلة الدالة على ذلك، ولاسيما في قطاعي التجارة بالتجزئة والمصارف.

ثانيها: أن باكستان هي أكثر الدول الإسلامية الآسيوية اتفاقا مع قضايا البحرين تحديداً، ومنطقة الخليج عامة، ووقفت ولاتزال تقف بثبات مع كل ما تحتاج إليه البحرين من دعم في الأحداث التي مرت بها، وتمثل عمقاً استراتيجيّاً مهمّاً لدول المنطقة ككل، وترتبط بعلاقات وثيقة بالسعودية التي تشغل بدورها مركز القلب لكل بحريني، ومن الطبيعي أن يتم البناء على كل ذلك والاستفادة منه في تطوير مسارات التعاون البحريني ـ الباكستاني.

ثالثها: الفرص التي يمكن أن يوفرها الطرفان للآخر، وخاصة مع نجاح سياستي الانفتاح على الجميع التي تتبعها البحرين، والاكتفاء الذاتي التي تتبعها الباكستان في المجالات والقطاعات كافة، وتبدو الفرص واعدة ومباشرة للدولتين إذا ما وظفت البحرين علاقاتها بالباكستان لإعادة تكرار تجربتها، وخاصة

أن بيئة الأعمال بها تشجع على ذلك، بينما تستطيع جمهورية الباكستان توظيف علاقاتها بالبحرين للدخول وبقوة للسوق الخليجية الواسعة.

العدد 4215 - السبت 22 مارس 2014م الموافق 21 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً