قراءات كثيرة ومختلفة للأزمة الأوكرانية الراهنة، يحاول كل فريق من خلالها، أن يحشد لوجهة نظره منها، لكن حقائق الجغرافيا والتاريخ، قولها الفصل.
لا يهدف هذا الحديث لتقديم قراءة للأزمة، فالمعلومات حولها، أصبحت متاحةً للجميع، بل تقديم قراءة استشرافية، على ضوء ما هو متوفر من معطيات.
يثير توقيت الأزمة، وتداعياتها جملة من الشكوك والأسئلة. فالأصل فيها، كما هو معلن، خلاف بين الرئيس الأوكراني والمعارضة، حول الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. المعارضة تطالب الرئيس يانوكوفيتش، بالتعجيل بتوقيع اتفاقية الشراكة، والرئيس يماطل في تحقيق ذلك، ويطالب بتوسيع العلاقات مع روسيا. وحين عجزت المفاوضات في الضغط على الرئيس لتغيير وجهة نظره، لجأ المعارضون إلى الشارع، في احتجاجات انتهت بعزل الرئيس، وتغيير توجهات الحكم.
هنا نحن إزاء مطلب غير مفهوم من قبل المعارضة؛ فالاتحاد الأوروبي يعاني من أزمات اقتصادية حادة، ومستوى النمو في بلدانه يتراجع عاماً بعد عام، ويمكننا القول إن الدولة الأوروبية الوحيدة، التي يمكن القول بعدم وجود أزمة اقتصادية فيها هي ألمانيا، وما عداها يعيش أزمات اقتصادية، وتراجعاً في مستوى النمو، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا. لقد بلغت حدة الأزمة الاقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي حد التهديد بتجريد اليونان والبرتغال وإسبانيا، من عضوية الاتحاد، ما لم تتمكن هذه الدول من معالجة أزماتها، التي بلغت حدتها حافة الإعلان عن الإفلاس، يقابل ذلك صعود ملحوظ في القوة الاقتصادية الروسية. ألا يثير الاستغراب المطالبة، بالالتحاق بالاتحاد الأوروبي، بافتراض أنها ستحصل على وضع أفضل من ذلك الذي تحصل عليها من روسيا الاتحادية؟
الأرقام تقول بأن أوكرانيا تحصل على الكثير من علاقتها بروسيا، وأن التحاقها بالاتحاد الأوروبي لن يعوض عنها ذلك؛ فروسيا تلبي حاجة أوكرانيا من الغاز، بقروض مؤجلة، وطويلة الأمد، وهناك تقارير روسية وأوكرانية، تشير إلى أن أكثر من مليون ونصف مليون أوكراني، يعملون في المدن والمصانع الروسية، وأوكرانيا الآن مثقلة بالديون، وكما أشار رئيسها المؤقت، فإنها بحاجة إلى 39 مليار دولار، تؤكّد كل المؤشرات، أن ليس بمقدور الاتحاد الأوروبي تلبية ذلك.
الموقف الأوروبي والأميركي، إذا ما وضع في سياق التحليل الموضوعي، يؤكّد أن الأزمة في طبيعتها سياسية، وتأتي في سياق صراع الإرادات، وعودة روسيا بقوة إلى المسرح الدولي، وفي وضعٍ كهذا تكون الغلبة لمن يملك أوراقاً أقوى في الصراع.
روسيا تحرّكت بسرعة، وأعلن مجلس الدوما عدم اعترافه بالسلطات الجديدة، وفي شبه جزيرة القرم انطلقت مظاهرات مؤيدة لروسيا، تحولت سريعاً إلى المطالبة بالانفصال عن أوكرانيا، والانضمام لروسيا. وتم طرد نشطاء ميدان الاستقلال، المطالب بالالتحاق بالاتحاد الأوروبي، من الإدارة المحلية بالقرم، وبدوره طلب بوتين من مجلس الاتحاد السماح له بنشر قوات روسية في أوكرانيا، نظراً لوجود خطرٍ يهدّد حياة المواطنين الروس، والناطقين باللغة الروسية.
دانت واشنطن ما عدّته عدواناً ضد أوكرانيا، وطالبت موسكو بسحب قواتها، وقرّرت تعليق التحضيرات لقمة مجموعة «الثمانية» المقرّر أن تستضيفها روسيا في يونيو/ حزيران المقبل، ومن جهته أعلن مجلس الاتحاد الأوروبي في اجتماعه الطارئ، عن تأييده لجهود تأمين استقرار الأوضاع في أوكرانيا وإجراء إصلاحات، وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، إن دول الاتحاد ستفرض عقوبات ضد روسيا في حال لم توقف تصعيد التوتر بالقرم. وبدوره أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن واشنطن تدرس سبل الضغط على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية. وفي 4 مارس/ آذار أعلن البنتاجون عن تجميد التعاون العسكري مع روسيا رداً على الوضع في القرم.
أما مندوب روسيا بالأمم المتحدة فيتالي تشوركين، فأكّد أن نشاط العسكريين الروس في القرم لا يتعارض مع الاتفاقيات الثنائية مع أوكرانيا بهذا الشأن، ونفى أن تكون روسيا انتهكت القانون الدولي أو خالفت التزاماتها فيما يخص الوضع في شبه جزيرة القرم. وصوّت برلمان جمهورية القرم لصالح انضمام الجمهورية إلى روسيا، وحدّد 16 مارس الجاري موعداً لإجراء استفتاء شعبي حول الانضمام لروسيا، وعلى إثر ذلك عقد الرئيس بوتين اجتماعاً مع أعضاء مجلس الأمن الروسي للنظر في طلب جمهورية القرم الانضمام لروسيا، وعد الغرب الاستفتاء المقترح على استقلال القرم وانضامها لروسيا، بأن قانون البلاد لا يسمح بإجراء استفتاءات محلية.
تبدو الأمور حتى الآن في صالح روسيا، التي ظلّت تبحث عن أسبابٍ للخروج بقوةٍ من عزلتها، التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفياتي، إلى المسرح الدولي. وقد حصلت على فرصة مجانية، إذا ما قيست بالمكاسب التي سوف تحصل عليها. فقد نجحت في مقايضة خسارة العلاقة مع أوكرانيا، بضمّ جزيرة القرم، التي هي في الأصل جزءٌ من الأراضي الروسية، وتم ضمّها إلى أوكرانيا أثناء حكم نيكيتا خروتشوف، يوم كانت الجمهورية الأوكرانية جزءًا لا يتجزأ من الاتحاد السوفياتي. والأنكى من ذلك بالنسبة للغرب، أن هناك جمهوريات أخرى في أوكرانيا، بدأت تكشف عن رغبتها في الانضمام لشبه جزيرة القرم، وبالتالي لروسيا.
التعاون الاقتصادي، بين روسيا والغرب، ليس أحادياً في فوائده. فكل الأطراف مستفيدة منه، وروسيا لها مخارج كثيرة، إذا ما طبّق الغرب عقوباته الاقتصادية بحقها، وقد بدأت في قذف الكرة في الملعب الأميركي والأوروبي، بإعلانها أنها ستتخذ عقوباتٍ بحق دول الناتو، إذا ما أقدمت على فرض أية عقوبات اقتصادية. وينبغي أن يوضع في الاعتبار، علاقة روسيا بمنظومة «البريكس»، التي تشكّل قوةً اقتصاديةً عالميةً هائلة، وقد كشفت الصين بوضوح عن تضامنها مع روسيا في أزمتها الحالية مع الغرب.
ربما يجد الغرب نفسه، في وضع حرج يضطره في الأيام القادمة للتراجع عن مواقفه ودوره في صناعة الأزمة الأوكرانية، لكن الوقت حينئذٍ سيكون متأخراً. فلن يكون منطقياً أن تفك روسيا اتحادها مع شبه جزيرة القرم، بعد أن يتحوّل ذلك إلى أمر واقع... والأيام القادمة حبلى بأحداث كبرى، ولن ننتظر طويلاً، لنرى من هو الكاسب والخاسر في معادلة الصراع المحتدمة الآن بين الشرق والغرب، لكن المؤكد أننا الآن أمام استدارة سريعة نحو الحرب الباردة.
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "العدد 4211 - الثلثاء 18 مارس 2014م الموافق 17 جمادى الأولى 1435هـ
شكراً لكم
شكراً الى الكاتب المحترم ع التحليل المميز للازمة الاوكرانية.
استدارة مدروسة في الحرب الباردة
الحرب الباردة=حرب الآعصاب لكن تعدد اقطابها من صالح كما خسارة البعض
رب ضارة نافعة
المرسوم تحويل روسيا ونصب الصواريخ المضادة للصواريخ العابرة للقارات تحت مسمى الدرع الصاروخية لكي يتم إسقاط كل الصواريخ العابرة للقارات ويتم استهداف روسيا بالضربة المدمرة القاتلة لكن روسيا الاتحادية لعبتها صح ووردت الاتحاد الأوربي المشرف على اتفاقية المعارضة مع الرئيس المخلوع للتوجه للانتخابات مبكرة روسيا الاتحادية كسرت وألغت أحادية القوة والسيطرة لأمريكا واصبحت الان متعددة الأقطاب شكرًا روسيا