إني أرى حاضر البحرين ينذرنا
بما تخبئه الأيام من علل
إذا توانيتم في سعيكم ذهبت
بلادكم ثم بئتم بعدُ بالفشل
هذا مقطع من أروع قصائد الأديب والشاعر الراحل الذي ربما لا يعرف الكثيرون من الجيل الحالي أنه هو من: عاش بين مدينتين، وأسّس مدرستين، وعانى من غربتين، آخرها كانت الخاتمة لحياته الحافلة، ألا وهو عبدالرحمن بن قاسم المعاودة.
إنها ليست سيرةً مكرّرةً لهذا الرجل، ولكننا نذكر فقط لمن نسي أو يحاول أن ينسى ويحرّف البوصلة نحو اتجاهات غوغائية غريبة على مجتمعنا، من هم رجال البحرين الشرفاء.
حين تعود ذكراه هذه الأيام وكأنها ماثلةٌ وسط الحراك البحريني والأزمة الحالية التي نعيشها، كأنه معنا يشهد فصولها كما شهد وشارك بمثيلتها في ذاك الزمان، أليس هو من قال عنه عبدالله الطائي:
«تمثلت بشعره شخصية العربي في البحرين، فهو ناقدٌ لوضع، ومتذمّرٌ من سلطة، ومقاومٌ لاستعمار».
إنه عبدالرحمن المعاودة، لمن يتذكّره جيداً، ذاك الإنسان البسيط في نشأته الأولي، حتى جعلت منه أحداث ذاك الزمان، كهذا الزمان، رجلاً من رجال الحركة الوطنية، فهو ممّن حلّق عالياً بجناحي الحركة الوطنية في الخمسينيات، أحدهما الشعر الخطابي، والجناح الآخر العمل السياسي المباشر.
ونذكر أيضاً فقط، بأن عبدالرحمن بن قاسم المعاودة وُلد في مدينة المحرق بين يومي 24-25 سبتمبر/ أيلول 1911، وبحسب ما ذكره في لقاءٍ أجراه معه أحمد المناعي العام 1984، أن يوم ولادته صادف أول أيام عيد الفطر، وذاك العام الميلادي كان يصادف العام 1329 الهجري، وليس 1330 هـ كما ذكرت بعض الدراسات.
ومن مقاعد العلم الديني الأول في الكتّاب (المطوع)، إلى طالب بمدرسة الهداية عند افتتاحها العام 1919، حتى جاء المستشار شارلز بلجريف، وقرّر إيفاد عددٍ من الطلبة النابغين للدراسة في الجامعة الأمريكية ببيروت العام 1928، فكان المعاودة من أولئك الطلبة. إلا أنه عاد معهم بعد سنتين على يد نفس الذي أرسلهم (بلجريف) وبطلبٍ منه. والسبب، كما يضيف الشاعر، هو تأييد طلبة البعثة، ومنهم المعاودة، للطلبة الذين أضربوا آنذاك في البحرين عن الدراسة إثر طرد بعض الأساتذة الوطنيين من التعليم، وتغيير المناهج بعد أن تسلم مجال التعليم أحد المتعاونين مع سلطات الحماية من العرب الوافدين، ويدعى فائق أدهم. بينما يذكر تقي البحارنة في احتفالية مرور 51 عاماً على مغادرة بلجريف البحرين وبعد عمله بها لمدة 31 عاماً، أن «المستشار بإعادته طلاب البعثات التعليمية بعد سنة أو سنتين من الدراسة في الخارج، كما حصل في بعثة الجامعة الأمريكية أوائل الثلاثينيات، ثم بعثات الدراسة إلى مصر في منتصف الأربعينيات؛ بسبب نظرة المستشار الضيقة التي تحصر التعليم المناسب للبحرينيين في المرحلتين الابتدائية والثانوية فقط. وتنظر بعين الريبة والشك إلي التعليم الجامعي الذي يهيئ الطلاب لممارسة السياسة وإثارة المتاعب للحكومة، بحسب اعتقاده، ومما كتبه في بعض تقاريره السنوية وكتاباته».
ومع الطلبة الذين عادوا، أسّس الشاعر النادي الأدبي الثاني العام 1930، ومع أن النادي لم يكن يمارس سوي النشاط الثقافي الأدبي إلا أن الحكومة تخوفت منه لتنامي الشعور الوطني بين أعضائه، خصوصاً وأن الشعر مجال مخيف دائماً للدكتاتوريين والمحتلين؛ فأمرت سلطات الحماية بإغلاقه نهائياً. ولأن الحس الوطني كان عالياً عنده، فلم يُحبط المعاودة من هذا الفعل الرسمي ضده. وبما أن سنوات الثلاثينيات البحرينية تميزت ببدء انتشار الوعي بالقومية والعروبة، وظهور طبقة مثقفة تتمتع بهذا التوجه؛ وبعد أن سبقه زميله الشاعر إبراهيم العريض العام 1930 في افتتاح مدرسته الخاصة، ومن واقع تربيته الدينية، وهو يعرف جيداً أكثر من غيره أن سبب تخلف أهل البحرين عن ركب الحياة الثقافية والسياسية هو الجهل والتخلف؛ قرّر المعاودة افتتاح مدرسة الإصلاح الأهلية حوالي العام 1935، ثم أسّس مدرسة الإرشاد الأهلية. وكلتا المدرستين، كما يذكر مبارك الخاطر، أُغلقتا على التوالي، بعد معاناة طويلة تحت ضغط شحّ الموارد، وبسبب عدم تشجيع الحكومة لهما، مع تقديمها خدمات مجانية لبعض طلابها البحرينيين الفقراء. ولم يشفع للمعاودة أحدٌ من المسئولين في حكومة «بلجريف» بأنه لم يكن مديراً ومدرّساً في المدرستين فقط، بل تحمّل عبئاً خرافياً لا يستطيع أحدٌ في ذاك الزمان أن يقوم به صابراً محتسباً. فقد كان مؤلفاً مسرحياً، وأحد رواد كتابة المسرحية الشعرية التي قدّمتهما المدرستان، كان يكتبها لهما ولنادي الإصلاح، ونادي البحرين كذلك، أضف إلى ذلك، تصدّيه لإخراج هذه المسرحيات، بل والتمثيل بها أيضاً إذا دعت الحاجة لذلك.
ومن تراكمات الإحباط الذي عاشه في وطنه، وهو يرى الفساد الذي استشرى في البلد إدارياً ومالياً، ولعدم التقدير لما يقوم به في مجال تطور البحرين أدبياً وتعليمياً، فقد دخل عبدالرحمن المعاودة في أهم مرحلة في حياته، تلك هي عندما انخرط في صفوف الحركة الوطنية في خمسينيات القرن الماضي، بل وغدا أقوى أصواتها الشعرية، لأنه، وكما يصفه عبدالله الطائي: «عرف ماذا يريد العامة، وأدرك ملاحظات الخاصة، فعبّر عنهم بشعره الذي لقي صدى كبيراً في الأوساط»، ومنه هذه الأبيات التي انبلجت حروفها في سماء حراك الخمسينيات حين قال:
كونوا يداً يا بني البحرين واحدةً
وشمّروا كلكم عن ساعدِ العملِ
تمسّكوا بحقوق الشعب فهي له
دينٌ على من أضاع الدين بالحيل
ولنا مع رجل المدرستين وصاحب الغربيتين وقفة أخرى.
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 4210 - الإثنين 17 مارس 2014م الموافق 16 جمادى الأولى 1435هـ
البحرين وطن الثقافة و العلم ..
شكراً للأستاذ الكاتب محمد حميد السلمان على هذا المقال الرائع الذي يسلط الضوء على سيرة الشاعر المعاودة ..
دائماً البحرين تنجب مثل هذه الأبناء و ستضل تنجب و تسعى من أجل الحقوق و العدالة و المساواة و كله يصب في خدمة الوطن البحرين ..
ننتظر الوقفة الأخرى ..
ما كأنك نسيت شيئا مهما
لقد قمت مشكورا بذكر فضل شاعرنا الفاضل بإفتتاح المدرستين. ولكنك نسيت أو تناسيت ذكر الغربتين. فحبذا لو ذكرت سبب غربته. التي عرفناها من آباءنا الكرام. رحم الله شاعرنا المعاودة ورحم الله كل شهداءنا الأبرار اذين ضحوا بالكلمة والدماء الزكية من أجل الوطن وكرامته. محرقي أصلي
شكرا للكاتب
رحم الله المعاوده وتحية الي ال المعاوده فهم اهلنا .
هذا المعاودة الشاعر وهذا معاودة الجهادي
أشعار المعاودة تحمل الهم الوطني فكان رفيع المقام وانا اقصد الشاعر عبدالرحمن وذلك النائب القاعدي الممول للارهابين في سوريا الذي تفاخر بذلك بوضع أشرطة تبين أفعاله الآثمة وتفاخره المصطنع بانه منقد الديمقراطية والمطالب بها وهو الذي لا يعيشها ونقول الاثنان يحملان نفس اللقب لكنهما في العمل الصالح هم يبتعدان بعد السناء عن الارض الاول الشاعر همه رفعت وطنه وأمته والثاني همه تكريس الطائفية واعترافات الإرهابي التونسي ضدها خير دليل
رجل شريف هذا الرجل
لكن من العنوان
فكرت المعاودة
الداعشي.