العدد 4214 - الجمعة 21 مارس 2014م الموافق 20 جمادى الأولى 1435هـ

المفكر هاشم صالح: لابد أن يعود العقل للعالم العربي

في محاضرته عن «التنوير العربي» بمركز الشيخ إبراهيم

في محاضرة عن «مهمة التنوير» التي قدمها بمركز الشيخ ابراهيم للثقافة والبحوث، أخذ المفكر العربي هاشم صالح يحاول تشخيص الحالة العربية، ويقدم وصفته الخاصة لعلها تكون ناجعة للخروج من عنق الزجاجة والإمساك بخيط الخلاص. أشار إلى أهمية الأخذ بما أسماه علم التنوير المقارن، وترجمة الجهد الأوروبي الفلسفي ونصوصه الحداثية التي خاضت معاركها مع الذات من أجل التنوير، وأنه ليس علينا أن نعيد تجربة الآخرين وندفع الثمن انقساماً وحروباً أهلية وطائفية، بل من الممكن إعمال العقل والاستفادة من الجهد الفلسفي والوصول للتنوير المؤمن الذي نجد بذوره في التراث الفكري.

دعا صالح في محاضرته إلى الاستفادة من تجارب الآخرين في التنوير، خصوصاً بعد توقف لحظة التنوير العربية عند ابن رشد، وإلى الأخذ بما أسماه «علم التنوير المقارن»، مؤكدا أن من لا يتأمل ولا يقارن لا يعرف ويظل محدوداً ومنغلقاً على ذاته. وأضاف «نحن بحاجة لترجمة فلاسفة التنوير الأوروبي جان جاك رسو، فولتير، كانت، هيغل، لأنهم خاضوا معركة التنوير مع الأصولية المسيحية، وصنعوا ثورة فلسفية، وهذه المقارنة ستعكس التأخر التاريخي بيننا وبينهم». وقال «نحن بحاجة إلى فهم الآخر، وألا نظل رهن الفهم الأصولي المتشدد الذي أعلن عن عجزه ومحدوديته، والذي ولد الحساسيات المذهبية والطائفية، وجعلنا نعلق في بعضنا، والذي لا يمكن أن يستمر في هذا العصر».

الدين والعقل والفلسفة

شدد صالح على أنه لابد من إعمال العقل والعمل بالتفسير العقلاني مشيراً إلى أن العقل هو الذي صنع مجد العرب، داعياً إلى الأخذ بثلاثية العقل، والدين، والفلسفة، وإعادة الاعتبار للعقلانية مفرقاً بينها وبين العقل التجريدي الاستعصائي، مع أهمية التصالح بين الفلسفة والدين، وألا نخاف على ديننا من الفلسفة فهي المهندس الأكبر للدولة.

الذبح على الهوية

وقال «لابد من التفكير كيف ظهر فلاسفة التنوير في أوروبا الذين جاؤوا بعد حروب كبرى دمرت ثلث السكان وظهر الذبح على الهوية بين الكاثوليكية والبرستانتانية، ونحن لا نريد عمل الشيء نفسه، مؤكدا أن حرب الطوائف انتحار ذاتي، مشدداً على دور المفكرين في حسم الصراع فكريا قبل استحواذه على الواقع، فعلى المفكر إضاءة هذه المشاهد وتفكيكها وتفتيتها، وليس المتاجرة وتأليب الطوائف على بعضها، وتدمير الوحدة الوطنية، فالحاجة ماسة للعلاج، من خلال التفريق بين جوهر الدين والقشور».

التنوير المؤمن

وأكد هاشم الحاجة إلى التنوير المؤمن على حد تعبيره بعيد عن التنوير الملحد فإذا كانت أوروبا قبل أن تصل إلى ما وصلت إليه من التسامح والانفتاح والقبول بالآخر والتصالح مع الذات خاضت ما خاضت «فهل لابد أن ندفع الثمن لنصل إلى ما وصلوا إليه من تصالح وتسامح»، لماذا لا نعيد الفهم للتراث لنوفر على أنفسنا الوقت والجهد قبل الحروب الأهلية، فلابد من تقديم نقد عقلاني، فالإسلام دين كوني عالمي قابل لتجديد الفهم.

أرخنة التراث العربي

وأضاف: «حين العودة للتراث من المهم العودة للنص بفهم آخر من خلال أرخنة التراث العربي وإخراجه من صورة المثال الذي هو دائماً فوق الزمان والمكان، فلا يمكن أن نتحاشى التفسير التاريخي للنص، الذي اشتغل عليه بعض المستشرقين، وحتى لو ابتعدنا عن الاستشراق المسيس، فنحن في النهاية مجبورون على مواجهة الذات، والوصول إلى فتوحات في النص»، مشيراً إلى أنه «باعتماد العقلانية والأرخنة نجد أن هناك من وصلوا إلى كشوفات مهمة في النص حتى في القرن الثاني والثالث، بينما نحن لانزال لسنا قادرين على تطبيق المنهج التاريخي، مستشهدا بفضل الرحمن الذي غادر باكستان بدراساته إلى أميركا وكذلك أركون الذي لو كان في الجزائر لما قدم نقده للعقل التقليدي وتاريخية الفكر العربي الإسلامي، وهو ما أكده لي حسن حنفي حاسداً إياهم على هامش الحرية».

كتب اسبنوزا دون توقيع

وعن الخوف وهامش الحرية أشار هاشم إلى ما عاناه الفلاسفة من الرعب من الأصولية المسيحية حيث كان الفيلسوف اسبنوزا ينشر حينها كتبه خالية من اسمه وبدون توقيعه حتى لا يتعرض لاضطهاد طائفي حيث عمل على نقد التراث الأصولي اليهودي والمسيحي وكان ثورة على زمانه، وكذلك كان فولتير متخفياً فترة من الزمن خوفاً من القتل، وأضاف من أجل تصالح الإنسان مع ذاته لابد من قراءة أزمة العقل الأوروبي في تلك اللحظة التاريخية التي كان عليه أن يجتازها إلى لحظة المواجهة مع الذات ليصل للتفسير العقلاني والوعي.

الغرب وخيانة التنوير

وختم صالح مشدداً على أهمية «بعث التراث النهضوي ونصوصه الحداثية، وأن التنوير لابد أن ينجح فبذوره موجودة في القرآن الكريم، مع الاعتراف بتعددية طرق الوصول إلى الله، وتكمن أهمية بعث التراث النهضوي مقابل خيانة التنوير من قبل الغرب وازدواجيته بسبب الاستعمار، وأن هاجس الخوف من العرب كامن دائماً لأنهم قادرون على صناعة حضارة، ولابد من التفكير في كيفية الخروج من عنق الزجاجة وأين هو الخيط الذي يمكن الإمساك به، وتجربتي خلال السنوات التي قضيتها في الفكر هي محاولة لاكتشاف هذا الخيط المؤدي للخلاص، فلابد من التشخيص الذي هو نصف العلاج».

العدد 4214 - الجمعة 21 مارس 2014م الموافق 20 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً