العدد 4214 - الجمعة 21 مارس 2014م الموافق 20 جمادى الأولى 1435هـ

تاريخ بناء مسجد الخميس: التوفيق بين النظريات المتصارعة

في الحلقات السابقة عرضنا نظريتين عن تاريخ تشييد البناء الثاني لمسجد الخميس، إحدى هذه النظريات، وهي التي وضعتها Kervran، قد تناولناها بالتفصيل في كتابنا «مسجد الخميس: الحوزة الأولى وأول مسمار في نعش القرامطة»، إلا أن هذه الفرضية لا تتماشى مع الكشوف الآثارية اللاحقة، كما أنها تختلف اختلافاً جذرياً مع نظرية أقدم منها وهي التي وضعها Deiz. كلا النظريتين بهما جزء من الصحة، وهما يكملان بعضهما البعض، لولا أن بعض الحيثيات البسيطة التي تتعارض فيما بينهما. هذا التعارض نتج بسبب إهمال Kervran لآراء Deiz وصياغتها لنظرية أخرى بدلاً من تطوير نظريته. في واقع الأمر، إن التوفيق بين كلا النظريتين، بحيث يؤخذ جزء من كل نظرية لصياغة نظرية ثالثة، ينتج عنه نظرية تتوافق مع النتائج الآثارية. هذه النظرية الجديدة تمكننا من بناء نموذج لتاريخ جزيرة أوال في نهاية الحقبة الأموية وبداية الحقبة العباسية. ولكن قبل أن نصوغ تلك النظرية الثالثة علينا أن نوضح الخلل في كلا النظريتين وبعدها نحدد القواسم المشتركة بينهما وكيف يمكن التوفيق بينهما.

تعتبر دراسة Deiz مجرد ملاحظات عن تاريخ أجزاء معينة في مسجد الخميس، وبالتحديد حول تاريخ النقوشات والزخارف. وقد خلص Deiz إلى أن بعض أجزاء مسجد الخميس تعود للقرن الثاني عشر؛ وذلك من خلال دراسة نقوشات محاريب المسجد، وأن هناك أجزاء أخرى تعود للقرن التاسع/العاشر الميلادي؛ وذلك من خلال دراسة النقوشات والزخارف على عمود خشبي كان يسند سقف غرفة الصلاة (Diez 1925).

التأثر بالروايات السردية

اعتمدت Kervran على صياغة نظريتها على نتائج التنقيب في موقع الخميس والتي تؤكد على أن هناك ثلاثة مساجد متعاقبة بنيت في موقع مسجد الخميس، إلا أن تواريخ بناء هذه المساجد غير معروفة، كل ما يعرف هو تطوير وتوسعة المسجد في القرن الثاني عشر، وهي صورة المسجد التي بقيت حتى يومنا هذا. أما تواريخ تشييد البنائين الآخرين فجاء على أساس روايات سردية. فقد اقتبست Kervran جزءاً من رأي النبهاني في العام 1914م حول مسجد الخميس والذي ينص أن «هذا المسجد (مسجد الخميس) والمدرسة مع المنارتين الجميع من بناء عمر بن عبدالعزيز الأموي» (طبعة دار إحياء العلوم 1986، ص 33). على رغم أن Kervran على يقين أن هذا الرأي خاطئ؛ لأن نتائج دراستها الأثرية أثبتت أن البناء الظاهر للمسجد بدأ بناؤه في القرن الثاني عشر الميلادي وما بعده وهذا كافٍ ليلغي فرضية النبهاني. وبدلاً من أن تلغي رأي النبهاني، جاءت بما يعزز رأيه؛ فأعادت Kervran صياغة فرضية النبهاني كما يلي: بما أن الثابت أن أول ظهور لمحراب مجوف كان في زمن الخليفة عمر بن عبدالعزيز عندما أعاد بناء مسجد المدينة؛ فإنه من المرجح أن يكون هذا البناء بني في عهده أيضاً أي الفترة 99 -101 هجرية (قرابة 718م) (Kervran et Kalus 1990, p. 36).

أما تاريخ البناء الثاني فقد استنتجته Kervran من قصة أبو البهلول وبناء المسجد والقضاء على القرامة في منتصف القرن الحادي عشر والتي عرضناها بالتفصيل في كتابنا السالف الذكر. أما بناء المسجد الثالث فقد استنتجته من نص نقش بناء عثر عليه في المسجد يعود للقرن الثاني عشر. يذكر أن هذا النقش قد يكون نقش بناء أو نقش ترميم وتوسعة (Kervran et Kalus 1990, p. 36).

