«إن الله خلق النور في هذا اليوم الذي ظهرت الشمس خلاله»... هكذا تبدأ أسطورة «النيروز» أو «النوروز» في بلاد الشرق، فهو عيدٌ يرمز للصراع بين النور والظلام، بين الخير والشر، أملاً بالحب والأمان في سنةٍ جديدة تبدأ في الحادي والعشرين من مارس/ آذار، عند دخول الربيع وتفتح الأزهار، والذي يحتفل به ما يزيد على 300 مليون شخص في جميع أنحاء العالم.

وفي البحرين، تحرص الكثير من الأسر على الاحتفال بهذا اليوم، إذ يقول فرهاد حسن، بأنهم اعتادوا في مثل هذا اليوم بالمبيت هو وأقرباؤه في منزل العائلة الكبير، حيث يوقدون الشموع ويتسامرون بالقرب من سفرة خاصة بهذه المناسبة.

وتوضح أم رضا، وهي صاحبة محل للحلويات الإيرانية، بأن الحلويات الأكثر مبيعاً لهذه المناسبة هي المكسرات بأنواعها والبيض الملون، كما يزداد الطلب على حلوى «السمنو».

الأمم المتحدة: 300 مليون شخص يحتفلون به حول العالم

أسر بحرينية تحتفي بـ «النيروز» وسط أجواء من الفرح بقدوم الربيع

توبلي - ضحى الغسرة

«إن الله خلق النور في هذا اليوم الذي ظهرت الشمس خلاله»... هكذا تبدأ أسطورة «النيروز» أو «النوروز» في بلاد الشرق، فهو عيدٌ يرمز للصراع بين النور والظلام، بين الخير والشر، أملاً بالحب والأمان في سنةٍ جديدة تبدأ في الحادي والعشرين من مارس/ آذار، عند دخول الربيع وتفتح الأزهار.

ويرى بعض المؤرخين، أن «النيروز» كان في بداياته قبل آلاف السنين في مناطق فارس القديمة، كاحتفال بقدوم الربيع وبتجدد الطبيعة بعد شتاء طويل، في حين يعيد البعض أصل هذا اليوم إلى عصر الملك الفارسي جمشيد بن طهمورث، الذي حمل الجن مركبته إلى جميع أطراف الأرض وهو شخصية يضعه الفرس في مقابل نبي الله سليمان (ع)، ويرون أنه كان يتمتع بالقدرات نفسها التي وهبها الله للنبي سليمان مثل السيطرة على الجن ونحو ذلك.

ووفقاً للأمم المتحدة، فإن كلمة «نيروز» تعني «يوم جديد»؛ وتختلف كتابة الكلمة (نوفروز أو نافروز أو نووروز أو نيفروز أو ناوريز) ولفظها باختلاف البلدان.

ويحتفل ما يزيد على 300 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بالنيروز، وهو يوم الاعتدال الربيعي، باعتباره بداية العام الجديد، وإن الاحتفال به قائم منذ أكثر من 3000 سنة في آسيا الوسطى والبلقان وحوض البحر الأسود والشرق الأوسط والقوقاز وفي مناطق أخرى.

وأشارت الأمم المتحدة إلى أن «هذا العيد يضطلع بوصفه تجسيداً لوحدة التراث الثقافي ولتقاليد تعود إلى قرون عديدة، بدور مهم في تعزيز الروابط بين الشعوب على أساس الاحترام المتبادل ومُثل السلام وحسن الجوار. كما أن الأسس التي تقوم عليها تقاليد النيروز وطقوسه تجسد جوانب من العادات الثقافية والتاريخية لحضارات الشرق والغرب التي أثرت في الحضارات من خلال تبادل القيم الإنسانية، فالاحتفال بالنيروز يعني، من بين أمور أخرى، التوكيد على ضرورة العيش في انسجام مع الطبيعة والتوعية بالصلة التي لا تنفصم بين العمل البناء ودورات التجديد الطبيعية والحرص على المصادر الطبيعية للحياة ومراعاتها».

