ربما «تويتر» هو أكثر مواقع التواصل الاجتماعي الذي عوّد مشتركيه وناشطيه على الاختزال. حجّم الثرثرة والهوامش لا مكان لها في الاختزال ستجد عمقاً في كثير من التغريدات. الأهم من كل ذلك مجموعة مغرّدين تعجّ بهم مساحة «تويتر» هنا في البحرين ودول المنطقة، امتداداً إلى الدول العربية، وخصوصاً مصر.
هنا، ثمة مغردون على مستوى عالٍ من التأسيس والإمكانات؛ لغة ومداخل إلى النكتة وتوظيفها في سياقات غير مباشرة؛ ولكنها مكشوفة... لاذعة... وتبعث على الضحك بكاء أو البكاء ضحكاً. لا فرق.
لا أتناول هنا النكتة باعتبارها منسوخة أو يعاد إنتاجها وإسقاطها على حدث، واقع، شخص. أتناول هنا تلك العفوية والبساطة والتقاط الحدث بذكاء وتقديمه على هيئة نكتة ساخرة. كتابة ابنة وجعها ووجع الذي من ورائها.
كوميديا يختبئ وراءها من فاضت بهم الغُصص والألم أيضاً، ويتحايلون على كل ذلك بذكاء ونباهة يمكن ملاحظتهما قبل إنهاء قراءة التغريدة.
تلجأ تلك المجموعة في خيارها عن اقتناع بأن الناس تقرّحت أكبادهم لهول ما يرون ويعايشون في تدفق معلوماتي كأنه السيل ويتجاوزه، وجلّها بالنص والصوت والصورة لا يُطيل الأعمار لكمّ الرعب والهمّ والفظاعات التي تحتويه؛ ما دفعهم إلى اختيار منحى السخرية والكوميديا السوداء، محاولة في احتواء شيء من ذلك التوتر واحتراق الأعصاب وتلَفِها، في مداخل ومعالجات أخّاذة تترك في النهاية أثراً نقيضاً بابتسامة أو قهقهة أو فحص بالرجلين لشدّة الدخول في نوبات ضحك غير عادي ونادر. في مرحلة لا تعدك بغير النقيض.
لا أقرر جديداً حين أقول، إن تلك المجموعة من حسابات اتخذت السخرية العميقة واللاذعة خياراً ومتنفساً لها وللناس، ليس بالضرورة، أن تحظى بمتابعين مسجّلين في حساباتها وبأعداد كبيرة، وإن حدث ذلك مع العابرين على صفحاتهم أو تغريداتهم، لا يعنيها ازدياد أعداد المتابعين وليس ذلك أول همّهم، بفحْص قيمة وعمق و»خفّة دم» تظل متحركة ومدهشة ومتجدّدة.
بقدر ما يحتاج الناس إلى متابعة ما يحدث في محيطهم وأمكنتهم يذهبون بخيار أنهم لن ينهوا المتابعة تلك بفرح وحبور ونفسيات مستقرة، ومع ذلك لا ينقطعون، وكل ذلك على حساب أعصابهم وأحياناً توازنهم الطبيعي. الكوارث لا تمنحك ذلك التوازن. تصبّ عليك النقيض صبّاً؛ وخصوصاً حين يبلغ الهم والتجاوز والاستلاب مبلغه.
من تعنيهم هذه الكتابة يُحدثون فارقاً كبيراً واستثنائياً في نفسياتهم أولاً بتفريغ تلك الشحنة من التهكّم، ونفسيات متابعيهم. يحدثون فارقاً بالقفز صوغاً له، سخرية من الذين يديرون ذلك الواقع بقبضاتهم الحديدية، وجبْراً وتعويضاً وإن لم يُمسّ بشكل منظور. كل ذلك من وراء حُجُب ذلك الفضاء الافتراضي. كأن فرحنا وضحكنا الشحيحين لا يُراد لهما أن يكونا تحت ضوء الشمس. هناك في المُتخيّل من فضاء مازالت المحاولات حثيثةً للهيمنة عليه وإحكام القبضة على حدوده، وإن لم يبرح ذلك دائرة أوهام تلك الأطراف.
تلك الطاقة تنطلق من معرفة ودراية وخبرة والتصاق بالناس وتفاصيلهم، لا يعني أصحابها كمّ ما تغرّد به. بعضهم يختفي لأيام وأسابيع ولكنه في ذلك الغياب يظل حاضراً بقدرة ما كتب على الانتشار وإعادة تغريد وجعه وسخريته.
المهم لأولئك ألاّ يفقدوا قدرتهم على التهكّم والسخرية المنتجة الفطنة والعميقة.
لم أذكر أسماء بعينها كي لا أسهو عن بعضها من جهة، ومن جهة أخرى أن من تعنيهم هذه الكتابة هم أكثر الأسماء التي يتم تناقل تغريداتها عبْر الرسائل النصية على اختلاف وتنوع إمكاناتها بالنسبة إلى الذين لا يمتلكون حسابات في «تويتر» وغيره من مواقع التواصل، وربما ليسوا متابعين منتظمين لها.
أسماء في ترحالها بين التهكّم على واقع قائم، سياسي، اقتصادي، اجتماعي، لا تنفك مبدعةً في انتزاع ابتسامة أو ضحكة وسط هذا الركام من أفق يبدو مغلقاً، عبْر تغريدات فيها من العمْق والتكثيف والقيمة والرسالة التي تعني مبهوراً هنا وآخر في الطرف البعيد والحدود النائية من «بلاد العُرْب أوطاني»!
خفيفو الدم في «تويتر» سخرية من الوجع لا تنتهي ولا حدود لها، بطاقة خلاقة لن تتردد في الانحناء لموهبتها.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4212 - الأربعاء 19 مارس 2014م الموافق 18 جمادى الأولى 1435هـ
متنفس لا غير
وما الفائدة من السخرية من ا لوجع مادام الوجع مستمرا ، أنتم وبقية الكتاب تكتبون وتنتقدون بالعلن وبالاسم الصريح وبالصورة المعلقة على المقال بغرض حلحلة أمر ما أو معضلة ولا أحد من المعنيين يهتم ولا حتى لبكاء الثكالى ، فما بالك ببعض كلمات وحروف قدرها أربعين حرفا لمجرد التسلية أو قضاء وقت فراغ، هي لن تحدث ثقبا في السياسة العقيمة ولا في الاقتصاد المتهالك ولا في العلاقات الاجتماعية الممزقة ، فضاء التويتر مجرد فضاء لا يسمن ولا يغني من جوع ولا ردة فعل مفيدة، إلا إذا كان في بعضها إهانة ...كما يعتقدون.
مختصر مفيد
على الانسان بعد التوكل ع الله والعمل الشريف وعمل الخير ان يسخر ع الملذات الزائلة والتي لا تولد الا الطمع ومن يجلها.