العدد 4209 - الأحد 16 مارس 2014م الموافق 15 جمادى الأولى 1435هـ

روحاني في عُمان بيضة القَبَّان

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

زار الرئيس الإيراني حسن روحاني سلطنة عمان. عمر الزيارة «زمنياً وكبُعد فيزيائي» يومان لا أكثر، لكن عمرها «الحقيقي» هو أطول من ذلك بكثير. اخترت أن أتريَّث يومين قبل أن أكتبَ عنها طمعاً في متابعة شأنها أكثر، وكي لا يضيع المكتوب، وسط زُحام الأخبار.

لكن، قبل التفصيل في أمر الزيارة، ليأذن لي القارئ الكريم، أن ألِجَ الموضوع بمقدمة صغيرة أرى أنها ضرورية. فحين بدأتُ بكتابة هذه المقالة، بحثتُ عن معنى كلمة مسقط، وعندما ظفرتُ بمعانيها، ساعدني ذلك على الإمساك بالحقائق أكثر فأكثر.

فقد جاء في «العباب الزاخر» في معنى هذه الكلمة، أن «مسْقُطَ» كما جاءت لفظاً، هي قرية على ساحلِ بحرِ فارسَ ممّا يلي برّ اليمنَ، وهو معربُ مشَكتْ. وفي القاموس المحيط: أنها بساحِلِ بَحْرِ عُمانَ. هنا، يتبدَّى لنا ماذا تعني «حقائق التاريخ والجغرافيا» للعمانيين.

فمنذ الأزل، العُمانيون في جوار مباشر مع إيران. لم يرمِ القدرُ تحتَ أقدامهم يابسةً تسمى فارس فجأة، ولم تصنعها الصدفة. أرضٌ مقابلة، فيها شعوب عريقة، ولديها خمسة آلاف عام من التاريخ الحضاري المكتوب، كما عبَّر بذلك الوزير المسئول عن الشئون الخارجية العُماني يوسف بن علوي بن عبد الله في إطلالته الصحافية الأخيرة.

هذا الأمر، صاغَ علاقات سلطنة عُمان السياسية (الخاصة) ليس مع إيران فقط، بل مع الهند وباكستان وشرق إفريقيا واليمن، وعموم الجنوب الآسيوي، ومنطقة البحار الأربعة: المحيط الهندي، بحر العرب، خليج عدن والخليج العربي ذات المجال الاستراتيجي لعُمان.

أرجع الآن إلى تشريح زيارة روحاني إلى عُمان. الزيارة، اكتَسَبَت أهميتها من عدة أمور. أولاً: لأنها الأولى للرئيس الإيراني حسن روحاني إلى دولة خليجية، بل والأولى عربياً. لا بل أكثر من ذلك، فهي الزيارة الرسمية الأولى لروحاني على مستوى ثنائي. ثانياً: أنها للدولة التي كان زعيمها (السلطان قابوس) أول زائرٍ لإيران يذهب لتهنئة روحاني بعد تسنُّمه الرئاسة.

ثالثاً: أنها للدولة الوسيط (سلطنة عمان) بين إيران وخصمها الأميركي منذ عهد بيل كلينتون، وبين إيران والغرب لتسوية ملفها النووي، واللاعبة لدور بيضة القبان في المنطقة، بسياساتها التوفيقية. ورابعاً: أنها تأتي في أوج التوتر السياسي والطائفي في المنطقة، الذي يزداد على وقع سياسات التجييش المذهبي والتكفير والتفسيق... إلخ.

الفاصل بين آخر زيارة للسلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان إلى طهران في الخامس والعشرين من شهر أغسطس/ آب من العام 2013، وبين زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الأخيرة لمسقط هي مئتا يوم فقط (ستة أشهر وستة أيام بالتمام).

وخلال تلك المئتيْ يوم، خَطَت إيران والدول الكبرى الست أهم خطوة باتجاه الحل النووي، وذلك في الخامس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حيث كانت البصمة العُمانية واضحةً على إرهاصاته، وتنفس العالم الصعداء على أثيرها، كونها حلحلت أعقد ملفٍ أمني عالمي.

ما كان لافتاً في زيارة الرئيس الإيراني، أن الوفد الذي رافقه كان على ثلاث شعب: الأول سياسي ضمّ وزير الخارجية محمد جواد ظريف، ووكيله للشئون العربية والإفريقية حسين أمير عبد اللهيان، فضلاً عن سفير إيران في مسقط على أكبر سيبويه.

والثاني اقتصادي ضمّ وزير النفط بيجن نامدار زنكنة، ووزير الطرق وإعمار المدن عباس آخوندي، ووزير العمل والشئون الاجتماعية علي ربيعي، ورئيس البنك المركزي ولي الله سيف، ورئيس منظمة السياحة مسعود سلطاني فر، ورئيس منظمة البيئة معصومة ابتكار (وهما من نواب الرئيس أيضاً) ورئيس هيئة المقاييس نيرة بيروز بخت.

أما الثالث (وهو الأهم باعتقادي) فإنه «خاص» بامتياز. حيث رافق روحاني فريق مكتبه المباشر. رئيس مكتبه محمد نهاونديان ومساعداه للشئون السياسية حميد أبو طالبي، ولشئون الاتصالات رسول ديناروند، ومساعده الخاص للشئون التنفيذية حسين فريدون.

هنا أطرح ثلاثاً من الملاحظات:

أولاً: وجود وكيل وزارة الخارجية الإيرانية للشئون العربية والإفريقية حسين أمير عبد اللهيان ضمن الوفد يطرح العديد من التفسيرات. فالرجل مَعنِيٌ بالملفات الساخنة في المنطقة، وبالتحديد سورية وعلاقات إيران بدول الخليج العربية وشمال إفريقيا.

