قبل أيام، قام أحد أعضاء مجلس الشعب السوري في دمشق وألقى مداخلةً خلال إحدى الجلَسات «البرلمانية العلنية». بعد أن استعرض فكرته قال: أرجو إدراج اتحاد الحرفيين لكي يكونوا مشمولين بالقطاع، ثم تلا هذا البَند المدوَّن بشكل تسلسلي: (أ): العُمَّال والفلاحين أو الحرفيين أو صغار الكَسَبَة... ثم أخذ موضعه وجلس.
بعدها مباشرة، طلبَ عضوٌ آخر في مجلس الشعب الإذن بالكلام. أعطاه رئيس المجلس الإذن فتبيَّن أن لديه تصحيحاً لغوياً فقط على ما قاله زميله قبل قليل. الرجل قال: يجب أن ننطقها: العُمَّال والفلاحون (وليس الفلاحين) لأنها جاءت كمبتدأ، ثم جلس وهو يتمتم.
على إثر ذلك، قام نائب ثالث في مجلس الشعب، معترضاً على تصويب زميله بالقول: يجب أن تكون العُمَّال والفلاحين لأنها بَدَل. قام نائبٌ رابعٌ معترضٌ على التصويبيْن، وقال: يجب أن تكون «والفلاحين» كونها خبر للفعل الماضي الناقص.
نَهَضَ نائبٌ خامس تالياً الفقرة كلها، ومنتهياً إلى ضرورة قولها: والفلاحون، ثم ختمها بالآية الحادية والأربعين من سورة يوسف: «قُضِيَ الأَمْرُ الَّذي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ» فَحَمِيَ النقاش. قام نائبٌ سادس مؤيداً الرأي السابق والأسبق القائل بـ «الفلاحين» باعتبارها بَدَلاً.
نائب سابع قال: بين العُمَّال والفلاحين واو عطف، وهو ما يقطع الشك باليقين في معرفة اللفظ. نائب ثامن (وأخاله رئيس الاتحاد) اعترض وقال: بأن كل الوثائق والمستندات والقوانين منذ أن تأسس الاتحاد العام سنة 1964 كانت قد وَرَدَت اللفظة فيها: الفلاحون.
النائب التاسع قال: يجوز فيها الأمران، أن نقول: الفلاحون والفلاحين لا فرق، لكن الأصح أن نقول: الفلاحين. ولم تهدأ النقاشات، خصوصاً وأن رئيس المجلس كان يُعقِّب على بعضها، فضلاً عن الهرج والمرج، الذي ساد في القاعة من نواب آخرين يُتمتمون أيضاً.
طبعاً، الجدل كان يدور في مجلس الشعب السوري حول صواب لفظة الفلاحين أو الفلاحون، وسورية تحترق منذ ثلاثة أعوام. وكانت المعارك في يبرود والقلمون على أشدها، ومعارك أخرى في الريف الحلبي وفي محيط سجن حلب المركزي، وأجزاء من درعا وحماة والقنيطرة لازالت مشتعلة، فضلاً عن مآسي اللاجئين السوريين في الداخل والخارج.
هذا الأمر، يجعلنا نتأمَّل جيداً في أحوال العديد من برلماناتنا العربية، ليس في سورية فقط بل في غيرها البُلدان، ممن تشترك معها في هندستها المريضة، لمؤسساتها الدستورية «المفترَضَة»، وبالتحديد في المؤسسة التشريعية، التي تشكِّل الصورة الحقيقية للحكم.
فعلى رغم أن مجلس النواب، كمؤسسة تشريعية وطنية هو الممثل المباشر لتطلعات المواطنين، والذي بقوتهم يصدر التشريعات المتفقة مع حقوقهم كبشر، ويلغي ويصدّق على الاتفاقات الدولية والخارجية بين الدولة وخارجها، إلاَّ أنه يُصبح مكاناً للترف، ليس بسبب أعضائه، بل بسبب صلاحياته المنقوصة وعدم قدرته على التقنين، فتُلجِؤهم إلى التعبير عن حاجات هامشية، لا تدخل ضمن اهتمامات المواطن، ولا حماية ثرواته.
يجب أن نُدرِك، أن النظم السياسية، لا يمكنها أن تتطور بحزمة الدساتير غير المعرِّفة عملياً، وغير المدعومة بالتنفيذ. الحكم مرتبطٌ أساساً بالقدرة على التشريع المتماسك والنافذ، وعلى المحاسبة، ومكافحة الفساد، والحد من استغلال النفوذ بلا حد ولا فرامل.
وإن عدم تحقق ذلك من خلال البرلمانات، سيؤدي حتماً (وقد حصل) إلى اختناقات في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة وفي كل شيء. هذه نتائج طبيعية، لأنظمة، فشلت في التزييت لحكمها ولنشاطها التنفيذي في تسيير الدولة، والعكس صحيح.