يلاحظ أن Kervran أهملت أكثر من ثلاثة قرون (من بداية القرن الثامن حتى منتصف القرن الحادي عشر) من تاريخ جزيرة أوال.

الكشوفات الآثارية والروايات السردية

في العام 2001م نشرت Frifelt نتائج البعثة الدنماركية في التنقيب في المواقع الإسلامية في البحرين. من تلك المواقع، موقع معابد باربار التي تم إعادة الاستيطان فيها في الحقبة الإسلامية، حيث بني بالقرب من معابد باربار قرية لم يتبقَّ منها إلا بقايا أساس المنازل فيها، وبئر ماء مليئة بقطع الفخار. وقد أظهرت نتائج تحليل الفخار وجود فخار سامراء. هذا الكشف أعاد فرضية Diez والعمود الخشبي الذي زخرف بزخارف سامراء؛ وعليه رجحت Frifelt أن مسجد الخميس الثاني بني في حقبة سامراء (Frifelt 2001, p. 15).

وفي العام 2001م قامت بعثة بريطانية بقيادة Timothy Insoll بالتنقيب في موقع سوق الخميس والمناطق المجاورة لمسجد الخميس في منطقة البلاد القديم. وقد تم نشر التقارير الأولية لهذه البعثة في كتاب The land of Enki الذي صدر العام 2005م.

وتشير تلك التقارير إلى أن البلاد القديم تأسست في القرن الثامن الميلادي وازدهرت في القرن التاسع/العاشر الميلادي، كما هو الحال للقريتين الأخريين في عالي وباربار. وقد أكد Carter في دراسته حول الفخار في البلاد القديم, أن اللقى الآثارية تؤكد أن البلاد القديم ومنذ بداية تأسيسها كانت المركز التجاري الأساسي في البحرين، وأنها، أي البلاد القديم، كانت بمثابة العاصمة (Carter 2005). يذكر أن هناك مناطق تعود لنفس حقبة تأسيس البلاد القديم، ولكن إلى الآن لم يعثر على منطقة كانت معاصرة للبلاد القديم تصلح أن تكون هي العاصمة بدلاً من البلاد القديم (Carter 2005).

وفي نفس الكتاب السابق الذكر، وفي معرض نقاش تاريخ مسجد الخميس، نجد Insoll يسلم بنظرية Kervran على أنها حقيقة علمية، على رغم أن Kervran لم تقدم أي دليل علمي يثبت صحة فرضيتها.

البحرين في العصر العباسي

مما سبق يتضح أن البحرين تطورت بصورة ملحوظة في القرن التاسع/العاشر الميلادي، وهذا التطور انعكس على عدة ملامح حضارية منها فن العمارة، كما سبق وأن أوضحنا في الفصل السابق. إذاً، هل يعقل أن تبقى عاصمة البحرين القديمة، البلاد القديم، بمسجد يتكون من غرفة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 8.2 م X 6.7 م، كما اقترحت Kervran. هنا تأتي نظرية Deiz لتملأ هذا الفراغ. ولكن في حال سلمنا بصحة نظرية Deiz سيكون هناك أربع فترات تم فيها بناء مسجد في موقع مسجد الخميس، إلا أن الواقع، ومن خلال عمليات التنقيب، فإن هناك ثلاث فترات تم فيها بناء مسجد في هذا الموقع. لا يمكن التخلص من هذا التضارب إلا إذا افترضنا أن نقش بناء مسجد الخميس في القرن الثاني عشر (الحقبة العيونية) يشير إلى ترميم المسجد لا بنائه، وبالتالي يكن صياغة نظرية توفيقية تجمع الآراء المختلفة، وفي الوقت نفسه تتماشى مع المعطيات الآثارية:

-1 البناء الأول لمسجد الخميس ظهر بعد العام 707.

-2 البناء الثاني لمسجد الخميس كان في الحقبة 850 - 883.

-3 البناء الثالث لمسجد الخميس قرابة العام 1050م.

-4 توسعة المسجد وبناء منارة فيه في الحقبة 1124 1148.

كل ما ينقص هذه النظرية هي النموذج التاريخي الموازي، وبالخصوص فيما يخص البناء الأول والثاني، وهذا ما سنتناوله بالتفصيل في الفصول القادمة.

العدد 4214 - الجمعة 21 مارس 2014م الموافق 20 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً