مرّت عملية التنمية الإدارية بمملكة البحرين بمراحل ومحطات حاسمة ساهمت بشكل أو بآخر في بناء وتطوير وتوسع الأجهزة الإدارية للاستجابة لمتطلبات الخدمات التي يحتاجها المواطن. وقد كان للكفاءات الوطنية ممن شغلوا مختلف المستويات والمناصب الإدارية والوظيفية على مدى عقود من الزمان، دورٌ بارزٌ في بناء الدولة الحديثة، حيث تركوا بصماتهم المميّزة بجهودهم الخلاقة والمتواصلة في مختلف مراحل التأسيس والبناء والتطوير والاصلاح للجهاز الإداري. وقد أشرنا إلى ذلك في مقالات سابقة، عند الحديث عن مراحل تطوّر التكوين الإداري الحديث للدولة على المستوى العام.
وقد استعرضنا جوانب التطور الإداري من منظور تاريخي إداري بحت، دون التعرض إلى تشخيص وتحليل التفاوت في مستوى الأداء من حيث النجاحات والإخفاقات، ومن دون ذكر الشخوص الذين كان لهم الدور الرائد في هذا الخصوص. ولكن تبقى الجهود المخلصة هي الفيصل لتقييم التجربة، ولكل مجتهدٍ نصيب. وسنتناول في هذا المقال والمقالات القادمة، دور القطاعات المختلفة، مع تسليط الضوء على التطور الإداري في ديوان الخدمة المدنية كمرتكز أساسي في عملية التنمية الإدارية.
انطلقت بداية تأسيس الديوان منذ صدر المرسوم الأميري رقم (6) لعام 1975م، بإنشاء ديوان الموظفين («ديوان الخدمة المدنية» حالياً) لمواكبة التنمية الإدارية في الخدمة المدنية، ونص المرسوم على إلحاق الديوان بمجلس الوزراء بعد أن كان إدارةً لشئون الموظفين تابعةً لوزارة المالية والاقتصاد الوطني («وزارة المالية» حالياً). وكانت أنظمة الخدمة المدنية تطبقها دوائر حكومية متعددة، وكانت هذه الأنظمة تتمثل في إجراءات شئون الموظفين الصادرة في عام 1964.
وقد أناط المرسوم الأميري بالديوان مسئولية «الإشراف على شئون الموظفين والمستخدمين»، وجعل من أهدافه الرئيسية «تطوير الخدمة المدنية ورفع الكفاءة الإنتاجية وتحقيق العدالة في معاملة الموظفين والمستخدمين». ومنذ إنشائه تحمل الديوان مسئولية صياغة التشريعات والأنظمة التي كانت الأساس لعملية التنمية الإدارية. واستمر في تحديثها لتواكب المستجدات والتطورات التي تشهدها مملكة البحرين في جميع المجالات.
وفي هذا الإطار تم وضع الأنظمة والتشريعات المتعلقة بالتنظيم والقوى العاملة والتصنيف الوظيفي والتعويضات وعلاقات الأفراد والتوظيف والتدريب والتطوير ومكافآت الحوافز والترقيات، وغيرها من التشريعات الأساسية اللازمة لتحقيق التنمية الإدارية، والتي تميّزت بالمرونة والشفافية، بما يجعلها قابلةً لأن تستوعب كل جديد، فكان هذا بمثابة الدفعة القوية لإرساء جميع السياسات والأنظمة الوظيفية.
وفي العام 1978، صدر قرار رئيس مجلس الوزراء بتولي ديوان الموظفين الإشراف المركزي على شئون جميع العاملين في الخدمة المدنية بالجهاز الحكومي، ليشمل هذا الإشراف دارسة واعتماد التنظيمات ومتطلبات القوى العاملة في الأجهزة الحكومية، ويشكل هذا القرار امتداداً للمرسوم الأميري بإنشاء الديوان.
وقد اتخذ ديوان الخدمة المدنية خلال السنوات الأولى من إنشائه منهجاً ذا خطوات ثابتة ومستمرة لدعم عملية التطوير والتنمية من خلال وضع القواعد والمعايير التنظيمية والوظيفية التي تساعد الوزارات والأجهزة الحكومية على رفع مستوى الأداء والإنتاجية في الخدمة المدنية. وقد باشر الديوان عملية التنسيق والاتصال المستمر مع هذه الأجهزة من أجل إجراء الدراسات التنظيمية التي تتركز على إيجاد تنظيمات ذات كفاءة وفعالية، وتكون قادرةً على الاستجابة لمتطلبات الواقع الفعلي للمسئوليات والاختصاصات المناطة بهذه الأجهزة، بحيث يظل ديوان الخدمة المدنية جهة الاستشارة لتقديم ما لديه من خبرة في تذليل المشاكل والعقبات التي تحول دون تنفيذ نتائج الدراسات بشكل مناسب.
وقد أقرّ مجلس الوزراء بتاريخ 13 ديسمبر/كانون الأول 1989، مشروع الخمسة أيام عمل، وتم العمل به اعتباراً من 3 فبراير/ شباط 1990، وذلك على ضوء الدراسة الشاملة التي قام بها الديوان، وعلى إثره أصدر الديوان العديد من الأنظمة والقرارات والتعاميم لتسهيل عملية التحوّل من نظام الستة أيام عمل إلى نظام الخمسة أيام عمل، والذي انعكس أثره إيجابياً على مستوى الإنتاجية، ولقي استحساناً كبيراً من قبل موظفي الحكومة والجمهور على حد سواء.
واستمراراً لعملية التحديث والتطوير، صدر في العام 1996 المرسوم الأميري بإعادة تسمية ديوان الموظفين ليصبح «ديوان الخدمة المدنية»، وتم استحداث إدارات متخصصة في الديوان حدّدت مسئولياتها بدقة. وقد أعطى هذا المرسوم الأميري ديوان الخدمة المدنية دفعة قوية وزخماً متواصلاً في تحسين خدماته لوزارات ومؤسسات الدولة.
إقرأ أيضا لـ "محمود التوبلاني"العدد 4208 - السبت 15 مارس 2014م الموافق 14 جمادى الأولى 1435هـ