العدد 4212 - الأربعاء 19 مارس 2014م الموافق 18 جمادى الأولى 1435هـ

الطائفية المقيتة... التحدي الصعب للبلاد

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

لم تمر البلاد في أية حقبة من الحقب التاريخية في تحدٍ طائفي بغيض كما تمر به في المرحلة الراهنة. كان الناس في هذا الوطن يضرب بهم المثل في التآلف والمحبة ودماثة الأخلاق ونكران الذات، ولم يخطر ببال أحد منهم أن يأتي زمان تشحن فيه القلوب بالأحقاد المصطنعة وتؤجج النفوس بالكراهية المفرطة، لأنهم كانوا جميعهم واعين ومدركين لمخاطر الفتن الطائفية والمذهبية على البلاد والعباد، فلهذا كانوا لا يسمحون للذين يعانون من إفلاس فكري وثقافي واجتماعي وسياسي ومن أزمات نفسية وحب للذات، أن يتسلقوا على مصالح الوطن بإثارة الطائفية أو المذهبية أو العرقية من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية.

وقد تمكن الآباء والأجداد بجهودهم الكبيرة وبعشقهم لبلدهم وبتقديرهم لمعتقدات بعضهم البعض، من وأد كل الأفكار الطائفية الهدّامة في مهدها، ولم يعطوا لأصحابها الفرصة لجر البلاد إلى فتن مذهبية خطيرة، وكانوا يقفون صفاً واحداً بكلّ حزم في وجه كل صاحب صوت نشاز يحرّض على الطائفية الحاقدة التي تحاول إبعادهم عن أخلاقياتهم الإنسانية. وقد وجدنا غيرتهم رائعة على أعراض بعضهم البعض، ولم يقبلوا المساس بالمشاعر الإنسانية، فلهذا كان الأجانب الذين يعيشون في أوساطهم يشعرون بالأمن والأمان على أموالهم وأعراضهم وحياتهم كما هو الحال في عصرنا الحاضر في كل المحافظات.

وليس بغريب على أهل هذا البلد الطيب أن نجد الأجانب في مناطقهم يمارسون حياتهم دون أن يتعرّض لهم أحد بالأذى، لأن ثقافة إنسان هذا البلد ووعيه جعلاه يستوعب الآخر برحابة صدر، بغض النظر عن عقيدته وعرقه ومذهبه، لأن سمة التسامح والمحبة راسخة في نفوسهم، ونجد من يحاول استبدالها بالبغض والكراهية الطائفية أو المذهبية في نهاية المطاف يصاب بخيبة الأمل وسوء العاقبة في الدنيا قبل الآخرة. فمن عاش في فترة الستينات من القرن الماضي في مدينة المنامة، تجد ذاكرته مليئة بذكريات التعايش الجميل والخالي من الأحقاد والبغضاء والكراهية التي بنيت على أسس طائفية أو مذهبية أو عرقية. ومن أروع الأمثال في التعايش الراقي نجده في فريق الفاضل وكانو والحطب وبن رجب وآل رضي والعريض والصفافير والعوضي والحدادة ورأس رمان والذواودة وأبوصرة والنعيم والحمام والمخارقة والمهزع، رغم التنوع العرقي والمذهبي والطائفي إلا أننا نجدهم في بوتقة الوطن يداً واحدة في مواجهة الأفكار الشيطانية التي كانت تريد إضعافهم وتشتيت جهودهم في قضايا وهمية لا وجود لها في واقعهم.

وستجد هذا المثال يتكرر في جميع محافظات البلاد الخمس... أتعرفون لماذا؟ لأنهم كانوا يعتقدون أن كل من يحاول إثارة الطائفية في أوساطهم مريضٌ نفسياً أولاً، ولأنهم جعلوا من الخصوصيات المذهبية والطائفية والعرقية سبلاً راقية إلى التراحم والتلاحم الإنساني والاجتماعي ثانياً، ولم يجعلوها سبباً لحدوث الفتن بينهم، فكانوا يذهبون إلى الغوص (شيعةً وسنةً) في سفينةٍ واحدة، ولم يفكروا إلا في أن يرجعوا جميعاً إلى بلادهم سالمين غانمين.

وكان كل واحد منهم يحرص على الحفاظ على حياة وسلامة الآخر، ولم نقرأ في تاريخهم المجيد أنهم سمحوا لأي أحدٍ أن يفرّق بينهم مذهبياً أو عرقياً. وكانوا دائماً يرسّخون في نفوس أبنائهم المفاهيم الإسلامية الأصيلة التي تحثّ على الألفة والمحبة مثل «أحبب لغيرك ما تحب لنفسك»، و«الناس صنفان أما أخ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق». وكانوا دائماً ما يوصونهم بالقول: إياكم أن تستمعوا إلى أحدٍ يدعوكم إلى الإساءة للخصوصيات الدينية أو المذهبية لأي إنسان باسم الدين أو المذهب أو العرق. ويقولون لهم أن مثل هذه الدعوات شيطانية وليس لها علاقة بالدين أو المذهب لا من بعيد ولا من قريب، فالدين والمذاهب جميعها بريئةٌ منها كبراءة الذئب من دم يوسف.

ولاشك أن أبناء البحرين اليوم لو يرجعون قليلاً إلى تاريخ آبائهم وأجدادهم الأخيار، سيكتشفون أنهم عاشوا لذّة الحب الإنساني والرقي الأخلاقي، وقد ضربوا أسمى وأرقى الأمثال في التلاحم الوطني والنبل الإنساني. حتماً بعد قراءتهم المتأنية لحياة آبائهم وأجدادهم سنجدهم يرفضون كل الأصوات التي تدعوهم إلى التفرق المذهبي، وسيكونون خير خلف لخير سلف حقاً، فإن مسئولية ترسيخ اللحمة الوطنية في نفوس أبناء الوطن صغاراً وكباراً، رجالاً ونساء في مختلف الظروف والأحوال، تقع على عواتقنا جميعاً، فلا أحد يستطيع أن يستثني نفسه عن تحمّل هذه المسئولية الوطنية.

والحريصون على سلامة البلاد من سوء الطائفية البغيضة في وطننا الحبيب لا حصر لهم من كثرتهم، فهم موجودون في جميع المناطق والمحافظات، وبإمكانهم المبادرة لتبيان الحقيقة وتقريب وجهات النظر وإبعاد الجيل الحاضر والمستقبل عن أخطار كل الدعوات الشيطانية الداعية إلى تمزيق المجتمع مذهبياً. نسأل الله تعالى أن يحفظ البلاد والعباد من كل الدعوات الطائفية الشريرة التي يمقتها الدين بكل مذاهبه، وينبذها جميع العقلاء والمخلصين في هذا الوطن الطيب.

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 4212 - الأربعاء 19 مارس 2014م الموافق 18 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 6:41 ص

      الوقت

      مازال هناك من الطيبين الاخيار الذين لا يريدون شراً للبلاد وهم كثر كما ذكر الكاتب المحترم لذا يجب مقت كل الشرور الطائفية وسد الابواب أمامها وتفويت الفرصة ع أصحابها ذوي المصالح الانية الضيقة.

    • زائر 9 | 6:25 ص

      الي

      الي دمر البلد وشب فيها الفتن الطائفيه هم التكفيريين مصاصى الدماء وشره على السدج الي صدقوهم والله ياخد الحق ولم الشمل

    • زائر 6 | 3:12 ص

      الطائفية المقيتة

      و سبب الطائفية المقيتة هو تكفير أحدنا الآخر. و الحل إجبار المراجع و العلماء و المفتين على إصدار بيانات و فتاوى بحرمة تكفير أي من الطائفتين. و فضح من يتلكأ!

    • زائر 3 | 11:08 م

      تعديل / ايها المواطنون الشيعة المتقدمون لوظائف تعليمية انتم لستم مؤهلون

      بما ان جميع العاطلين الباحثين عن وظائف في سلك التعليم من الشيعة وليس بينهم عاطل او مرفوض لعدم كفاءءته من المواطنين السنة فان كلام وزير التربية موجهة للمتقدمين للوظائف من الشيعة انتم غير مؤهلين و لستم اهل للوظيفة

    • زائر 7 زائر 3 | 3:22 ص

      ابنة المتروك

      فعلا استاذي كان شعب البحرين بسنته وشيعته
      تربطه علاقة الأخوه والمحبه والألفه لكن في
      وقتنا هاذا اصبح العكس الكره والغيره والحقد
      استاذي نجح من نشر الطائفيه في البلد لانه
      حصل علب بعض من الشعب تميل اليه وتنفذ
      حتي لو كان علي باطل

    • زائر 1 | 10:38 م

      ضاعت البلد

      ضاعت البلد وانتهت بالتجنيس والتمييز

اقرأ ايضاً