وتحت البند 49 من جدول الأعمال المعنون بـ «ثقافة السلام»، قامت مجموعة من الدول الأعضاء (أذربيجان وأفغانستان وألبانيا وإيران وتركمانستان وتركيا ومقدونيا وطاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان والهند) بتقديم مشروع قرار معنون «يوم النيروز الدولي» إلى الدورة الرابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة للنظر فيه واعتماده، وفي الجلسة العامة المعقودة في 23 فبراير/ شباط 2010، رحبت الجمعية للأمم المتحدة بإدراج منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في 30 سبتمبر/ أيلول 2009 عيد النيروز في القائمة النموذجية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.

كما أن الجمعية العامة اعترفت بيوم 21 مارس/ آذار بوصفه يوم النيروز الدولي، ودعت الدول الأعضاء المهتمة والأمم المتحدة، ولا سيما وكالاتها المتخصصة وصناديقها وبرامجها المعنية وبخاصة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، والمنظمات الدولية والإقليمية المهتمة والمنظمات غير الحكومية إلى المشاركة في المناسبات التي تنظمها الدولي التي يحتفل فيها بالنيروز.

«النيروز» في البحرين»

لكل شعب عادات وتقاليد تميزه في احتفائه بهذه المناسبة، فالبعض حافظ على تلك الطقوس حرفياً، بينما قيّدتها بعض الدول بالضوابط الإسلامية.

وفي البحرين، تحتفل بعض الجاليات سنوياً بهذه المناسبة، فكيف يكون الاحتفال هنا بعيداً عن أرض الوطن؟

يقول فرهاد حسن، بأنهم اعتادوا في مثل هذا اليوم بالمبيت هو وأقرباؤه في منزل العائلة الكبير، حيث يوقدون الشموع ويتسامرون بالقرب من سفرة الـ «هفت سين»، حتى شروق الشمس.

ويضيف «ما يميز سفرة الهفت سين، بأنها تتكون من سبع سينات فارسية: السركة (خل)، السيب (تفاح)، سكة (القطع المعدنية)، سيد (الثوم)، سبزي (نوع من الأعشاب)، السماق بالإضافةً لنوع من الحلويات يدعى (سمنو)، ومن الضروري أن تشمل السفرة على السيف إلى جانب نبتة القنب، ودائماً ما يوضع في وسط السفرة نسخة من القرآن الكريم».

ويحكي لنا محمد يوسف، نقلاً عن جدته بأن «السبب الرئيسي لعمل مائدة الهفت سين، هو اعتقاد القدماء بأسطورة عودة الأرواح في مثل هذا اليوم للاحتفال مع العائلة، لذا يوضع في هذه المائدة ما لذ وطاب من الحلويات ليبهجوا تلك الأرواح المُعلقة في السماء».

أما مريم محمدي، فترى أن «الاحتفال بهذه المناسبة لا يتم إلا بقراءة دعاء (يا مقلب القلوب والأبصار، يا مدبر الليل والنهار، يا محول الحول والأحوال، حول حالنا إلى أحسن حال)، وذلك لأن جوهر النوروز يعني انتهاء الألم وبداية الأفراح، ولن يجد الناس خيراً من الدعاء حتى يعود الأمن للبلاد والعباد».

في حين يؤكد علي يوسف، بأن «أهم ما يميز يوم النيروز هو الهدايا التي يقدمها كبار العائلة للصغار، هذه الهدايا عبارة عن أوراق نقدية جديدة، على أن توضع هذه الأوراق قبل توزيعها في وسط المصحف للتبرك بها».

من جانبٍ آخر، اعتادت ريما انس وأخواتها على قضاء ليلة العيد في التسوق بينما تقوم والدتهن بتقليب المنزل رأساً على عقب، حيث تقول «من عاداتنا في استقبال النوروز ترتيب الأثاث وغسل السجاد والستائر، وهو طقس معروفٌ باسم (خانة تكاني)».

بالنسبة لفرح عباس فإنها تقول «من عاداتنا في يوم النيروز ارتداء الملابس الجديدة من ثم الخروج في رحلات جماعية مع العائلة إلى الحدائق والمتنزهات العامة».