وربما يكون ذلك جزءًا من الصورة المضمَرَة، التي رافقت زيارة روحاني لمسقط، حيث أن التسريبات التي خرجت، بل والتصريحات الرسمية، أن أحد أهم ملفات الزيارة، هو تسوية الخلافات الإيرانية الخليجية. وهو ما يعني أن ملف تلك العلاقات كان حاضراً في الزيارة.

ثانياً: وجود وزير النفط والطرق والعمل والسياحة والبيئة ورئيس البنك المركزي الإيراني، يعطينا صورةً لحجم الهرم الاقتصادي، التي عكَفَ البلدان على بنائه منذ زمن طويل. فخلال الزيارة وُقِّعَت اتفاقية خط الغاز الذي يمرّ على بحر عمان من إيران حتى شمال السلطنة، قيمة صادراتها الإجمالية هي ستون مليار دولار. وهو رقمٌ أجمعت على ذكره كل من الـ «أ ب» و»رويترز» والـ «أ ف ب»، في حين ستبلغ تكلفة بناء الأنبوب الغازي نحو مليار دولار.

وحسب وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن الاتفاق المذكور ينصّ على تصدير عشرة مليارات متر مكعب من الغاز الإيراني سنوياً إلى سلطنة عمان.

والاتفاقية الثانية في مجال العمل والتشغيل، والثالثة تتعلق بالتدريب المهني والاستفادة منه وتبادل الخبرات والإجراءات والأطر والقوانين التي «تخدم وتُنظِّم العلاقة بين أطراف الإنتاج في أسواق العمل، إلى جانب الاستفادة في مجال تبادل الخبرات والمعلومات».

ثالثاً: وجود فريق تنفيذي مرتبط مباشرة بمكتب وشخص الرئيس الإيراني، وبهذا الحجم، يعني أن هناك خط اتصال مباشر على أعلى المستويات، ما بين عُمان وإيران، سيضطلع بملفات إيران البينية، وبقضايا الوساطة مع الدول بمساعدة وتزييت عُماني كما بُدِئ به قبلاً.

هذا التفسير يبدو قوياً إذا ما ضُمَّت إليه العديد من الإشارات وعمليات الربط الأخرى، وبعد اللقاء المغلق في قصر «العَلَم» الذي اقتصر على السلطان قابوس وضيفه الرئيس روحاني فقط، حسب وكالة الأنباء العُمانية الرسمية. ليس ذلك فحسب، بل لأن البلد المضيف (وهو سلطنة عُمان) هو مَنْ يُنادِم الجميع، ويُحاول إطفاء النيران بين المتخاصمين.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4209 - الأحد 16 مارس 2014م الموافق 15 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 1:08 م

      متابع ... بالنسبة لروحاني

      يقال إن صراعا نشب مؤخرا بين الحرس الثوري من جهة والرئيس روحاني وجماعته من جهة أخرى بسبب سفينة الأسلحة التي أرسلت لغزة ( تبين أن الحرس ورائها و الرئيس لا علاقة له ) ، فهل هذا صحيح ؟ و ما طبيعة تفكير الحرس الثوري في ايران التي يختلفون بها عن روحاني وإلى أين سيؤدي هذا التصادم ؟

    • زائر 8 | 3:45 ص

      جسر السلام

      هل صحيح ان تم الاتفاق علي بناء جسر بين ايران و عمان،،؟

    • زائر 7 | 3:24 ص

      سياسات التهدئة والعقلانية هي المطلوبة

      سياسات التهدئة والعقلانية هي المطلوبة في هذا الوقت الحساس الذي تعيشه بلداننا

    • زائر 6 | 12:47 ص

      فارس الغربية

      #ما يوم سمعنا عمان تقول اكتشفت خلية ترتبط بايران و السبب ان عمان ما تحب تختلق المشاكل و تتبنئ القضايا الوهمية مثل غيرها

    • زائر 5 | 12:40 ص

      رسالة الى مسقط

      تحية بعمان العقل والمنطق

    • زائر 9 زائر 5 | 5:15 ص

      الله يحفظ السلطنة ويحفظ قابوس

      هنيئا لكم عماااان الخير

    • زائر 4 | 12:39 ص

      تحياتي

      اثبتت سلطنة عمان انها دولة صاحبة رؤية سياسية واضحة ومتوازنة وتسعى الى إبعاد التوتر عن المنطقة . شكرا لكاتبنا المميز دائما

    • زائر 3 | 11:43 م

      العمق التاريخي

      هناك صلات و علاقات بين كل دول المنطقة تمتد لآلاف السنين و لا تقتصر هذه العلاقات بين ايران و عمان. المؤسف بان الدول القريبة من بعضها تعيش بالتركيز علي الخلافات و تنسي الارتباطات. بينما تركز علي علاقات حميمة مع الدول البعيدة والتي لا تأثر في أمورها شيئا.

    • زائر 2 | 11:23 م

      عبد علي البصري شكرا على ما كلت شيئ

      شكرا جزيلا موفورا على جهدك , ولم تبدي رأي يستفز عقليه وأحاسيس القاريئ , احنى محنى عارفين انكول شيئ ههههه . سطور سطرت بأتقان من حيث تقصي الحقائق ومن احيث رأيك وتنظيرك للموضوع , ومستقبل الموضوع في خضم هذه الاحداث المتطايره شرارها في كل بيت في الشرق الاوسط. اخيرا شكرا جزيلا .

اقرأ ايضاً