قبل أعوام قليلة، كَتَبَ دامبيزا مويو، وهو خبير اقتصادي سابق في مصرف «غولدمان ساكس»، تقريراً لافتاً عن قارة إفريقيا. كان يريد أن يغيِّر الصورة النمطية عن القارة، القائمة على ما أسماه: فرسان الأبوكاليبس الأفريقي الأربعة: فساد، حروب، فقر، أوبئة.
أحد أهم أسس النمو هو تحسن الحكم حسب مويو. فمؤسسة «فريدوم هاوس» صنَّفت 33 حكومة في إفريقيا جنوب الصحراء في خانة الحكومات الحرة أو الحرة جزئياً، بينما كان العدد في العام 1980 هو تسعة عشر دولة فقط. وقد خفضت إيطاليا مساعداتها لإفريقيا بنسبة 50 في المئة، وبات في القارة السمراء سبعة عشر بلداً ذا تصنيف ائتماني.
ليس من العدالة أن تبقى النظم السياسية جامدةً ومترهلةً. ولا يمكن أن تبقى المجالس النيابية محنّطةً. إنها إساءةٌ لسمعة المؤسسة التشريعية برمتها. كما أن موت هذه المؤسسة، سيعني فتح الباب لمجيء أناس غير أكفاء لمقاعدها، وبالتالي، بدل أن يصبحوا قوةً لها، يكونون عالةً عليها وعلى ضعفها المتأصل.
الجميع يؤمن بالتطور التدريجي للمؤسسات الدستورية، لكن ذلك التطوّر في أضعف صوره وزواياه، لا يمكن أن يكون بعمر قرنين وربع القرن، عندما كان الفرنسيون في الجمعية الوطنية، يقرّرون بشكلٍ رائعٍ صورة فرنسا الحرة، وهم يتشكلون من المحامين والصحافيين وممثلي الطبقة الوسطى والمتعلمين والتجار. هذا الأمر غير مقبولٍ بالمرة، ولا يمتّ إلى التدرّج بصلة.
يجب أن نؤمن بالتدرّج كونه سُنَّة الحياة وطبيعتها، لكننا أيضاً لا يجب أن نستغرق فيه، لدواعٍ مكشوفة، تتعزّز من خلاله كل أشكال التخلف والتراجع عن تطبيق أبسط الحقوق، ومنع التمييز بين عموم الناس وبين أبناء الذوات، ممن لا يطالهم حساب ولا كتاب.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4212 - الأربعاء 19 مارس 2014م الموافق 18 جمادى الأولى 1435هـ
هذا يسمي الافلاس الفكري وقد ذكرني برواية ابن عمر رضي الله عنه كما رواها وهب بن جرير
سمعت رجلا سأل ابن عمر عن دم البعوض يكون في ثوبه، فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق. قال: انظروا الي هذا يسألني عن دم البعوض و قد قتلوا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم!! و قد سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول للحسن و الحسين: هما ريحاني من الدنيا.
!!!
أموت وأعرف هذا الكاتب المخضرم ما تنذكر كلمة (( البحرين )) في مقالاته حقويييييييييش؟؟!!!!! أرجوكم جاوبوني لا أقط روحي من الطابق الخامس
متابع
نرجوا من الكاتب القدير أن يكتب مقالا يتناول فيه تعاطي الإعلام مع الأزمة السورية ، سواء كان الإعلام المناصر للنظام أم المعارض له . . . . حتى نعلم إن كان يمكن الإعتماد كليا على إعلام معين وتكذيب الآخر بشكل كامل كما يفعل البعض . . . واثقون أن الكاتب لا يخيب متابعيه
هالباب على هالخرابةً
امبسامحة:كلها اختناقات في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة وفي كل شيء
المختار الثقفي
لديهم كلمة الفلاحين او الفلاحون ولدين ازمة التيس المحبس في جسر الذي ازداد وزنه وناقش مسكلته مجلس الشورى والنواب وتركوا حقوق الانسان جانبا... يبدو ان مشكلة التيس مثل مشكلة النووي الايراني...
هو افضل من غيره
مجلس الشعب السوري مجلس منتخب وهو افضل من برلمانات بعض الدول التافهة
هههههههه
ذكرتني ببرلمان الحكومة البحرينية افتتحو الجلسة على نقاش انقراض البلبول وكل واحد منهم ابدى لوعته وحزنه الشديد على ما آل له البلبل ...وكان المواطن البحريني خلصت قضاياه وما عاد يعاني الا من فقد البلبل وصوته الذي كان يملا حديقة الفيلا صباحا نهارا