النظافة ظاهرة ومنهج حضاري لثقافة العلاقة مع المحيط البيئي للانسان، وتجسد في جوهرها الوعي والسلوك الأخلاقي للفرد والمجتمع، وتمثل المرآة الحقيقية لقيم وعادات وتقاليد الشعوب والمجتمعات على اختلاف انتماءاتها العرقية ومعتقداتها المذهبية، كما تعبر عن مدى رقيها وتقدمها الحضاري. لذلك يعتبر الحفاظ على النظافة سلوكاً ومعياراً للتقدم الحضاري وظاهرة ايجابية تعكس التربية والأخلاق السليمة للعلاقة مع المحيط البيئي للانسان.
وثقافة النظافة هي ركن ركين للتكوين الثقافي لمجتمعاتنا الاسلامية، ولها امتدادها في عمق جذور تقاليدنا الحضارية، حيث نهى الاسلام بشكل قطعي عن الممارسات التي من شأنها إفساد المحيط البيئي للانسان، ومكان عيشه والتأثير السلبي على حياته، وأمر بضرورة الامتثال بالسلوك الحسن في العلاقة مع محيطنا البيئي. وهو النهج الذي يسهم بشكل فعلي في تجسيد قيمنا وعاداتنا، ويؤكد عمق مكانة مبادئنا الاسلامية ويبرز وجهها الحضاري.
إن اهتمام الاسلام بمسائل النظافة والسعي إلى ترسيخها في التكوين الثقافي والنفسي لمجتمعاتنا، ليست مسألة عابرة بل إن ذلك تفضيل لمكانة الإنسان وسموه بين المخلوقات المتواجدة على البسيطة، وحماية لمصالحه وحقوقه في العيش السليم والطبيعي، بعيداً عن مختلف أشكال المنغصات التي تشكل مصدر إيذاء وإضرار بصحته وبوضعه النفسي والمعيشي.
ليس هناك من يختلف مع جوهر ذلك المنهج ومنطلقاته الفكرية، الذي يشكّل الاسلام المصدر الطبيعي لقواعد مفاهيمه، والكل يسعى إلى التأكيد على ضرورة وجوده ضمن ممارساته اليومية، وذلك في إطار فهمه وإدراكه لواقع جوهر المفاهيم الإسلامية في شأن تنظيم تلك العلاقة، بيد أنه على الرغم من معرفة الكثيرين وإقرارهم بواجب اتباع تلك المبادئ، والتظاهر بالالتزام بها قولاً والاستشهاد بمحاسنها في معرض أحاديثهم وتوجيهاتهم، إلا أن ما نشهده من ممارسات خاطئة وسلوكيات غير حضارية في العلاقة مع نظافة المحيط البيئي من قبل أفراد ليسوا بقلة في مجتمعاتنا، لا يعبر بأية حال عن تجسيد لواقع تلك المبادئ، وهو ما يشكّل خللاً وتناقضاً مع ما يجري التأكيد عليه من مبادئ والتزامات، ويشير إلى انعدام الضوابط الداخلية للفرد وضعف السلوك والالتزام الأخلاقي.
البحث عن واقع ذلك الخلل لا يحتاج منا إلى الكثير من الجهد لإبراز الحقائق التي تؤكد دلالات ذلك، وما علينا إلا القيام بزيارة الحدائق العامة، وشاطىء البحر أو متابعة ما تبرزه وسائل الإعلام من حقائق الممارسات غير الرشيدة في العلاقة مع نظافة المحيط البيئي، لنتمكن من الوقوف على حقيقة مشاهد أكوام النفايات المتناثرة في مواقع التواجد الاجتماعي والمعالم البيئية المهمة.
وإن ما يؤلمنا في ذلك الواقع أكوام مخلفات البناء على شواطئنا، والمظاهر غير الحضارية التي شهدناها عند زيارتنا مثلاً، إلى حديقة البديع التاريخية، حيث وجدنا مخلفات مرتادي الحديقة من أكواب وصحون وأكياس بلاستك مبعثرة بين شجيرات الحديقة التي أفاد أحد المسئولين بأن البعض منها شجيرات نادرة.
وفي السياق ذاته، تصدمك مناظر بقايا الأطعمة وعلب العصائر التي تجدها متناثرة في الشوارع إلى جانب مخلفات الباعة الجوالين من بقايا الأسماك والخضروات والفواكه المتعفنة التي تشكل مصدراً لتكاثر الذباب والحشرات والروائح الكريهة التي تفسد نقاء المحيط البيئي، وتترك آثارها السلبية على صحة الإنسان، وتلك صارت ظاهرة عامة في بلادنا.
تلك الحقائق هي محط اهتمام المجتمع، وتشكّل قضية رئيسة في الحوارات المجتمعية التي يجري في سياقها توجيه الانتقادات إلى الجهات المعنية لعدم اتخاذها إجراءات رادعة لمثل هكذا مخالفات، ومن ذلك ما عبّر عنه أحد المواطنين حيث قال «اننا نعاني من الروائح النتنة بسبب مخلفات الأسماك التي يجري تفريغها في المجاري المجاورة لبيتنا». وكذلك ما جرى الحوار بشأنه على ساحل بلدتنا (باربار) حيث كنا واقفين بجوار كتل مخلفات البناء التي جرى تجميعها لإزالتها من على الساحل ضمن خطة لتنظيفه، وتنظيم مرفأ لقوارب البحارة الفقير في تجهيزاته بجهودهم وأموالهم الخاصة، ووجه عددٌ من مرتادي الساحل انتقادهم إلى الشباب المتهوّر الذي عمد إلى إلقاء حاويات القمامة في عرض البحر ودعوا الجهات المسئولة إلى التعاون في ردع هكذا ممارسات.
من المعروف أن هناك منظومة من القواعد القانونية والأنظمة الإدارية للرقابة وردع هكذا مخالفات، كما أن المسئولين في الجهات المختصة والمعنية بشأن البيئة وقضايا النظافة، يؤكّدون على سعيهم للحد من هكذا ظواهر، بيد أنه من أجل إصلاح ذلك الخلل، نحن في حاجة ليس للاعتماد على ما هو موجود من قيم ومبادئ ومفاهيم وحسب، بل تفعيل القواعد القانونية المنظمة لسلوك الأفراد فيما يخص العلاقة بنظافة المحيط البيئي، وجعلها واقعاً ملموساً في الفهم والممارسة، وفي هذا السياق ينبغي أن تجد تصريحات المسئولين واقعها العملي في التطبيق.
من الطبيعي أن يختلف البعض معنا فيما جرى معالجته والاشارة إليه، بيد أنه علينا تفهّم المخاطر الصحية لذلك السلوك، وأن ندرك حجم وأبعاد المشكلة وتداعياتها على سلوك الأجيال ومفاهيمهم في العلاقة مع نظافة المحيط البيئي، وذلك يوجب على الجميع، كلاً من موقعه، تحمّل المسئولية والعمل على تغيير ذلك الواقع قولاً وفعلاً، ذلك هو الحل الذي ينتظر ثمرة تحقيقه الجميع.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4213 - الخميس 20 مارس 2014م الموافق 19 جمادى الأولى 1435هـ
وهذا المفروض يطبق على أيام المناسبات الدينية.
وهذا المفروض يطبق على أيام المناسبات الدينية الي يجيون الناس من المناطق ويفلتون الأكل عند أبواب بيوت الناس وفي الشارع ويمشون بس همهم يجبعوهم بطونهم كانهم مو شايفين خير والتنظيف على البلدية او أصحاب البيوت . اللحين بيطلعون لي ناس بيقولون لا ماصار كل هذا . وشكرا