ويُرجع محمد يوسف سبب الخروج إلى الحدائق إلى «أسطورة فارسية ترى بأن اليوم الثالث عشر من مارس هو يوم شؤم، لذا من الأولى الخروج من المنازل والانصهار بين الأشجار والزهور، عسى أن تقيهم الطبيعة شر هذا اليوم، لكن الناس لم تعد تخرج في اليوم الثالث عشر، بل تخرج في يوم العيد نفسه».

حلويات العيد

ترى أم رضا، وهي صاحبة أحد محلات الحلويات الفارسية، بأن الإقبال للاحتفاء بهذه المناسبة يزداد عاماً بعد عام، فمن الملاحظ انتشار هذه المناسبة حتى بين بعض البحرينيين.

أما عن الحلويات الأكثر مبيعاً فهي المكسرات بأنواعها والبيض الملون، كما يزداد الطلب على حلوى «السمنو»، وهو طبق مقدس يتم إعداده من خلال أخذ نبتة القمح وتقطيعها ليتم «دق» الأوراق بواسطة حجر وتلاوة سورة ياسين وغيره من الآيات القرآنية حتى تخرج المادة البيضاء من النبتة، هذه المادة توضع في قدر كبير وتطبخ على الخشب ليوم كامل، من دون إضافة أي شيء آخر مطلقاً لهذه المادة، وتدريجياً يتغير لونها من الأبيض إلى البني الغامق.

وتذكر بأنه خلال الاحتفال بالنيروز يتم توزيع الحلوى على أفراد العائلة حسب الترتيب العمري من الأكبر إلى الأصغر، حيث يكون في ذلك تجلٍّ للاحترام والتقدير.

وبالنسبة لأطرف العادات المتبعة فهو وضع بيضة على سطح المرآة، ويُعزى السبب في ذلك إلى أن البيضة تتدحرج في وقت ولادة الأرض من جديد.

قوانين «النيروز»

ترى مريم محمدي بأن لـ «عيد النيروز تعاليم وقوانين خاصة يجب اتباعها، تذكر منها: عدم غسل الملابس في الأيام الأولى من العيد، عدم إظهار العصبية أو التوتر لبدء العام بهدوء وتفاءل، تجنب كسر أي شيء يحتوي على زجاج، ارتداء الجديد حيث إن الملابس القديمة تجلب الفقر والحظ السيئ، رمي الأدوية قبل حلول العام الجديد، كي يبعدوا المرض عن المنزل، وأنه من الضروري اجتماع الأسرة في هذا اليوم، فهناك اعتقاد بأن من يتخلف عن الحضور سيصيبه مكروه، كما يتم غرس أشجار أمام المنزل لبث التفاؤل في النفوس وتوسعة الرزق.

تضيف أم رضا إلى ذلك أنه من المستحب زيارة الموتى في يوم النيروز، ووضع بعض الزهور والحلويات بالإضافة إلى قراءة القرآن.

يوم «النيروز»

حول العالم

تشهد مدن إقليم كردستان العراق احتفالات جماهيرية واسعة، حيث تقام مراسيم خاصة بإيقاد شعلة النيروز، فيتجمع المحتفلون في المدن الكردية منذ ساعات الصباح الأولى انتظاراً لموعد إيقاد الشعلة، التي تعد البداية الرسمية لانطلاق الاحتفالات، فتقدم فعاليات موسيقية ودبكات كردية، كما تستعد عائلات أخرى للذهاب إلى سفوح الجبال أو المنتجعات السياحية لقضاء أوقات ممتعة تصاحبها الموسيقى الفلكلورية الكردية والعربية، فضلاً عن عروض الأزياء الشعبية الملونة بشتى الألوان.

وفي أذربيجان يستعد السكان قبل أسابيع للاحتفال بالعيد حيث تنتشر مشاعل النار ويجوب الأطفال الأحياء من بيت لبيت طلباً للحلوى.

أما «النيروز» في مصر فهو عيد رأس السنة المصرية، وهو أول يوم في السنة الزراعية الجديدة.

وقد أتت لفظة نيروز من الكلمة القبطية (ني ـ يارؤو) وهي تعني الأنهار، وذلك لأن ذلك الوقت من العام هو ميعاد اكتمال موسم فيضان نهر النيل، ويعرف باسم «عيد شم النسيم».